بين التخفيض والتثبيت.. خبراء مصرفيون يستعرضون توقعات الفائدة قبل اجتماع “المركزي” في 22 مايو

مع اقتراب موعد اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في 22 مايو 2025، تتجه الأنظار نحو القرار المنتظر بشأن أسعار الفائدة، في ظل تراجع ملحوظ في معدلات التضخم خلال أبريل، واستمرار حالة الغموض على الساحة الاقتصادية العالمية، خاصة مع التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة وعدد من شركائها الاقتصاديين.
ويرى خبراء مصرفيون أن الاجتماع المقبل يعد نقطة محورية في رسم معالم السياسة النقدية للفترة القادمة، وسط تباين في التوقعات بين خفض إضافي للفائدة بهدف دعم النشاط الاقتصادي، أو تثبيت معدلاتها لمراقبة أثر الخفض السابق وتحجيم المخاطر المرتبطة بسعر الصرف وتدفقات الاستثمار.
محمد عبد العال: خفض الفائدة يدعم النمو ويحفّز السوق
يرى الخبير المصرفي محمد عبد العال أن الظروف الاقتصادية الحالية تسمح للبنك المركزي باتخاذ خطوة جديدة في اتجاه التيسير النقدي، عبر خفض إضافي لأسعار الفائدة خلال اجتماع مايو، ويعزز هذا الاتجاه انخفاض معدل التضخم العام، الذي سجّل تراجعًا في أبريل، ما يعكس فعالية الإجراءات السابقة التي اتخذها البنك المركزي لضبط الأسعار. وأضاف عبد العال في تصريحات خاصة لـ “الدستور” أن خفض الفائدة في اجتماع أبريل الماضي بمقدار 225 نقطة أساس أنهى أربع سنوات من سياسة التشديد النقدي، ما أرسل إشارة قوية للأسواق حول بداية دورة خفض تدريجية تهدف إلى تحفيز الاقتصاد، وزيادة مستويات الاستثمار والإنفاق المحلي. وأوضح أن تراجع أسعار بعض السلع الأساسية عالميًا، وانخفاض تكاليف الطاقة نسبيًا، يوفّران فرصة للبنك المركزي لتخفيف أعباء تكلفة الاقتراض، وهو ما قد ينعكس بشكل مباشر على تحفيز القطاع الخاص وتنشيط قطاعات متباطئة مثل الصناعة والعقارات.
وأشار إلى أن استمرار الفيدرالي الأمريكي في تثبيت أسعار الفائدة للمرة الثالثة على التوالي يمنح مصر هامش تحرك أكبر، ويقلل من احتمالية خروج رؤوس الأموال الأجنبية، ما يعزز من فرص اتخاذ قرار خفض جديد يتراوح بين 100 و200 نقطة أساس دون التأثير على استقرار سوق الصرف.
سهر الدماطي: التثبيت قرار متزن في ظل غموض الأسواق
في المقابل، ترى الخبيرة المصرفية الدكتورة سهر الدماطي أن لجنة السياسة النقدية قد تميل إلى تثبيت أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل، أو إجراء خفض محدود إذا ما رأت تطورات أكثر وضوحًا في مستويات التضخم العالمية والمحلية. وأوضحت الدماطي في تصريحات لـ “الدستور” أن التراجع في التضخم المحلي خلال أبريل يعد تطورًا إيجابيًا، لكنه لا يرقى إلى كونه اتجاهًا مستدامًا، خاصة مع استمرار التحديات العالمية مثل التوترات الجيوسياسية، وارتفاع تكاليف الشحن، واستمرار الرسوم الجمركية المرتفعة على عدد من السلع المستوردة.
وأضافت أن أي خفض جديد وغير محسوب في أسعار الفائدة قد يؤدي إلى تقلبات في سعر الصرف، وهو ما قد ينعكس سلبًا على مستويات الثقة في الجنيه المصري ويؤثر على استقرار سوق النقد الأجنبي.
ورأت أن تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل سيكون قرارًا متوازنًا يسمح بمراقبة نتائج الخفض السابق، وتحليل انعكاساته على مستويات الطلب والأسعار، خاصة أن المركزي المصري بدأ بالفعل في دورة تيسير واضحة، لكنه بحاجة إلى خطوات محسوبة تُبقي على استقرار الاقتصاد الكلي.
طارق متولي: الحذر واجب والمركزية في القرار باتت ضرورة
من جانبه، أكد الخبير المصرفي طارق متولي، نائب رئيس بنك بلوم سابقًا، أن البنك المركزي المصري يقف في لحظة حرجة تتطلب مزيجًا من الحذر والدقة في رسم المسار النقدي، مشيرًا إلى أن القرار المرتقب بشأن الفائدة يجب أن يراعي أولوية الحفاظ على استقرار سوق الصرف قبل أي اعتبارات أخرى.
وأوضح متولي في تصريحات خاصة لـ “الدستور” أن خفض الفائدة في ظل استمرار حالة عدم اليقين العالمي وتذبذب تدفقات الاستثمار الأجنبي قد يضع ضغوطًا على الاحتياطيات النقدية، خاصة إذا لم تتزامن هذه الخطوة مع تحسن فعلي في مؤشرات جذب رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة.
وأكد أن البنك المركزي يجب أن يوازن بدقة بين دعم النمو الاقتصادي من خلال خفض الفائدة، والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، كما حذر من أن التسرع في الخفض قد يُنظر إليه من قبل الأسواق كتنازل عن أولوية كبح التضخم، ما قد ينعكس على توقعات التضخم المستقبلية.
وأشار متولي إلى أن الأفضل حاليًا هوتثبيت أسعار الفائدةمؤقتًا حتى تتضح الصورة بشكل أكبر، خاصة أن شهر يونيو قد يشهد تقلبات جديدة مرتبطة بتغيرات في أسواق الطاقة، وسلوك الفيدرالي الأمريكي في اجتماعه المقبل.
كما دعا إلى أهمية تعزيز أدوات السياسة النقدية غير التقليدية، مثل التوسع في أدوات تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم تسهيلات موجهة للقطاعات الإنتاجية، بدلًا من الاعتماد فقط على معدلات الفائدة كأداة وحيدة لضبط السوق. توازن السياسة النقدية هو المفتاح
تشير تقديرات الخبراء إلى أن البنك المركزي المصري يواجه معادلة دقيقة، تتطلب توازنًا بين دعم النمو الاقتصادي وتحفيز الاستثمار، وبين حماية الجنيه المصري والحفاظ على استقرار الأسعار، وتُجمع الآراء على أن البنك يتمتع بهامش تحرك أكبر نسبيًا مقارنة بالعام الماضي، إلا أن أي قرار يجب أن يُتخذ ضمن قراءة أوسع للمشهد العالمي والمحلي. وفي حين يرى بعض الخبراء أن الوقت قد حان لمزيد من التيسير النقدي، يرجح آخرون أن تثبيت الفائدة مؤقتًا قد يكون هو القرار الأكثر أمانًا لحماية مكتسبات الاستقرار التي تحققت خلال الشهور الماضية.
ويظل العامل الحاسم في القرار المقبل هو رؤية البنك المركزي لمستقبل التضخم، وسلوك السوق، ومدى تأثير الخفض السابق على مؤشرات الأداء الاقتصادي خلال شهري أبريل ومايو.