تحية إلى “أبو إبراهيم”

وسط كل هذه الأجواء الملبدة بالغيوم في الوسط السياسي العربي، ما أحوجنا ان نلقي الضوء على كل الوجوه العربية التي ماتزال مؤمنة بفكرة العروبة ومقتنعة بالأمل الذي نراه مفتاحا لنجاة العرب مما هم فيه من وهن لا يعكس قدراتهم، وتراجع أطمع فيهم عدوهم. أدرك صعوبة مهمة من يقرر الدفاع عن فكرة القومية أو يتمسك بمبادئ عربية حاكمة، بل إن من يتحدث اليوم عن حتمية التنسيق العربي – العربي كمخرج وحيد تنجو به الأمة مما هي فيه، وحالها لا يخفى على أحد، تجد الاتهامات توجه إليه بالغيبوبة تارة وبعدم الوعي السياسي تارة أخرى، أو يوصم بأنه رومانسي حالم لا يراعي واقع العرب المؤلم. وحتى أجنب نفسي تلك الاتهامات، قررت أن أكتفي بالإشارة بين حين وآخر إلى نماذج بشرية تنتهج الفكر العروبي وتجسده بسلوكها وممارساتها العملية إيمانا به وقناعة بجدواه.
أتوقف في هذا المقال مثلا عند نموذج بحريني مشرف ورمز عروبي الهوى، ذلك هو سعادة السفير خليل بن إبراهيم الذوادي. الرجل الذي يسعد بكنيته ” أبو إبراهيم ” والذي بلغ سن الحكمة وامتلك خبرات دبلوماسية أهّلته لأن يكون مساعدا للأمين العام لجامعة الدول العربية، كما امتلك في الماضي مؤهلات إعلامية فكان أحد الآباء المؤسسين لتليفزيون البحرين، وحصّل خبرات واسعة جعلته يتبوأ لسنوات عديدة منصب الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتليفزيون البحرينية. وقدّم خدمات جليلة لبلده البحرين في كل موقع تولاه فنال من قيادات المملكة الإشادة والتقدير، بل والتكريم أيضا إذ نال وسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الثانية.
لن أتحدث كثيرا عن سيرته الذاتية ومسيرته المهنية إعلاميا نابها ثم دبلوماسيا حكيما، لكنني سأتحدث عن رجل وطني يدين بالولاء لوطنه ولقيادته، وعن مفكر عربي كبير يُستشار فيقدم خبراته بسخاء، وعن كاتب يكتب مقالات تقطر حكمة وبلاغة. تم تكليفي ذات يوم بتلبية دعوة من سيادته للقاء وفد رياضي وشعبي بحريني مشارك في فعالية رياضية كبيرة بالقاهرة، ومحاورة أفراده لصالح إذاعة صوت العرب من القاهرة التي كنت أعمل بها. قبلت التكليف مُرحبا، فتلك هي مهمتنا ورسالتنا ودورنا. ذهبت إلى حيث تقيم البعثة في أحد الفنادق البعيدة نسبيا عن قلب القاهرة. كان الموعد متأخرا بعض الشيء وفي ليلة شتوية باردة، وفوجئت بالرجل يستقبلني في بهو الفندق بنفسه. سألت نفسي ما الذي يدفع الرجل لاقتطاع بعض وقته، والذهاب بنفسه للترحيب بوفد رياضي، وفهمت أن ذلك ليس بروتوكول الدبلوماسيين، ولكنها أخلاق العرب الأصلاء.
أجريت الحوارات وأنهيت مهمتي وعدت بانطباعات إيجابية كثيرة عن الرجل، ما دفعني للبحث عن تلك الشخصية الآسرة المبتسمة في هدوء، منخفضة الصوت في تواضع، شديدة الثقافة في غير تكلف، المؤمنة بعروبتها حتى النخاع. سألت عنه من خبروه، وقرأت عن سيرته ما فسّر لي لماذا انشغلت بشخصه، إنه الولع المشترك بمهنة الصحافة والإعلام، حتى وإن كان قد غادرها قبل سنوات بعيدة إلى عالم الدبلوماسية، ليبلي فيها بلاءا حسنا كما فعل من قبل عبر الشاشات تقديما ثم إدارة.
بعدها بفترة تلقيت دعوة كريمة لمأدبة عشاء دعاني إليها في منزله العامر على بعد خطوات من نيل القاهرة احتفالا بالعيد الوطني للبحرين. فوجئت ومعي زملاء من قيادات إذاعة صوت العرب بكوكبة من المثقفين والدبلوماسيين وشخصيات عامة مصرية وعربية تعكس بتواجدها دائرة علاقات متميزة ومتشعبة كوّنها الرجل في العاصمة المصرية. وهناك أيضا تشرفت بلقاء السيدة منى إسماعيل الهرمي حرمه الفاضلة ” أم إبراهيم ” التي تمثل نموذجا مشرفا للمرأة البحرينية المثقفة والتي تشرف بنفسها على كل كبيرة وصغيرة و تحسن الاحتفاء بضيوف زوجها، في ترجمة للكرم العربي الأصيل.
تكررت اللقاءات فازددت احتراما لسعادة السفير أبو إبراهيم، وأعجبت بمدرسة الدبلوماسية البحرينية التي استثمرت حكمة الرجل وخبراته الواسعة فآثرت أن يظل في القاهرة لما يجسده بعلاقاته الواسعة كجسر للمحبة والتواصل بين الدولتين، ونموذج للعلاقات الشعبية المتينة بين الشعبين المصري والبحريني. واليوم يمثل الرجل واحدا من عمداء الدبلوماسيين في القاهرة وواحدا من حكماء جامعة الدول العربية وليس فقط أمينا عاما مساعدا لها رئيسا لقطاع الشئون العربية والأمن القومي ، والذي لم ينس يوما كونه إعلامي في الأساس فوضع كتابا جمع فيه عددا كبيرا من مقالاته الصحفية، حمل عنوان ” على الخير والمحبة نلتقي ” وهي ذات العبارة التي كان ينهي بها حواراته التليفزيونية قديما. وعلى الخير والمحبة وعلى قلب رجل واحد نأمل أن تلتقي أمة العرب من جديد.