اقتصاديون لـ”الدستور”: توقعات بانخفاض التضخم في مصر مع تحسن المؤشرات الاقتصادية

وسط تطورات اقتصادية محلية ودولية متلاحقة، ورغم الارتفاع الهامشي في معدل التضخم الأساسي خلال أبريل الجاري تتجه التوقعات نحو تحسن تدريجي في مؤشرات التضخم بمصر خلال الفترة المقبلة، مدفوعة بمجموعة من المؤشرات الإيجابية التي تعزز الثقة في قدرة الاقتصاد المصري على استعادة استقراره النقدي. وأعلن البنك المركزي، اليوم، ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 10.4% في أبريل، مقارنة بـ9.4% في مارس، في وقت تشهد فيه مؤشرات الاقتصاد الكلي تحسنًا لافتًا، يأتي في مقدمته صعود احتياطي النقد الأجنبي لمستوى تاريخي بلغ 48.144 مليار دولار بنهاية أبريل، إضافة إلى زيادة تدفقات النقد الأجنبي، وتحسن تحويلات المصريين في الخارج، وتوقعات بعودة الاستقرار لحركة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس بعد الاتفاق الأمريكي الحوثي الأخير.هذه التطورات دفعت عددا من الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين إلى التأكيد على أن موجة التضخم المرتفعة تقترب من نهايتها وأن الفترة المقبلة قد تشهد تراجعًا تدريجيًا في معدلات التضخمى ليصل الي 9 % بحلول 2026، خاصة مع استقرار سعر الصرف، وتراجع أسعار بعض السلع عالميًا، وارتفاع جاذبية الاستثمار في مصر. في السياق، يعرض التقرير آراء خبراء الاقتصاد حيث تحدثت “الدستور” مع عدد منهم، حول مستقبل التضخم في ضوء هذه المعطيات، فقد اختلفت رؤى الخبراء حول ما إذا كان التضخم سيشهد تراجعًا ملحوظًا في الفترة القادمة أم أن التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية ستظل تؤثر على معدلاته. يرى بعض الخبراء أن التحسن في مؤشرات الاقتصاد المصري، مثل ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي وزيادة التدفقات النقدية من تحويلات المصريين بالخارج، قد يسهم في خفض التضخم تدريجيًا، بينما يعتقد آخرون أن تأثيرات الأسعار العالمية للسلع الأساسية قد تؤدي إلى استقرار معدلات التضخم في مستويات مرتفعة لفترة أطول.وأشار بعض الخبراء إلى أن عودة الملاحة في قناة السويس الي طبيعتها وتحقيق الاتفاقات الدولية قد يسهم في تحفيز الإيرادات وزيادة الاستقرار المالي، مما قد يعزز فرص انخفاض التضخم على المدى المتوسط.
التوقعات بتراجع التضخم بفضل تحسن الاقتصاد المصري
وأكد محمد عبد العال، الخبير المصرفي أن ارتفاع معدل التضخم الأساسي خلال أبريل الجاري لا يمثل بالضرورة اتجاهًا دائمًا أو تصاعديًا، بل هو في تقديره “ارتفاع هامشي ومؤقت”، ناتج عن عوامل موسمية مرتبطة بشهر رمضان وعيد الفطر، إلى جانب آثار غير مباشرة لبعض الزيادات في أسعار الطاقة والنقل. وأضاف عبد العال لـ“الدستور” أن الصورة الأشمل لمؤشرات الاقتصاد الكلي تشير إلى اتجاه واضح نحو الاستقرار، بل والتحسن التدريجي في معدلات التضخم خلال النصف الثاني من العام الحالي، مستندًا في توقعه إلى قوة المتغيرات الاقتصادية الأخيرة.وأشار عبد العال إلى أن أبرز هذه المتغيرات تمثل في الصعود التاريخي لاحتياطي النقد الأجنبي الذي بلغ 48.144 مليار دولار بنهاية أبريل، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من خمس سنوات، وهو ما يعكس تحسن قدرة الدولة على تغطية وارداتها من السلع الأساسية لأكثر من ثمانية أشهر، ويوفر غطاءً نقديًا قويًا يساعد في استقرار السوق والحد من ارتفاع الأسعار.وأوضح أن التحسن في الاحتياطي النقدي لم يأتِ صدفة، بل جاء نتيجة زيادة التدفقات النقدية من مصادر متعددة، منها تحويلات المصريين بالخارج، وتعافي قطاع السياحة، وارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إضافة إلى تحرير سعر الصرف الذي أعاد التوازن لسوق العملات. ولفت إلى أن قيمة الذهب ضمن الاحتياطي ارتفعت بنحو مليار دولار لتبلغ 13.6 مليار دولار، وهو ما دعم الاستقرار النقدي رغم تراجع السيولة من العملات الأجنبية.ولمّح إلى أن استمرار هذا الأداء الإيجابي سيسمح للبنك المركزي بتثبيت أو خفض أسعار الفائدة تدريجيًا، ما يعزز مناخ الاستثمار دون التسبب في ضغوط تضخمية إضافية. وتوقع عبد العال أن تنخفض معدلات التضخم تدريجيًا بداية من يونيو المقبل، مع تراجع العوامل الموسمية وعودة الاستقرار لأسعار السلع الاستراتيجية عالميًا، مؤكدًا أن الاقتصاد المصري أمام فرصة حقيقية للعودة إلى مسار مستدام من الاستقرار النقدي.
