إسرائيل ليست صديقة للولايات المتحدة!

(نتنياهو ليس صديقنا.. ومع ذلك، فقد ظن أنه يستطيع أن يجعلك ضحيته.. لهذا السبب أُعجبتُ بكيفية إشارتك إليه ـ من خلال مفاوضاتك المستقلة مع حماس وإيران والحوثيين ـ إلى أنه لا يملك أي نفوذ عليك، وأنك لن تكون ضحيةً له.. ومن الواضح أن هذا قد أصابه بالذعر).. هكذا يتحدث الأمريكيون في رسالة مفتوحة، بلسان الكاتب الأبرز توماس فريدمان، إلى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي يرى فريدمان، أن هناك عددًا قليل جدًا من المبادرات التي اتخذها منذ توليه منصبه في البيت الأبيض، والتي يتفق معها، باستثناء تلك المتعلقة بالشرق الأوسط.. ويوجه حديثه إلى ترامب قائلًا، (إن سفرك إلى هناك، ولقاءك بقادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، وعدم وجود خطط لديك لمقابلة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في إسرائيل، يوحي لي بأنك بدأت تدرك حقيقة جوهرية: أن هذه الحكومة الإسرائيلية تتصرف بطرق تهدد المصالح الأمريكية الأساسية في المنطقة).لا أشك في أن الشعب الإسرائيلي، عمومًا، لا يزال يعتبر نفسه حليفًا ثابتًا للشعب الأمريكي، والعكس صحيح.. لكن هذه الحكومة الإسرائيلية القومية المتطرفة، المسيانية، ليست حليفة أمريكا.. لأنها أول حكومة في تاريخ إسرائيل، لا تُولي أولوية للسلام مع المزيد من جيرانها العرب وتحقيق فوائد تعزيز الأمن والتعايش.. أولويتها هي ضم الضفة الغربية، وطرد فلسطينيي غزة، وإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية هناك.إن فكرة أن لدى إسرائيل حكومة لم تعد تتصرف كحليف لأمريكا، ولا ينبغي اعتبارها كذلك، هي حبة صمغ مريرة صادمة على أصدقاء إسرائيل في واشنطن أن يتقبلوها، ولكن عليهم أن يبتلعوها.. لأن حكومة نتنياهو، في سعيها لتحقيق أجندتها المتطرفة، تُقوّض مصالح الولايات المتحدة.. إن عدم سماح ترامب لنتنياهو بالتفوق عليه، كما فعل مع رؤساء أمريكيين آخرين يُحسب له.. ومن الضروري أيضًا الدفاع عن البنية الأمنية الأمريكية التي بناها أسلافه في المنطقة.. فقد أسس ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر هيكل التحالف الأمريكي ـ العربي ـ الإسرائيلي الحالي بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، بهدف إقصاء روسيا وجعل أمريكا القوة العالمية المهيمنة في المنطقة، الأمر الذي خدم مصالح واشنطن الجيوسياسية والاقتصادية منذ ذلك الحين.. وقد أثمرت دبلوماسية نيكسون وكيسنجر عن اتفاقيات فك الارتباط عام ١٩٧٤ بين إسرائيل وسوريا ومصر، والتي أرست أسس معاهدة كامب ديفيد للسلام.. ومهدت كامب ديفيد الطريق لاتفاقيات أوسلو للسلام.. وكانت النتيجة، منطقة تهيمن عليها أمريكا وحلفاؤها العرب وإسرائيل.لكن هذا الهيكل برمته، اعتمد إلى حد كبير على التزام أمريكي ـ إسرائيلي بحل الدولتين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو التزام حاولت ترامب بنفسه تعزيزه في ولايته الأولى، من خلال خطته الخاصة لإقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية إلى جانب إسرائيل، بشرط، أن يوافق الفلسطينيون على الاعتراف بإسرائيل، وقبول أن تكون دولتهم منزوعة السلاح.. إلا أن حكومة نتنياهو هذه جعلت ضم الضفة الغربية أولويتها، عندما تولت السلطة أواخر عام 2022، أي قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 بوقت طويل.. بدلًا من هيكل الأمن والسلام الأمريكي للمنطقة.