محللون: لقاء القادة العرب في بغداد مليء بالتحديات والتطلعات لإعادة تعزيز التعاون الجماعي

رأى عدد من الخبراء والمحللين السياسيين، أن القمة العربية الرابعة والثلاثين المقرر عقدها، غدًا، بالعاصمة العراقية بغداد؛ بمشاركة قادة وزعماء عرب، تأتى فى توقيت حرج تموج فيه المنطقة العربية بالأزمات السياسية والإنسانية، مشيرين إلى أن القمة ستشهد مناقشة عدد من الملفات الأكثر سخونة، على رأسها الحرب المستمرة فى قطاع غزة، والأزمات المتفاقمة فى السودان وليبيا واليمن وسوريا ولبنان.وأوضح الخبراء والمحللون، خلال حديثهم لـ«الدستور»، أن قمة بغداد يعوّل عليها فى استعادة التوازن والفاعلية فى إدارة الأزمات الإقليمية، مع إعادة تفعيل الدور العربى المشترك فى مواجهة التحديات الكبرى، مشيرين إلى أن استضافة بغداد القمة تمثل رسالة واضحة على تعافى العراق، واستعادته زمام المبادرة، وقدرته على لعب دور فاعل فى الملفات الإقليمية.حسام زكى: أولوية للقضية الفلسطينية ومناقشة ملفات ليبيا والسودان واليمنقال السفير حسام زكى، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، إن القمة المرتقبة ستناقش عددًا من الملفات السياسية البارزة، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية تتصدر جدول الأعمال، إلى جانب ملفات أخرى تتعلق بليبيا والسودان وسوريا واليمن ولبنان.وأوضح زكى، فى بيان صحفى، أن الرسالة الأساسية للقمة هى «التمسك بعقدها بشكل دورى، لأنها فى حد ذاتها تعبير قوى عن التمسك بالوحدة العربية»، مشيرًا إلى أن مستوى التمثيل فى القمة سيكون مرضيًا.وفيما يتعلق بدعم قطاع غزة، الذى أنهكته الحرب الإسرائيلية، أشار «زكى» إلى القرار العربى الذى صدر فى قمة القاهرة غير العادية، فى مارس الماضى، بشأن تبنى الخطة المصرية إعمار القطاع، لكنه أوضح أن «تنفيذ الخطة تم تأجيله بسبب استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، وانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار».وأضاف: «القمة التى تعقد فى ظرف إقليمى مشحون، يُعوَّل عليها فى إحياء الدور الجماعى للمنظومة العربية، وتقديم رسائل واضحة بشأن وحدة الصف، والتصدى للتحديات السياسية والإنسانية التى تمس المواطن العربى بشكل مباشر، خاصة فى ظل استمرار الحروب والنزاعات وتدهور الأوضاع المعيشية فى عدة دول».جهاد حرب: استمرار التأكيد على تعزيز دور السلطة الفلسطينية رأى المحلل السياسى الفلسطينى، جهاد حرب، أن القمة العربية ستؤكد القرارات التى تم اتخاذها فى القمم العربية السابقة، بما فى ذلك القمة التى عقدت فى المملكة العربية السعودية فى وقت سابق، والقمة الخاصة بفلسطين التى انعقدت فى الرابع من مارس الماضى بالقاهرة. وقال: «القمم الماضية تبنت خطة مصرية مهمة تهدف إلى إعادة الاستقرار فى قطاع غزة ودعم استمرار وجود الشعب الفلسطينى فيه، والقمة العربية فى بغداد ستعزز من أهمية دور السلطة الفلسطينية فى إدارة قطاع غزة بشكل رسمى»، داعيًا إلى توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حكومة فلسطينية واحدة، ما يشكل خطوة مهمة نحو استعادة الوحدة الفلسطينية.