تجاهل وتهميش.. كيف تبدلت العلاقة بين ترامب ونتنياهو؟

تجاهل وتهميش.. كيف تبدلت العلاقة بين ترامب ونتنياهو؟

بمجرد الإعلان عن إطلاق سراح الجندى الإسرائيلى الأمريكى عيدان ألكسندر، بعد أكثر من ٥٨٠ يومًا قضاها فى غزة، بدأت التقارير الإعلامية تنتشر حول شكل العلاقة الحالية بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامن نتنياهو، خاصة أن تحركات ترامب الأخيرة كشفت عن أنه يتحرك دون التنسيق المعتاد مع نتنياهو.وأثارت التحركات الأمريكية وتفاهمات واشنطن المنفردة مع حركة حماس والحوثيين وإيران والخليج قلقًا وإحباطًا فى إسرائيل، خشية تخلى الولايات المتحدة عن دعمها الدولة العبرية، مع تحميل نتنياهو المسئولية عما أصاب واشنطن من ملل، فى ظل تعنته فى ملف حرب غزة، وإدخال المساعدات إلى الفلسطينيين، مع رفض كل حلول «اليوم التالى» فى القطاع، وهو ما نسلط عليه الضوء فى السطور التالية. 

إحباط إسرائيلى بسبب التفاهمات الأمريكية مع «حماس» و«الحوثى» وإيران

قبل يوم واحد من زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى السعودية، الثلاثاء الماضى، أفرجت حركة حماس عن عيدان ألكسندر، آخر محتجز على قيد الحياة فى القطاع يحمل الجنسية الأمريكية، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق بين واشنطن والحركة الفلسطينية حول إطلاق سراحه.بالنسبة لترامب، كانت هذه صفقة ناجحة أخرى قبل زيارته إلى السعودية، ورغم عدم وضوح ما وُعدت به حماس فى المقابل، فإن الحركة حاولت تصوير إفراجها عن «ألكسندر» باعتباره «بادرة حسن نية».وبطبيعة الحال، تسبب هذا المشهد فى أزمة داخل إسرائيل، بعد أن استخدمت عائلات الرهائن الإسرائيليين الآخرين هذا المشهد لانتقاد رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، من خلال التصريح بأن جهود ترامب تظهر ما يفعله زعيم يتحرك من أجل مواطنيه.من ناحيته، زعم نتنياهو أن الإفراج عن الأسرى والمحتجزين يعد دليلًا على أن سياسة إسرائيل المتمثلة فى ممارسة المزيد من الضغوط على حماس، «بما فى ذلك تجدد القتال ووقف المساعدات الإنسانية والتهديد بمزيد من الغزو البرى لغزة»- هى ما دفعت الحركة إلى القيام بلفتة تأمل من خلالها أن تؤدى إلى «احتواء غضب إسرائيل».ولكن، وعلى الرغم من ذلك، ظل المشهد يذكر بأن إطلاق سراح «ألكسندر» جاء عبر تواصل مباشر بين الولايات المتحدة وحماس، دون تدخل أو تنسيق، وهو تطور مثير للقلق بالنسبة لإسرائيل.وحسب المحلل ليئور بن آرى، فى مقاله المنشور بجريدة «يديعوت أحرونوت»، فإن «الاتصالات الأمريكية مع حماس تجاوزت المسئولين الإسرائيليين، وهو ما فسّره كثيرون كمؤشر آخر على تصاعد التوتر فى العلاقات بين ترامب ونتنياهو».وووفقًا لمصدر إسرائيلى مطلع على الأمر، تحدث معه «بن آرى»، فقد علمت إسرائيل بصفقة إطلاق سراح «ألكسندر» قبل يوم واحد فقط من تنفيذها.أما المحللة الإسرائيلية، سيما كدمون، فكتبت فى مقال لها على موقع «يديعوت أحرونوت»: «إذا كنا نعتقد أن إسرائيل تسجل إنجازًا لنفسها بإطلاق سراح (ألكسندر) فهذا غير صحيح على الإطلاق. لقد حققت حماس إنجازًا كبيرًا بإجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة من وراء ظهر إسرائيل. هل كان أحد ليصدق قبل عام ونصف العام أن هذا يمكن أن يحدث؟ أن الولايات المتحدة ستجرى محادثات مع هذه المنظمة الإرهابية؟».وأضافت «كدمون»: «إنجاز آخر لحماس هو تأجيل آخر للعملية التى يخطط لها الجيش الإسرائيلى فى غزة، والتى تسمى (عربات جدعون)، والسؤال الآن هو ما إذا كانت العملية ستتم بالفعل، أو من يدرى، ربما نجد أنفسنا فى الأيام المقبلة ندخل فى مفاوضات للتوصل إلى صفقة كاملة».وبالتزامن مع هذا التطور المثير للجدل، كانت هناك عدة تحركات لترامب فى الشرق الأوسط أثارت غضب نتنياهو، ففى البداية عقد ترامب صفقة مع الحوثيين فى اليمن للامتناع عن مهاجمة السفن الأمريكية، دون أن يشمل هذا الاتفاق إسرائيل، ودون أن يتضمن وقف إطلاق الصواريخ من قبل الحوثيين ضدها.وأوضح مراقبون أن ذلك يأتى رغم أن السفير الأمريكى الجديد لدى إسرائيل، مايك هاكابى، أبلغ إسرائيل من قبل بأنه إذا استمر الحوثيون فى إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل فإن واشنطن سترد، إلا أن هذا تغير بعد الاتفاق بين ترامب والحركة، كما أن هناك صاروخًا باليستيًا أُطلق من اليمن سقط فى محيط مطار بن جوريون، وأدى إلى إيقاف معظم شركات الطيران الأجنبية الكبرى رحلاتها إلى إسرائيل، لكنه لم يُثر أى رد فعل أمريكى، ما زاد الغضب فى إسرائيل.وقبل ذلك، أعلن ترامب عن بدء التفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووى الجديد، وفاجأ نتنياهو، أثناء زيارته إلى البيت الأبيض، بهذا التصريح، وهو الملف الذى لا يزال يثير القلق داخل إسرائيل، حيث يواصل ترامب المحادثات مع إيران بشأن الاتفاق النووى الذى يهدف إلى منعها من أن تصبح دولة نووية بالمعنى العسكرى، رغم أن إسرائيل لا تزال تزعم أن القدرات النووية الإيرانية بأكملها يجب تدميرها فعليًا، وهو ما لا تحرص عليه واشنطن فى المفاوضات الحالية، وفقًا لكثير من المحللين.وحول زيارة ترامب الأخيرة إلى الخليج، فقد تردد أن الرئيس الأمريكى توصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية لتطوير قدرتها النووية غير العسكرية بمساعدة أمريكية، مع بيعها أسلحة أمريكية رئيسية، دون أن يكون كل هذا مشروطًا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.ويرى المراقبون أنه إذا أضفنا إلى كل ما سبق أن ترامب لم يخطط للتوقف فى إسرائيل خلال زيارته إلى المنطقة، وأنه تم إلغاء زيارة مخططة لوزير الدفاع الأمريكى بيت هيجسيث، والتى كان من المقرر أن تتم خلال الأسبوع المقبل، فإننا نكون أمام مشهد معقد بين ترامب ونتنياهو.

