سها الشرقاوي تناقش: تأثير ارتفاع أسعار البنزين.. الحكومة (1) – المواطن (0)

في خطوة إيجابية تُحسب لوزارة البترول والثروة المعدنية، أصدرت الوزارة بيانًا رسميًا تناول الإجراءات التي اتُّخذت على خلفية تزايد شكاوى المواطنين بشأن ما سُمِّي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بـ”البنزين المغشوش”. وأكد البيان أن الوزارة أجرت تحاليل دقيقة وشاملة لعينات البنزين على مستوى الجمهورية، وقد أظهرت النتائج وجود بعض العينات غير المطابقة للمواصفات القياسية المعتمدة. وفي استجابة فورية وفعالة، قررت الوزارة تعويض المتضررين بصرف مبلغ يعادل قيمة فاتورة استبدال طلمبة البنزين، بحد أقصى 2000 جنيه مصري، وذلك بعد التحقق من الشكاوى المقدمة عبر الخط الساخن أو من خلال الموقع الرسمي لمنظومة الشكاوى الحكومية. وتقوم الجهات المختصة بالتواصل مع المتضررين لمتابعة الإجراءات والتحقق من مدى استحقاق التعويض. يتميز هذا البيان بطابع استثنائي، إذ يعكس اعترافًا ضمنيًا بوجود خلل ما في منظومة توزيع الوقود، وهو ما يُعد تطورًا ملحوظًا في طريقة تعامل الدولة مع الأزمات. ويُحسب للوزارة سرعة استجابتها، وحرصها على التحقيق في الشكاوى بدقة وموضوعية، وهو ما يجسد التزام الدولة بمبدأ الشفافية والانفتاح على المواطنين.
وتمثل هذه الخطوة تأكيدًا على أن الدولة لم تتجاهل شكاوى المواطنين، بل بادرت بفحصها والتعامل معها بمنتهى الجدية، مما يبعث برسالة طمأنة إلى الرأي العام بأن هناك جهات رقابية حاضرة ومستعدة للتدخل عند الضرورة.
ورغم الطابع الإيجابي الذي يحمله البيان، إلا أنه ترك بعض التساؤلات دون إجابات واضحة، وفي مقدمتها: من المسؤول الحقيقي عن تسريب البنزين غير المطابق للمواصفات إلى الأسواق؟ هل تكمن المشكلة في الإنتاج، أم في سلسلة النقل والتوزيع، أم أن هناك طرفًا ثالثًا متورطًا كما ألمح المتحدث الرسمي باسم الوزارة؟إن كشف الحقيقة أمام المواطنين ومحاسبة المسؤول، أيًا كانت الجهة، يُعد استكمالًا ضروريًا لمسار الشفافية. فالإشارة المبهمة إلى “طرف ثالث” تفتح المجال للتكهنات، وتؤخر بناء الثقة الكاملة في المنظومة.
اللافت أن أزمة البنزين المغشوش أثارت تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما لم يحظَ بيان الوزارة بنفس الزخم، رغم ما تضمنه من خطوات حاسمة وشفافة. ويعكس هذا التفاوت ظاهرة اجتماعية متكررة، حيث يميل الرأي العام إلى تداول السلبيات والتشكيك في الإيجابيات. وهو ما يستدعي من وسائل الإعلام والمجتمع دعم الخطوات الحكومية الجادة، وعدم الاكتفاء بتضخيم الأزمات دون تسليط الضوء على الحلول والمعالجات.
وعلى الجهات المختصة الإسراع في إعلان نتائج التحقيقات وتحديد المسؤولين عن الأزمة، وتحويلهم للمحاسبة القانونية حال ثبوت الإهمال أو التلاعب. فهذا هو الطريق الأمثل لوقف تداول الإشاعات، وتهدئة الرأي العام، وإعادة الثقة في المنظومة.
يجب أن تكون أزمة البنزين الأخيرة نقطة تحول حقيقية نحو تطوير نظام رقابي أكثر صرامة ودقة، يشمل شركات التوزيع، ومحطات الوقود، والجهات الرقابية ذات العلاقة. فالاعتراف بوجود خلل ليس نهاية الطريق، بل هو البداية الحقيقية للإصلاح،إصلاح لا يكتمل إلا بالمحاسبة الشفافة، والخطوات الوقائية الجادة، لضمان عدم تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلًا.