أحمد بن طولون: الأمير الذي أسس أول استقلال ثقافي وسياسي لمصر

في الرابع عشر من مايو عام 884، رحل أحمد بن طولون، مؤسس أول دولة شبه مستقلة في مصر عن الخلافة العباسية، لكن إرثه لم يكن سياسيًا فحسب، بل امتد إلى العمارة والطب والرعاية الاجتماعية، ليصنع مشروعًا حضاريًا سابقًا لعصره، لا تزال معالمه حاضرة حتى اليوم في قلب القاهرة.لم يكن أحمد بن طولون مجرد حاكم طموح، بل صانع هوية ثقافية مبكرة لمصر، جمعت بين الاستقلال السياسي والرعاية الاجتماعية والنهضة المعمارية.
ابن طولون.. من عبد مملوك لمؤسس دولة
وُلد أحمد بن طولون عام 835 لأب تركي، وأُرسل إلى مصر واليًا من قبل الدولة العباسية، لكنه ما لبث أن استقل بحكمه فعليًا، ليؤسس دولة قوية كانت لها السيادة على مصر والشام والحجاز لسنوات. ما يميّز بن طولون أنه لم يكن مجرد أمير حرب، بل كان راعيًا للفنون، محبًا للمعرفة، حريصًا على عمران الأرض.
جامع ابن طولون.. بيان ثقافي بالحجر
أمر أحمد بن طولون ببناء واحد من أقدم وأكبر المساجد في مصر: جامع ابن طولون، الذي يعد تحفة معمارية نادرة من الطوب المحروق، متأثرًا بالعمارة العباسية وخاصة جامع سامراء في العراق. يتوسط الجامع صحن مفتوح، وتحيط به أروقة، وتعلوه مئذنة حلزونية الطراز هي الوحيدة من نوعها في مصر.تحوّل المسجد عبر القرون إلى رمز للهوية الثقافية الإسلامية في القاهرة، واستخدم كموقع لتصوير العديد من الأفلام المصرية والعالمية، ما جعله شاهدًا حيًا على استمرارية الأثر الثقافي لابن طولون.
الطب والرعاية.. بيمارستان سابق لعصره
من أبرز معالم مشروع “بن طولون” الحضاري، إنشاء بيمارستان (مستشفى) في الفسطاط، يعد من أوائل المؤسسات الصحية الشاملة في العالم الإسلامي. لم يكن للعلاج فقط، بل أيضًا للتدريس والعناية النفسية، ما يكشف عن وعي ثقافي وإنساني متقدم لدى الأمير.
جيش قوي واقتصاد مستقل
اعتمد أحمد ابن طولون على تأسيس جيش من المماليك، وفصل الموارد المالية لمصر عن الخلافة، وأنشأ نظامًا ضريبيًا مستقلًا، سمح له ببناء مؤسسات دائمة تخدم الناس وتدعم الثقافة، في وقت كانت فيه كثير من الدول تعاني من الاضطراب والانقسام.