تدهور مستوى المعيشة وميليشيا الدعم السريع أجبرت السكان على النزوح القسري

تدهور مستوى المعيشة وميليشيا الدعم السريع أجبرت السكان على النزوح القسري

كشف ناشطون سودانيون عن تفاصيل من المعاناة اليومية التى يعيشها أبناء الشعب الشقيق يوميًا منذ عامين، مع دخول الحرب التى تشهدها البلاد عامها الثالث، جراء تمرد ميليشيا «الدعم السريع» ضد الجيش السودانى، مستعرضين الانتهاكات التى يتعرضون لها يوميًا من هذه الميليشيا المسلحة، التى قتلت الملايين وأجبرت مثلهم على النزوح، ودمرت كل البنية التحتية تقريبًا. وأوضحوا، فى حديثهم مع «الدستور»، أنهم عانوا من النزوح المستمر جراء انتهاكات الميليشيات المسلحة، فى المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، قبل بدء عودتهم من جديد إلى ديارهم، بعد نجاح الجيش السودانى فى طرد هذه الجماعات من مناطق واسعة، خاصة فى العاصمة الخرطوم.وبَين المواطنون السودانيون كيف تكيفوا مع الظروف القاسية التى خلفتها الحرب، والتحديات التى يواجهونها فى تأمين احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والماء، بالتزامن مع تردى أوضاع قطاعى الصحة والتعليم بصورة كبيرة.

عثمان البخيت:  الظروف شديدة القسوة.. وقضيت 3 أشهر دون أى تواصل مع عائلتى

■ اندلعت الحرب منذ أكثر من عامين.. فكيف أثر ذلك على طبيعة حياتك اليومية؟- الحرب أثرت بشكل كبير على حياتى، فقد غيّرت كثيرًا من روتينى اليومى، وبدلًا من التركيز على العمل، أصبحت مشغولًا بالتفكير المستمر فى عائلتى، التى لم أرها منذ أكثر من خمس سنوات، خاصة أن التواصل معهم كان صعبًا للغاية، لدرجة أننى قضيت أكثر من ثلاثة أشهر دون تلقى أى أخبار عنهم.وخلال النزوح من المناطق التى تسيطر عليها ميليشيا الدعم السريع، كانت الأوضاع فى غاية الصعوبة، حيث واجهنا تحديات كبيرة قبل تأمين طريق للخروج من مناطق الخطر.■ كيف تستطيع الأسر فى السودان تلبية احتياجاتها فى ظل استمرار المعارك؟- أبرز التحديات اليومية للأسر السودانية تتمثل فى الوصول إلى المناطق الآمنة، حيث يعد ذلك أولوية قصوى، قبل البحث عن الطعام والمياه والعلاج.والظروف فى السودان قاسية جدًا، فى ظل الأزمة الاقتصادية وعدم توافر الخدمات الأساسية فى مناطق النزوح، ما يجعل الاعتماد على الجمعيات الخيرية أمرًا ضروريًا. وفى بعض المناطق، يتواصل الأهالى مع أقاربهم فى الخارج، ما يساعد فى تغطية جزء كبير من احتياجاتهم، لكن أصعب الأمور تتمثل فى التعامل مع مشاعر الخوف والقلق فى ظل الأوضاع الراهنة، خاصة مع انقطاع وسائل التواصل وانتشار الأخبار غير الدقيقة، فأحيانًا تصل أخبار مغلوطة عن مقتل أحد الأقارب على يد الميليشيات، ما يسبب صدمة ورعبًا شديدين، ولكن بعد فترة يتبين أن هناك خطأ فى الاسم أو المعلومة. ■ هل تطورت الأمور للأفضل بعد استعادة الخرطوم من الميليشيات؟- فى الفترة الأخيرة أصبح التواصل متاحًا نوعًا ما، بعد وصول العائلات والأصدقاء إلى مناطق آمنة تتوافر فيها شبكات الاتصال، لكن لا يزال كثيرون يواجهون صعوبات، بسبب الحاجة إلى تأمين المتطلبات الأساسية.ففى البداية، كما قلت، لم يكن هناك أى قنوات تواصل واستمر الأمر لفترة طويلة، ما زاد من العزلة مع صعوبة الاطمئنان على الأهل، ولاحقًا، بدأت أجهزة الاتصال بالأقمار الصناعية «ستار لينك» فى الظهور، لكنها توفر اتصالًا ضعيفًا وغير مستقر، كما أن التواصل عبر تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعى يظل محدودًا، حيث تتطلب ساعة واحدة من الاتصال مبلغًا يصل إلى ٦٫٠٠٠ جنيه سودانى فى بعض المناطق، ما يجعل الأمر صعبًا ومكلفًا للكثيرين.■ كيف أثرت الحرب على المستشفيات والمراكز الصحية؟- أبرز التحديات التى تواجهها المستشفيات والمراكز الصحية فى السودان تكمن فى نقص المستلزمات الطبية الأساسية، حيث إن ٨٠٪ من المعدات والأدوية غير متوافرة، رغم وجود الكوادر الطبية، إلا أن النقص الحاد فى المواد اللازمة لعلاج المرضى يعقد عملية تقديم الرعاية الصحية.وفى ظل نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، يتعامل البعض مع الوضع بالاعتماد على الطب البديل، مثل الأعشاب، بينما يحاول آخرون الحصول على الأدوية عن طريق الخارج، لكن الحالات التى يتمكن فيها الناس من توفير العلاج من الخارج نادرة جدًا. أما بالنسبة لأبرز الحالات الطارئة التى لم يتم التعامل معها بسبب الظروف الحالية، فتشمل الإصابات الناتجة عن الحرب، وحالات الولادة الطارئة، بالإضافة إلى العمليات الجراحية المفاجئة، التى لا يمكن إجراؤها حاليًا بسبب نقص الإمكانات.■ ماذا عن المدارس والمنشآت التعليمية؟- أثر النزاع بشكل كبير على تعليم الأطفال فى السودان، حيث أصبح مستقبلهم مجهولًا، فى ظل غياب التعليم، ورغم إجراء امتحانات الشهادة السودانية إلا أن قسمًا كبيرًا من الطلاب لم يتمكنوا من التقدم للامتحانات بسبب ظروف الاشتباكات فى المناطق التى يسكنون بها، إضافة إلى أن دولة تشاد المجاورة منعت أكثر من ١٨ ألف طالب من البقاء للامتحان على أراضيها.وقد توقفت المدارس عن العمل بشكل كامل، لكن فى بعض مناطق النزوح بدأ الأهالى بإنشاء خيام لتعليم الأطفال، كما يعتمد الآباء على جمع بعض المبالغ المالية أو إرسال أموال لطباعة الكتب وإرسالها إلى مناطق النزوح لتعليم أبنائهم، فى ظل استمرار الظروف الصعبة.