وأشار «حرب»، فى تصريحات لـ«الدستور»، إلى أن تعزيز الحوار الفلسطينى الداخلى سيكون من بين الملفات الأساسية التى ستناقشها القمة، بغية الوصول إلى اتفاق شامل حول وحدة السلطة والقانون والسلاح فى قطاع غزة، مع ضرورة التأكيد على وجود سلطة فلسطينية واحدة تقوم بكل المسئوليات الوطنية فى القطاع. وأكد أن الدول العربية ستركز خلال القمة على تقديم شبكة أمان مالى للسلطة الفلسطينية، مضيفًا: «هذا يظهر بوضوح فى الزيارات الأخيرة التى قام بها نائب الرئيس الفلسطينى للسعودية والإمارات ومصر والأردن، حيث تبين أن هناك انفراجة فى هذا الجانب فى مصلحة السلطة الفلسطينية».وتابع: «من المتوقع، أيضًا، تناول مسألة المؤتمر الذى سيُعقد فى نيويورك بشأن تنفيذ خيار حل الدولتين، وكيفية دعم هذا الخيار من قبل الدول العربية لضمان اعتراف أوسع بالدولة الفلسطينية، خاصة من الدول الغربية، ومن بينها دول الاتحاد الأوروبى».وشدد على أن ما تمر به فلسطين من تحديات كبيرة، خصوصًا الحرب التى تمارسها إسرائيل على قطاع غزة، يتطلب المزيد من الدعم العربى الفعّال فى مواجهة هذه السياسات الاستعمارية المستمرة.فادى عاكوم: دعم مشروط للبنان لتجاوز تحدياتهقال المحلل السياسى اللبنانى، فادى عاكوم، إن لبنان ينتظر أن تكون له حصة كبيرة من الاهتمام فى قمة بغداد، مشيرًا إلى أن ملف حل الأزمة اللبنانية سيكون من بين أولويات القمة، مع الحصول على دعم عربى، وإن كان هذا الدعم مشروطًا بتنفيذ خطوات إصلاحية حقيقية، فى مقدمتها مكافحة الفساد، واستقلال القضاء، ومعالجة ملف سلاح «حزب الله».وأوضح، خلال حديثه لـ«الدستور»، أنه على الرغم من أن الملف الأمنى المتعلق بـ«حزب الله» لم يتم حله بشكل نهائى، فإن هناك مؤشرات واضحة على أن الوضع يتحسن تدريجيًا، بما فى ذلك تسليم بعض مخازن الأسلحة إلى الجيش اللبنانى. وأشار «عاكوم» إلى أن حصة لبنان من المساعدات والاستثمارات العربية قد تكون محدودة هذه المرة، بسبب الأولويات العربية الأخرى، مثل الملف السورى وقضية غزة والأزمة اليمنية، قائلًا: «لبنان لم يعد فى صدارة الاهتمام العربى كما كان فى السنوات والعقود الماضية، بل أصبح جزءًا من مجموعة الأولويات، وهو ما يعنى أن لبنان سيتعين عليه أن يتعامل مع هذه المساعدات فى ظل تواضع حجمها». وأوضح أنه على الرغم من التحديات، فإن تثبيت الأمن الداخلى ومساندة الجيش اللبنانى فى الحفاظ على قرار الحرب والسلم، هما الطريق الرئيسى نحو الحصول على دعم مستدام من الدول العربية.وتابع: «من الضرورى أن يستمر الجيش اللبنانى فى تحقيق الأمن وحصر أى نشاط عسكرى فى يده فقط».أشرف حربى: التهجير القسرى لأهالى غزة فى صدارة الملفات المطروحة أكد السفير أشرف حربى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن القمة العربية الرابعة والثلاثين تأتى فى ظروف سياسية معقدة تمر بها المنطقة، فى ظل تعدد الأزمات والصراعات بين بعض الدول العربية، لا سيما التوتر القائم بين الإمارات والسودان.وقال «حربى» إن القمة تتناول- فى المقام الأول- الملفات السياسية التى تُعد من الثوابت فى كل دورة، على رأسها القضية الفلسطينية وتطورات الوضع فى غزة، إلى جانب الأوضاع فى دول تعيش أزمات كبيرة، مثل السودان وليبيا والصومال ولبنان، فضلًا عن العلاقات المتشابكة بين دول المنطقة وجوارها، خاصة إيران، فى ظل مستجدات الملف النووى، والعلاقات الإيرانية- الأمريكية.