يكال لكم ويزاد

كعادته.. استيقظ في ساعة متأخرة من النهار، كانت الشمس تستعد فيها لتسليم “الشيفت” لزميلها القمر، أشعس الشعر، طليق اللحية، مرتديًا سروالًا اختفت ملامح الطباعة التي كانت تزينه، وتي شيريت كان مُقررًا له أن يكون أزرق اللون في يوم ما..
صنع القهوة، وعانقت راحته هاتفه الخاص، بصفته صديقه الوحيد تقريبًا، واقتحم تطبيق الـ”الفيس بوك”، وبدأ يحدث نفسه قائلًا: «أنكد على مين النهاردة؟».. «أعري مين وأشاور على غلطاته؟».. «انتقد مين النهاردة وأقطم ضهره؟».. «مين عليه الدور في تكسير المقاديف؟».
الجميع زاغوا وفسدوا
منذ نعومة أظافره، تلقى صديقنا معلومة، ياليته ما تلقاها، وهي أنه لا عصمة لأحد، الجميع يتعثر وتُذل قدماه، ويالها من معلومة، أعطته فكرة جهنمية -إذ أن من أوحى إليه بها يقطن جهنم بكل تأكيد- تتبلور حول فكرة أن يكون صوتًا، وصفه هو بأنه صوت الحق، ولكن الحقيقة ليست كذلك، فهو صوتًا مزعجًا، كالنعيق، يصدح طيلة اليوم عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك قائلا: «الحقوا.. يا ناس.. يا هوو.. فلان غلط».
مع مراعاة أنه قد يكون هذا الفلان غير مخطئ من الأساس.. وإنما هُناك خلافًا في وجهات النظر ليس إلا.. أو أنه وبحكم المسؤولية أو بأي حُكم آخر تعثرت قدماه، وهو أمر طبيعي، فهذا الفلان لم يقل لنا يا قوم، أنا منزه أو معصوم، وبناء عليه فهو غير مسؤول عن هذه الصورة الملائكة التي بُنيت في مخيلة سيادتكم بشأنه.
وهنا يجب أن نقف، فلا يحق لأحد أن يسحب الصفة الإنسانية والبشرية من أي فرد، مهما كانت صفاته الملائكية، أو نجاحه في مسؤولياته، فالكل له أن يُخطأ، الجميع زاغوا وفسدوا معا، ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد، ولا يوجد “منيو” للأخطاء، فالكل مُتوقع منه أن يعثر في أي خطأ، أعترف بأنني لولا حماية الله لكنت قد سقطت في أشنع وأفظع السقطات، لكن الله كريم، لم يسمح وأدعوه ألا يسمح مُطلقًا.
الصنعة تُحكم
حينما واجهته بتكديره لي ولمن يتابعوه، قال لي: إن مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة الرب، وويل لي لأني لا أنتهج نفس النهج الخاص به في كشف المخطئين، فلم يرد في ذهني في هذا الوقت إلا “طريقة المسيح”، في التعامل مع المخطئين، فقد أعلن مرارًا وتكرارًا أنه يُفضل التعامل معهم، بطريقته التي تُنهي الأمر دائمًا باجتذابهم، وليس إدانتهم.
ولنا في السامرية مثال، فهذه المرأة التي لم نعرف إسمها، كانت إمرأة “زانية”، وبحكم العرف والشريعة لها أن تُرجم، والحديث معها يُشين، وكانت تعتنق الدين اليهودي على المذهب السامري، أي أنها خارجة عن قواعد الدين في نظر اليهود، وبُناء عليه، ما كان للمسيح أن يتحدث إليها، إلا أنه كانت له طريقته الوديعة التي أنهت الأمر بتغيير هذه المرأة تمامًا.
ووفق لذلك، أعترف بأن «طريقة المسيح»، تُساعدني أن أشير للمخطأ أن هُناك خطأ، وأساعده في الإقلاع عن هذا الخطأ، دون أن يشعر بالخزي والعار، وأن يقبل نفسه، وأن يقتنع أن الله شخصيًا يقبله ويحبه، وأن له دورًا صالحًا في المجتمع في انتظاره، وهو ما سيُحول العضو الفاسد إلى عضو نافع مستنير، وهو ما نرجوه ليس إلا.
كما فعلت يُفعل بك
لتعلم يا صديقي.. أنه كما فعلت يفعل بك، عملك يرتد على رأسك، فصوتك المنادي بمحاسبة كل المخطئين، سيعلوا فوقه أصواتًا أخرى، حينما تخطأ، مما سيعدمك معنويًا، ويرجم قلبك المستأسد على الآخرين، إحذر.. لا تدين لئلا تُدان، فبالكيل الذي به تكيل يكال لك ويزاد، لا أطالبك بان تنافق أي مسؤول، ولكن أطالبك بأن تنظر بعين نقية، ونية طيبة، وتلتمس الأعذرا، وحتى إن أردت أن تُشير لخطأ ما -وهو أمر وارد- فهناك طريقة.
وحتى في تعاملك مع الآخرين بشكل عام، إن اكتشفت أن من تتعامل سقط في أي سقطة، مهما كانت، لا تتعامل معه وكأنه ملاكًا سقط من السماء، أذره، شجعه، دعمه نفسيًا، قومه لئلا يتعثر مجددا، عرفه بأنه أخطأ وعليه أن يقوم، وأن هذه ليست النهاية، حتى وإن حُكم عليه وسُجن، له أن يقدم توبة، وأن يخرج عضوًا صالحًا، فحتى إن خسر الأرض لا يخسر السماء كذلك.
كن صوتًا للرجاء، كن بريقًا للأمل، كن وديعًا، كن جميلًا، فهذه الأبواق الرقيقة الهامسة، لها آثرًا طيبًا، لكن النعيق مهما طال أمده، فحتمًا سيحين أجل سكوته، دون أن يُحدث أي صدى أو تغيير.