وفاء رضوان:  الأسر تشتتت والسرقات تزايدت مع غياب الأمن

■ ما المسار المتوقع للسودان خلال الفترة المقبلة؟- الوضع فى السودان اليوم صعب جدًا، ويشعر الجميع بعواقب النزاع المستمر الذى أثر بشكل عميق على حياتنا اليومية، لا يمكن لأحد التنبؤ بمتى ستنتهى هذه الأزمة أو كيف سيكون شكل المستقبل. مع ذلك، نحن فى الداخل وفى الخارج نتمسك بالأمل فى عودة الاستقرار والهدوء إلى بلادنا، رغم المعاناة التى نشهدها كل يوم من فقدان للأحبة، وتدمير للمرافق الأساسية، والصعوبات التى نواجهها فى تأمين الاحتياجات الأساسية، إلا أن هناك إصرارًا على الاستمرار والمضى قدمًا، الأمل فى أن تتغير الأوضاع لصالح الجميع، وأن تتضافر الجهود الداخلية والخارجية لإعادة بناء السودان بعد هذه المحنة، هو ما يجعلنا نتمسك بالحياة. ومع تقدم الزمن، نؤمن بأن السودان سيعود أقوى مما كان، بالرغم من أن الطريق طويل ومحفوف بالصعوبات، ويبقى أملنا فى وحدة الشعب السودانى.■ كيف أثرت الأزمة الحالية على معيشة السكان؟- النزاع أدى إلى عدم الاستقرار، وأصبحت كل أسرة مشتتة فى بلد مختلف، ما صعّب علينا الحياة اليومية وأثّر على التواصل بين أفراد العائلة.والأمور فى السابق كانت ميسرة إلى حد كبير، ولكن الأزمة أثرت على الإمدادات الغذائية وأسعار السلع، ما جعل الحياة أكثر صعوبة.■ ما وسيلة التواصل بين الأهل والأصدقاء فى ظل الوضع الحالى؟- نعتمد على الإنترنت، وأحيانًا نستخدم شبكة «ستار لينك» إذا توافرت لدينا، ولكن فى بعض المناطق يكون الاتصال صعبًا للغاية، نستخدم «فيسبوك» بشكل أساسى، فهو الوسيلة الأكثر سهولة للتواصل مع الأهل والأصدقاء.■ ما أبرز جرائم الميليشيات بحق المدنيين؟- شهدت البلاد انتشارًا واسعًا لعدة أنواع من الانتهاكات منذ اندلاع النزاع، أبرزها السرقات التى تزايدت بشكل ملحوظ بسبب غياب الأمن وتدهور الظروف المعيشية. وبجانب ذلك، كانت هناك أيضًا عمليات تهجير قسرى للسكان من مناطق النزاع، إضافة إلى العنف المسلح والتعدى على الممتلكات الخاصة.العنف الجنسى كان أبرز الانتهاكات التى طالت النساء بشكل خاص، حيث تعرض العديد منهن للاغتصاب والإذلال فى ظروف مرعبة، كما تم الاعتداء على المدنيين بشكل مباشر.