وأضاف أن الملف الاقتصادى يحتل مكانة بارزة فى القمة أيضًا، من خلال مناقشة سبل تعزيز التكامل الاقتصادى العربى فى ظل التحديات الدولية، مثل تذبذب أسعار النفط والتجارة العالمية، إضافة إلى مشكلات أمن البحر الأحمر المرتبطة بتحركات الحوثيين فى اليمن. وأشار إلى أن عودة سوريا للمشاركة فى القمة تظل من الملفات التى تثير بعض الجدل داخل الجامعة، رغم أن القرار السابق بإعادة تفعيل عضويتها قد مهد الطريق لحضورها، مع استمرار وجود تحفظات من بعض الأطراف السياسية.وأوضح أن موضوع التهجير القسرى لأهالى غزة سيكون فى صدارة الملفات المطروحة، إضافة إلى بحث المواقف العربية من بعض التصريحات الغربية المثيرة للجدل؛ بشأن ترتيبات ما بعد الحرب فى غزة، مؤكدًا أن هناك حاجة ماسة إلى موقف عربى موحد وواضح تجاه هذه القضايا.عراقيون: بغداد قادرة على تقديم صورة راقية تليق بمكانة القادة العرب واستقبالهم بكل ترحابأكد المحلل السياسى العراقى، باسل الكاظمى، أن انعقاد القمة العربية فى بغداد يمثل «رسالة واضحة على تمسك العراق بدوره الفاعل فى المحيط العربى والتزامه الكامل بالواجبات والمسئوليات المترتبة عليه ضمن منظومة العمل العربى المشترك».وأشار «الكاظمى» إلى أن الحكومة العراقية، بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السودانى، تبذل جهودًا كبيرة لإظهار صورة العراق المستقر، القادر على استضافة الفعاليات الكبرى واستقبال القادة العرب بكل ترحاب، مضيفًا: «اليوم ينقل العراق رسالة اطمئنان إلى محيطيه العربى والدولى، مفادها أنه لم يعد كما كان فى السابق، وأن هناك إرادة حقيقية لإعادة بناء الدولة والانفتاح على الجميع».كما أشاد بالإجراءات الأمنية التى تتخذها السلطات العراقية لتأمين القمة، مؤكدًا أن وزير الداخلية عبدالأمير الشمرى قدّم صورة مشرفة، من خلال الاستعدادات الأمنية المكثفة التى تؤكد قدرة العراق على تأمين القمة وسيرها بسلاسة.من جهته، قال الباحث العراقى عبدالكريم الوزان إن استضافة العراق للقمة تنطلق من إدراكه العميق لحاجته الملحة إلى دعم الأشقاء العرب، سواء على المستوى الاقتصادى أو السياسى فى ظل محاولات مستمرة لفك قبضة الهيمنة الإقليمية والدولية عليه.وأوضح أن الحكومة العراقية وجهت- رغم التحديات- الدعوات الرسمية لحضور القمة، لكن الاستجابة لم تكن بالمستوى المأمول، مرجعًا ذلك إلى تعقيدات سياسية ومواقف بعض القوى الإقليمية المؤثرة على القرار العربى، معربًا عن أمله فى أن تنجح القمة فى تعزيز الدعم العربى للعراق فى مسيرته نحو الاستقرار.أما الخبير السياسى، مصلح السعدون، فاعتبر أن مجرد اختيار بغداد مقرًا لانعقاد القمة يعد «انتصارًا سياسيًا ومعنويًا للعراق»، خاصة فى ظل التحديات التى مرت بها البلاد على مدار العقدين الماضيين.وقال السعدون: «القمة تمثل فرصة للعراق لإعادة بناء جسور الثقة مع الدول العربية، والتأكيد على أنه ماضٍ فى مسار التعافى والانفتاح بعيدًا عن سياسة المحاور».