ارتفاع الاحتياطي النقدي وتأثيره على استقرار الأسعار
أشارت سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، إلى أن ارتفاع معدل التضخم الأساسي إلى 10.4% في أبريل لا يدعو للقلق المفرط، بل يعكس تفاعلًا مؤقتًا مع عوامل سعرية داخلية وخارجية. وأكدت الدماطي في تصريحات خاصة لـ“الدستور”، أن المؤشرات العامة للاقتصاد المصري تتجه نحو التحسن، وهو ما يعزز التوقعات بانخفاض تدريجي في معدلات التضخم خلال الشهور المقبلة. وأضافت أن من أبرز العوامل الداعمة لهذا التوقع هو التحسن الكبير في رصيد الاحتياطي النقدي الأجنبي، الذي وصل إلى 48.144 مليار دولار، وهو ما يعكس قوة في قدرة الدولة على امتصاص الصدمات الاقتصادية وتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي العاجل.وأوضحت الدماطي أن ارتفاع الاحتياطي النقدي يعكس تحسن تدفقات النقد الأجنبي من مصادر متعددة، لا سيما تحويلات المصريين بالخارج التي استقرت عند مستويات قوية، بالإضافة إلى الطفرات الملحوظة في إيرادات السياحة وتزايد الاستثمارات الأجنبية.وأشارت إلى أن تحرير سعر الصرف قد ساهم في تحسين كفاءة السوق وتعزيز ثقة المستثمرين، ما أدى إلى تدفقات رأسمالية جديدة ساعدت في دعم العملة واحتواء التضخم المستورد.ولفتت إلى أن الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة والحوثيين بشأن تأمين الملاحة في البحر الأحمر، وما يترتب عليه من عودة الاستقرار في قناة السويس، من شأنه أن يعيد الإيرادات الحيوية لهذا الممر الملاحي إلى مستوياتها الطبيعية، بما يضيف دعمًا مهمًا لميزان المدفوعات ويقلل من الضغوط على الجنيه.وأكدت الدماطي أن استمرار هذه المؤشرات الإيجابية سيعزز من قدرة البنك المركزي على إدارة السياسة النقدية بكفاءة، وربما يسمح بخفض تدريجي في أسعار الفائدة بمجرد تأكد تراجع معدلات التضخم. وتوقعت أن تبدأ وتيرة الانخفاض في التضخم من الربع الثالث للعام، مدفوعة بتحسن العرض المحلي وهدوء أسعار السلع عالميًا، مشددة على أن العام المالي المقبل قد يشهد استقرارًا ملموسًا في الأسعار إذا استمرت هذه التطورات الإيجابية.
دور الاستثمارات والتدفقات النقدية في تقليل الضغوط التضخمية
أوضح الخبير الاقتصادي خالد الشافعي أن البيانات الأخيرة حول التضخم في مصر تشير إلى تغيرات غير مفاجئة في الأوضاع الاقتصادية، مؤكدًا أن ارتفاع المعدل السنوي للتضخم إلى 10.4% في أبريل يعكس واقعًا اقتصاديًا معقدًا، لكنه لا يعد تحديًا كبيرًا. أضاف الشافعي لـ“الدستور” أن هذا الارتفاع يعتبر مؤقتًا، وهو استجابة لعدة عوامل داخلية، أبرزها ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية بسبب تقلبات السوق العالمي، وخاصة أسعار النفط والمواد الخام، إضافة إلى تأثيرات الظروف العالمية مثل الأزمات السياسية والاقتصادية.وأكد “الشافعي” أن هناك مؤشرات اقتصادية إيجابية تُبشر بانخفاض معدلات التضخم في المستقبل القريب، لافتًا إلى زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي وصل إلى 48.144 مليار دولار بنهاية أبريل، وهو ما يعكس تحسنًا في قدرة الدولة على تغطية احتياجاتها من السلع الأساسية وتأمين الاستقرار الاقتصادي. وأوضح أن هذا الارتفاع في الاحتياطي يعكس تدفقات نقدية قوية، سواء من تحويلات المصريين بالخارج أو من إيرادات قناة السويس والسياحة، ما يوفر مزيدًا من السيولة لدعم الاقتصاد الوطني.توقع الشافعي أن تبدأ ضغوط التضخم في التراجع مع تحسن هذه المؤشرات، لافتًا إلى أن التحسن الكبير في الوضع الاقتصادي سيؤدي إلى استقرار السوق المحلي وتراجع الأسعار، خاصة في ظل الاستثمارات الكبيرة في المشاريع القومية التي ستعزز الإنتاج المحلي. وأكد أن تحسن الاستقرار في قناة السويس بعد الاتفاقات الأخيرة سيكون له تأثير إيجابي على الإيرادات، ما يعزز من قدرة الدولة على خفض أسعار السلع الأساسية.واختتم حديثه ان هذه العوامل جميعها ستساعد على العودة إلى مسار الانخفاض في التضخم تدريجيًا، وهو ما سيعزز قدرة البنك المركزي على اتخاذ إجراءات نقدية أكثر مرونة مثل خفض أسعار الفائدة، إذا استمر تحسن المؤشرات الاقتصادية العامة.