تهانى عباس: الكوادر الصحية مستهدفة.. والنساء تعرضن للبيع والاغتصاب

■ ما تأثير الحرب على حياتك اليومية وعائلتك؟- أثّر النزاع الحالى على حياتى اليومية والعائلية بشكل مرعب وسريع جدًا، هربت وأُجبرت على التهجير القسرى مرتين، الأولى من الخرطوم، ثم من الجزيرة حيث مسقط رأسى. الحرب أثرت على عائلتى بشكل كبير، فقدت والدتى خلال النزاع، وبعدها هُجرت قريتى بالكامل، قبل أن يتشتت أفراد عائلتى بين دول الجوار وداخل السودان.■ ماذا عن التحديات التى واجهتموها فى تأمين الاحتياجات الأساسية؟- فقدنا كل مواردنا، وكان لدىّ منزل جميل فى الخرطوم وطفلان، وأعمل فى مكتب محترم، لكن فقدت كل شىء بسبب النزاع. أُجبرت على النزوح إلى «مدنى» فى ولاية «الجزيرة»، وبدأت من جديد، لكن التهجير تكرر مرة أخرى، بالتزامن مع مواجهة تحديات كبيرة فى الحصول على أذونات عمل فى البلدان الصديقة.■ كيف تتغلبون على مشاعر الخوف والقلق فى ظل الأوضاع الراهنة؟- القلق والخوف أصبحا جزءًا من حياتى اليومية. نعيش فى حالة من التفكير المستمر فى المستقبل، فى البلدان الغريبة التى نعيش فيها، نفكر فيما سيحدث غدًا، هل سنعود قريبًا إلى ديارنا؟ هل سألتقى عائلتى وأصدقائى مجددًا؟ تلك المشاعر تكاد تقضى على حياتى، لكننى أتمسك بالأمل، وأؤمن بأن السودان يمرض ولا يموت، وبأن الغد سيكون أجمل.■ ماذا عن التواصل مع أصدقائك وعائلتك فى هذه الفترة العصيبة؟- نظرًا لأن معظم عائلتى داخل السودان، أجد صعوبة كبيرة فى التواصل معهم. أعيش لحظات قاسية حتى أتمكن من الحصول على «ستار لينك»، نتبادل من خلاله إرسال رسائل حزينة وقليلة، فى الوقت الذى أتواصل مع أصدقائى فى الخارج عبر «فيسبوك» و«واتس آب». أستخدم هذين التطبيقين بشكل كبير فى التواصل. ومن خلال «فيسبوك» أتابع أخبار الأصدقاء وأتعرف على الوضع العام، مع إبقائى على اتصال بالعالم الخارجى.■ ما الانتهاكات الأكثر شيوعًا التى شهدها السودان خلال الحرب؟- السودان شهد جميع أنواع الانتهاكات، بداية من ضرب المواطنين بالرصاص، إلى تعذيبهم واغتصابهم، وصولًا إلى تهجيرهم قسرًا. الحرب فى السودان مليئة بالقتل والتعذيب والانتهاكات بحق النساء والأطفال.■ هل هناك تحديات بعينها تواجهها المستشفيات والمراكز الصحية وتعليم الصغار؟- أبرز التحديات تتمثل فى استهداف الكوادر الصحية، سواء كانت أطقمًا طبية أو مقدمى خدمات. هناك أيضًا قصف مباشر للمرافق الطبية، وتدمير للبنى التحتية، فضلًا عن نقص الموارد والأدوية، ما يجعل الوصول إلى المرافق الطبية شبه مستحيل. غالبية المواطنين فقدت حياتها بسبب انعدام الأدوية، أو صعوبة الوصول إلى المرافق الطبية. مع ذلك، هناك بعض غرف الطوارئ التى تقدم الخدمات بشكل محدود.وللأسف، فقد الطلاب السودانيون عامين دراسيين بسبب الحرب. الآلاف من الطلاب فى مختلف المراحل التعليمية فقدوا فرصهم فى التعليم، ما يعرض مستقبلهم للخطر. كما أن البعض منهم انخرط فى الحرب بدلًا من الدراسة.■ كيف دفعت المرأة السودانية ثمن ويلات الحرب؟- المرأة السودانية دفعت ثمنًا باهظًا، فقد أصبحت أجساد النساء مسرحًا للمعارك، وتعرضن للبيع والاغتصاب. النساء قُتلن واُغتصبن وتعرضن للإهانة. هذا الثمن كان غاليًا جدًا، فى ظل مواجهة العنف والإذلال كأداة حرب. النساء يواجهن مخاطر يومية بفقدانهن أبسط احتياجاتهن، حتى «الفوط الصحية» أصبحت حلمًا بعيد المنال.