أيضًا قال الكاتب العراقى ورئيس تحرير جريدة «السياسة»، عادل المانع، إن الاستعدادات الجارية فى بغداد لاستضافة القمة العربية الرابعة والثلاثين تعكس «حرص العراق على تقديم صورة راقية تليق بمكانة القادة العرب»، مؤكدًا أن «الحدث يحمل رمزية كبيرة؛ بوصفه مؤشرًا على استقرار البلاد الأمنى والسياسى».وأشار «المانع» إلى أن الاستعدادات قُسمت إلى ثلاثة محاور رئيسية تشمل الترتيبات التنظيمية والتشريفات، وإبراز الحضارة العراقية العريقة من خلال تجهيز صالات القمة بزوايا تعريفية، بالإضافة إلى إشراك الشارع العراقى فى أجواء المناسبة.منى عمر: ليبيا تتطلع إلى دعم مسار الاستقرار السياسىقالت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الإفريقية، إن القمة العربية المرتقبة فى بغداد تأتى فى وقت بالغ التعقيد على مستوى الأزمات الإقليمية، مؤكدة أن الملفات الإفريقية، على رأسها السودان وليبيا، ستكون محورية.وأشارت «عمر» إلى أن الوضع فى السودان وليبيا يتطور بشكل متسارع وخطير، وستثمر القمة عن بيانات دعم ودعوة للحوار السلمى.وأضافت أن الحديث سيتطرق إلى «وقف إطلاق النار»، و«تحقيق الوفاق الوطنى»، والعمل على تفعيل المبادرات، مشيرة إلى أن هناك تدهورًا أمنيًا كبيرًا فى ليبيا، والسلطات الليبية تتعامل مع الوضع باعتباره شأنًا داخليًا، ولا توجد مؤشرات لتشكيل لجنة تحقيق عربية.محمد الجدال: مطالبات بتحقيق الوفاق الوطنى فى طرابلسأكد المحلل السياسى الليبى، محمد الجدال، أن ليبيا تتطلع إلى أن تخرج القمة العربية بمواقف عربية موحدة تدعم مسار الاستقرار السياسى فى البلاد، خاصة فى ظل الانقسام المؤسسى الحاد الذى تعانيه منذ سنوات.وقال «الجدال»: «ليبيا بحاجة إلى تجديد الالتزام العربى بدعم الحلول السلمية للأزمة الليبية بعيدًا عن التدخلات الخارجية التى زادت الوضع تعقيدًا»، موضحًا أن القمة يجب أن تُسهم فى تفعيل دور الجامعة العربية لدعم جهود إجراء الانتخابات فى ليبيا، وتوحيد المؤسسات، خصوصًا الأمنية والعسكرية.وأشار إلى أن ليبيا بحاجة، أيضًا، إلى دعم اقتصادى وإنسانى للتغلب على تبعات سنوات الصراع والانقسام، موضحًا أن التعاون العربى فى مجالات إعادة الإعمار والتنمية سيكون أمرًا محوريًا فى المرحلة المقبلة.وأكد أن العرب هم القادرون وحدهم على مساعدة ليبيا فى تجاوز أزمتها، شريطة وجود إرادة سياسية جماعية، متوقعًا أن تكون القمة العربية فى بغداد بداية فعلية لهذا المسار.طارق فهمى: «قمة مفترق الطرق» للعمل العربى المشتركقال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن القمة العربية الرابعة والثلاثين المنعقدة فى بغداد تأتى فى ظروف بالغة الصعوبة، وسط مؤشرات على ضعف التمثيل العربى وغياب عدد من القادة الكبار، مرجحًا أن تكون المشاركة محدودة لأسباب أمنية وتنظيمية. وشبّه «فهمى» القمة المرتقبة بـ«قمة نواكشوط- موريتانيا ٢٠١٦»، التى عُقدت فى أجواء استثنائية وبمشاركة محدودة، مؤكدًا أن قمة بغداد ستكون بمثابة «قمة مفترق طرق» بالنسبة للعمل العربى المشترك، سواء حققت نجاحًا أو لم تُحدث اختراقًا يُذكر. وأشار إلى أن القمة ستناقش الملفات الأكثر اشتعالًا فى المنطقة، على رأسها اليمن، والخليج، والبحر الأحمر، وسوريا، معتبرًا أن مشاركة سوريا بعد استئناف علاقاتها العربية ورفع بعض العقوبات عنها من قبل واشنطن، ستكون أحد الملفات المستجدة على جدول الأعمال.