القمة العربية و genuineness of intentions

فى ظل التحديات الجسام التى تعصف بالمنطقة، وفى ظل وطأة الحرب الإسرائيلية المستعرة وتداعياتها الإنسانية الكارثية، وتصاعد حدة التوترات الإقليمية التى خلفت عواقب وخيمة على الأمن والاستقرار الإقليمى والدولى، تكتسب القمة العربية التى تعقد اليوم فى العراق أهمية استثنائية. فهى تمثل فرصة حاسمة للدول العربية لتوحيد صفوفها وتنسيق جهودها؛ من أجل وقف نزيف الدماء فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، واحتواء الأوضاع الإقليمية المتدهورة التى تهدد بانزلاق المنطقة إلى أتون صراعات أوسع نطاقًا. ولطالما شكلت القمم العربية، منذ نشأتها، منصة للتداول والتشاور بين القادة والزعماء العرب حول القضايا المصيرية التى تواجه الأمة، ساعية إلى بلورة رؤى مشتركة واتخاذ قرارات جماعية تخدم المصالح العربية العليا، إلا أن فاعلية هذه القمم وقدرتها على التأثير فى مسار الأحداث، خاصة فى ظل تعقيدات الصراع العربى الإسرائيلى وتشابك المصالح الإقليمية والدولية، ظلت محل تساؤل ونقاش، لا سيما فى اللحظات التاريخية الفارقة التى تستدعى تحركًا عربيًا موحدًا وحازمًا. وفى هذا السياق الدقيق ينعقد الأمل على القمة العربية فى العراق بأن تكون نقطة تحول حقيقية فى التعاطى العربى مع هذه التحديات الوجودية، وأن ترتقى إلى مستوى المسئولية التاريخية الملقاة على عاتق القادة العرب فى حماية الأمة والدفاع عن حقوقها ومقدساتها. الصورة القاتمة التى ترسمها الحرب فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وما تخلفه من دمار هائل وخسائر فادحة فى الأرواح، تستدعى موقفًا عربيًا موحدًا وقويًا يرقى إلى مستوى هذه الفاجعة الإنسانية، ويتجاوز حدود الإدانات اللفظية إلى خطوات عملية ملموسة تضغط على الأطراف الدولية الفاعلة لوقف العدوان الإسرائيلى الفورى والشامل، وتوفير الحماية للشعب الفلسطينى الأعزل، وضمان وصول المساعدات الإنسانية العاجلة إليه دون قيود أو عراقيل. كما أن تدهور الأوضاع الإقليمية، والتدخلات الخارجية يزيدان من حدة الاستقطاب والانقسام، ما يستلزم من القادة العرب استشعارًا عميقًا للمسئولية التاريخية الملقاة على عاتقهم، والعمل بروح الفريق الواحد على نزع فتيل الأزمة، وتهدئة التوترات، وإطلاق حوار جاد وشامل يهدف إلى معالجة جذور المشكلات الإقليمية المعقدة بطرق سلمية ودبلوماسية تحفظ سيادة الدول وتحترم خيارات الشعوب. إن الدور الذى يمكن أن تضطلع به القمة العربية فى العراق فى هذه الظروف الحرجة يتجاوز مجرد إصدار البيانات والتوصيات، ليشمل تبنى استراتيجية عربية موحدة وواضحة المعالم تقوم على عدة محاور أساسية. يأتى على رأسها تفعيل أدوات الضغط الدبلوماسى والاقتصادى على إسرائيل وحلفائها لحملهم على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية ووقف الحرب. إضافة إلى تكثيف الجهود المشتركة مع المنظمات الإقليمية والدولية، بما فى ذلك مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، لفضح الانتهاكات الإسرائيلية وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطينى. ولابد من تقديم الدعم الإنسانى والإغاثى الفورى والفاعل للأشقاء الفلسطينيين المتضررين من الحرب، وتنسيق الجهود العربية لإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية، كما تطالب مصر. كما أنه يجب الانخراط بفاعلية فى جهود إقليمية ودولية تهدف إلى إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، ويضمن للشعب الفلسطينى حقه فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية؛ لذلك يجب العمل على تعزيز الحوار والتفاهم بين الدول العربية لتجاوز الخلافات وتوحيد الصفوف فى مواجهة التحديات المشتركة. وهناك أهمية قصوى لتبنى مبادرات عملية لتهدئة التوترات الإقليمية وتشجيع الحلول السلمية للنزاعات القائمة، وقطع الطريق على التدخلات الخارجية التى تغذى الصراعات وتزيد من حدة الاستقطاب. يضاف إلى هذا ضرورة أن تتبنى القمة العربية فى العراق رؤية استراتيجية واضحة لكيفية التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، بما فى ذلك صعود قوى دولية جديدة وتراجع نفوذ قوى تقليدية، وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية والأمن القومى العربى. كما يتعين على القمة أن تولى اهتمامًا خاصًا لتعزيز التعاون العربى فى المجالات الاقتصادية والتنموية، باعتبار ذلك ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار والازدهار فى المنطقة وتقوية الصف العربى فى مواجهة التحديات الخارجية. إن استضافة العراق هذه القمة فى هذا الظرف الدقيق تحمل دلالات رمزية عميقة، وتعكس الإرادة فى استعادة الدور العربى والمساهمة بفاعلية فى جهود تحقيق السلام والاستقرار. كما أنها تمثل فرصة للدول العربية للتعبير عن دعمها للعراق فى جهوده الرامية إلى تجاوز التحديات الداخلية وتعزيز وحدته وسيادته. كما أن تحقيق الأهداف المرجوة من هذه القمة يتطلب إرادة سياسية حقيقية لدى جميع الدول الأعضاء، وتجاوزًا للمصالح الوطنية الضيقة لصالح رؤية عربية شاملة تستشرف المستقبل وتحمى المصالح العليا للأمة. كما يتطلب تفعيل آليات المتابعة والتنفيذ لضمان ترجمة القرارات والتوصيات الصادرة عن القمة إلى خطوات عملية ملموسة على أرض الواقع. والتاريخ سيحاسب القادة العرب على مواقفهم وقراراتهم فى هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، وسيذكر لهم ما إذا كانوا قد ارتقوا إلى مستوى المسئولية وقاموا بواجبهم فى حماية الأمة والدفاع عن حقوقها ومقدساتها، أم أنهم تقاعسوا وتخاذلوا وتركوا المنطقة فريسة للصراعات والتدخلات الخارجية. إن التحديات جسيمة والمسئولية عظيمة، والفرصة لا تزال سانحة للقمة العربية فى العراق لكى تلعب دورًا مهمًا فى وقف الحرب الإسرائيلية وإنهاء معاناة الشعب الفلسطينى، وفى صياغة مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا وازدهارًا للمنطقة بأسرها. وهذا يتطلب وحدة الصف، وصدق النوايا، والعمل الجاد والمخلص بروح الفريق الواحد، فهل ستنجح القمة العربية فى العراق فى اغتنام هذه الفرصة التاريخية وتحقيق تطلعات الشعوب العربية فى السلام والعدل والكرامة؟