لمدة عام تقريبًا، ناشدت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يفعل شيئًا واحدًا لأمريكا ولإسرائيل: الموافقة على فتح حوار مع السلطة الفلسطينية حول حل الدولتين يومًا ما مع سلطة مُصلحة، مقابل تطبيع المملكة العربية السعودية للعلاقات مع إسرائيل.. فمن شأن ذلك أن يُمهّد الطريق لإقرار الكونجرس لمعاهدة أمنية أمريكية ـ سعودية، لموازنة النفوذ الإيراني وتجميد نفوذ الصين.. إلا أن نتنياهو رفض ذلك، لأن المتطرفين اليهود في حكومته هددوا بإسقاط حكومته إذا فعل ذلك.. ومع محاكمة نتنياهو بتهم فساد متعددة، لم يكن بإمكانه التخلي عن حماية منصبه كرئيس للوزراء، لإطالة أمد محاكمته وتجنّب عقوبة سجن محتملة.لذا، وضع نتنياهو مصالحه الشخصية فوق مصالح إسرائيل وأمريكا.. كان من شأن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، أهم قوة إسلامية ـ بناءً على جهد للتوصل إلى حل الدولتين مع الفلسطينيين المعتدلين ـ أن يفتح العالم الإسلامي بأكمله أمام السياح والمستثمرين والمبتكرين الإسرائيليين، وأن يُخفف التوترات بين اليهود والمسلمين في جميع أنحاء العالم، وأن يُرسّخ المزايا الأمريكية في الشرق الأوسط، التي بدأها نيكسون وكيسنجر لعقد آخر أو أكثر.وبعد أن دأب نتنياهو على تضليل الجميع لمدة عامين، أفادت التقارير، أن الأمريكيين والسعوديين قرروا التخلي عن دور إسرائيل في الصفقة.. وهي خسارة حقيقية للإسرائيليين والشعب اليهودي على حد سواء.. إذ أفادت وكالة (رويترز) للأنباء، قبل أيام، أن (الولايات المتحدة لم تعد تطالب السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كشرط للتقدم في محادثات التعاون النووي المدني)..
والآن، قد يزداد الوضع سوءًا.. يستعد نتنياهو لإعادة غزو غزة بخطة (عربات جدعون)، لحصار السكان الفلسطينيين هناك في زاوية ضيقة، على البحر الأبيض المتوسط من جهة والحدود المصرية من جهة أخرى، مع المضي قدمًا في ضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع بسرعة ونطاق أوسع.. وبذلك، سيُعرض إسرائيل، وخصوصًا رئيس أركان جيشها الجديد، إيال زامير، لمزيد من تهم جرائم الحرب التي يتوقع نتنياهو من إدارة ترامب حمايته منها.●●●يقول فريدمان، (لا أتعاطف إطلاقًا مع حماس.. أعتقد أنها منظمة مريضة ألحقت ضررًا جسيمًا بالقضية الفلسطينية.. وهي مسئولة مسئولية كبيرة عن المأساة الإنسانية التي تعيشها غزة اليوم.. كان ينبغي على قيادة حماس إطلاق سراح رهائنها ومغادرة غزة منذ زمن، مما يُزيل أي ذريعة لإسرائيل لاستئناف القتال.. لكن خطة نتنياهو لإعادة غزو غزة لا تهدف إلى إيجاد بديل معتدل لحماس، بقيادة السلطة الفلسطينية، بل إلى احتلال عسكري إسرائيلي دائم، هدفه غير المعلن، هو الضغط على جميع الفلسطينيين للمغادرة.. هذه وصفة لإحداث تمرد دائم، تعيد للولايات المتحدة ذكريات فيتنام، لكن على البحر الأبيض المتوسط).