مؤرخ موسيقى: عبده الحامولى كفيل بالتغيير الاجتماعي في هيئة مغنٍ

حينما نذكر أعلام الغناء الشرقي في مصر، لا يمكن أن نتجاوز اسم عبده الحامولي، ذلك الصوت الذي لم يكن مجرد مطرب بل كان يحمل في نبراته روح الإصلاح الاجتماعي ورقي الأخلاق. لم يكن الفن عنده وسيلة للترف أو اللهو، بل رسالة يتسلل عبرها إلى القلوب والعقول. وفي كتاب “الموسيقى الشرقية والغناء العربي”، أفرد الكاتب قسطندي رزق فصلًا كاملًا عن عبده الحامولي، ليس كفنان فقط، بل كـ”مصلح اجتماعي في ثوب مغن”، يكشف فيه جانبا إنسانيا عظيما في شخصيته، كان سببًا في خلود ذكراه في الضمير المصري.وفيما يلي نص ما كتبه قسطندي رزق عن عبده الحامولي، كما جاء في الكتاب: “كان عبده الحامولي نموذج الرجل الصالح يحافظ على مواقيت الصلاة ويربأ بنفسه عن كل دنيئة صائنًا من الدنس عرضه وأعراض الناس، حريًا بأن يُعرف بالمصلح في ثوب مغنٍ، لم يقتصر جوده على جياع أطعمهم، أو عطاش سقاهم، أو عُرْيًا كساهم، أو مرضى وأساهم، أو سجناء زارهم، أو مقترعين دفع عنهم البدل العسكري حتى بلا سابق معرفته لأشخاصهم، بل تجاوز ذلك كله إلى أن بلغ حدود الساقطات اللواتي إذا لمحهن بوجه الصدفة في طريقه وهو عائد إلى بيته في عربة مستصحبًا معه بعض رجال التخت بعد الانتهاء من سهرته الغنائية استوقف لوقته وجمعهن حوله وأفاض عليهن من سجال عُرفه عن تهلل وابتسام ما يملأ العين، ويستعبد الحرَّ، ثم انصاع ناصحًا لهن وقال: «يا بنات، الله يتوب عليكم».ويضيف: “هذا ما رواه لي الأستاذ: محمد الشربيني العواد مؤكدًا أنه رآه يفعل ذلك رأي العين وهو حي يُرزق، ويبلغ من العمر ثمانين سنة، فطوباك يا عبده! يا من عرفت بحنكة وذكاء في جسم ضآلة الوتر الحساس، وضربت عليه بريشتك الخفيفة الشفيقة لتثوب إلى رشدها، وتستقيم على الطريقة المثلى للصالحين والصالحات علمًا منك أن الذنب ليس ذنبهن، إنما الذنب كل الذنب لا يقع إلا على أولئك الذين أضلوهن وجروا عليهن بأول هفوة ارتكبها ذيول العار والخزي، وقد طلبت إليهن التوبة من الغفور الرحيم إيماء إلى قوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وإلى الحديث الشريف «أن التائب من الذنب كمن لا ذنب لهُ».ويتابع: “للمرحوم عبده الحامولي قوة عظيمة في الابتكار والارتجال وقد فاجأ الحاضرين في ليلة عرس فخم لأحد الأعيان في الإسكندرية بتغيير دور «أد ما أحبك زعلان منك» (صبا) تلحين: محمد عثمان، وقلبه رأسًا على عقب فغناه في الحال على نغمة النهوند، ولأول مرة لدى سماعه محمد عثمان يلقيه في العرس نفسه فافتتن الحاضرون بما حباه الله من قوة الصوت والسلطان على المقامات والابتكار والتأليف فجأة بدون استعداد، وكان محمد عثمان في مقدمة من أعجبوا بقدرته الفائقة على هذا الابتكار، وجهر بخضوعه لعبقريته وزعامته، ولا أعتقد أنه إذا أخذ لحنًا من ألحان أي ملحن وغناه يعتبر غير قادر على التلحين، كلا وألف كلا ولو عكف على التلحين للحن ألف لحن، لكنه لضيق وقته كان يصرف معظم أوقاته في مجالسه الأمراء ومنادمة العظماء ومواساة الفقراء.