في مؤتمر عُقد في الخامس من مايو برعاية صحيفة (بيشيفا) الصهيونية الدينية، تحدث بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، وكأنه رجل لا يكترث بما يُقال، (نحن نحتل غزة لنبقى.. لن يكون هناك دخول وخروج بعد الآن).. ينوي حشر السكان المحليين في أقل من ربع مساحة قطاع غزة.. وكما أشار الخبير العسكري في صحيفة (هآرتس) العبرية، عاموس هاريل، (بما أن الجيش سيحاول تقليل الخسائر، يتوقع المحللون أن يستخدم قوةً عدوانيةً للغاية، مما سيؤدي إلى أضرار جسيمة في البنية التحتية المدنية المتبقية في غزة.. إن نزوح السكان إلى مناطق المخيمات الإنسانية، إلى جانب النقص المستمر في الغذاء والدواء، قد يؤدي إلى المزيد من الوفيات الجماعية بين المدنيين.. وقد يواجه المزيد من القادة والضباط الإسرائيليين إجراءات قانونية شخصية ضدهم).في الواقع، قد لا تؤدي هذه الاستراتيجية، في حال تنفيذها، إلى المزيد من اتهامات جرائم الحرب ضد إسرائيل فحسب، بل ستهدد أيضًا استقرار الأردن واستقرار مصر.. تخشى هاتان الركيزتان الأساسيتان لهيكل التحالف الأمريكي في الشرق الأوسط، أن يسعى نتنياهو إلى طرد الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى بلديهما، مما سيؤدي بالتأكيد إلى تأجيج حالة من عدم الاستقرار، تمتد إلى حدودهما، حتى لو لم يفعل الفلسطينيون ذلك.. هذا يضر الولايات المتحدة بطرق أخرى.. وكما قال هانز ويكسل، كبير مستشاري السياسات السابق في القيادة المركزية الأمريكية، (كلما بدت الأمور ميؤوسًا منها بالنسبة للتطلعات الفلسطينية، قلّ الاستعداد في المنطقة لتوسيع التكامل الأمني الأمريكي ـ العربي ـ الإسرائيلي، الذي كان من شأنه أن يُحقق مزايا طويلة الأمد على إيران والصين.. ودون الحاجة إلى موارد عسكرية أمريكية كبيرة في المنطقة لاستدامته).ويوجه فريدمان ـ وهو كاتب عمود الرأي في الشئون الخارجية بصحيفة نيويورك تايمز، والفائز بثلاث جوائز بوليتزر، ومؤلف سبعة كتب، بما في ذلك كتاب (من بيروت إلى القدس)، الذي فاز بالجائزة الوطنية للكتاب ـ نصيحة إلى ترامب، قائلًا، (فيما يتعلق بالشرق الأوسط، لديك بعض الغرائز المستقلة الجيدة، سيدي الرئيس.. اتبعها.. وإلا، فعليك أن تُعدّ نفسك لهذا الواقع المُلِحّ: سيكون أحفادك اليهود ـ في إشارة إلى أبناء جاريد كوشنر، يهودي الديانة، من زوجته ابنة ترامب، إيفانكا ـ أول جيل من الأطفال اليهود الذين سينشأون في عالم تُعتبر فيه الدولة اليهودية دولة منبوذة.. وسأترككم مع كلمات افتتاحية صحيفة (هآرتس) الصادرة في السابع من مايو الحالي).تقول افتتاحية هآرتس، (يوم الثلاثاء، قتلت القوات الجوية الإسرائيلية تسعة أطفال، تتراوح أعمارهم بين الثلاثة وأربعة عشر عامًا.. صرّح الجيش الإسرائيلي بأن الهدف كان، مركز قيادة وسيطرة لحماس،، وأنه اتُخذت خطوات للحد من خطر إيذاء المدنيين غير المتورطين.. يمكننا الاستمرار في تجاهل عدد الفلسطينيين في القطاع الذين قُتلوا ـ أكثر من إثنين وخمسين ألفًا، بينهم حوالي ثمانية عشر ألف طفل؛ والتشكيك في مصداقية الأرقام، واستخدام جميع آليات القمع والإنكار واللامبالاة والتباعد والتطبيع والتبرير.. لن يُغيّر أيٌّ من هذا الحقيقة المُرّة: أن إسرائيل قتلتهم.. أيدينا هي التي فعلت ذلك.. يجب ألا نُغضّ الطرف.. يجب أن نستيقظ ونصرخ بأعلى صوت: أوقفوا الحرب).. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.