ملل فى واشنطن بعد تعنت «بيبى» فى ملف المساعدات ورفض كل مقترحات «اليوم التالى» 

ذكرت عدة تقارير إعلامية أن ترامب، ومبعوثه الرئيسى للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أعربا عن إحباطهما من إصرار نتنياهو على مواصلة وتكثيف الحرب ضد حماس فى قطاع غزة، ووصفاها بأنها «عديمة الفائدة»، مشيرين إلى أن ذلك يمكن أن يُفهم منه أن ترامب «أصابه الملل» من نتنياهو، وقرر التصرف بمفرده فى ملفات المنطقة، كنوع من الضغط، أو أنه لم يعد يولى ملف غزة الاهتمام السابق. وأشارت التقارير إلى أن الإسرائيليين ما زالوا يتساءلون حول الطريقة المُثلى للتعامل مع ترامب، الذى كما يبدو أنه يريد إنهاء الحرب فى غزة دون تحقيق الهدف الإسرائيلى الرئيسى، والمتمثل فى «القضاء التام على حماس»، حتى لا تتمكن من البقاء وإعادة بناء قدراتها.وفى ذلك الإطار، تساءلت عدة صحف عبرية: «هل ستخضع إسرائيل لترامب أم يظل نتنياهو متمسكًا بموقفه فى إنهاء الحرب بالشكل الذى يريده؟».وأشارت إلى أن ملف إعادة المحتجزين المتبقين فى القطاع، وعددهم ٥٩- والذين لم يتبقَ منهم، وفقًا للرئيس دونالد ترامب، سوى ٢١ فقط على قيد الحياة- لا يزال هدفًا فى نظر نتنياهو، لكنه يأتى فى المرتبة الثانية بعد هدف «الانتصار على حماس».وأضافت أن نتنياهو يدّعى، مع ذلك، أن استمرار الضغط العسكرى «سيجبر حماس على الموافقة على صفقة جزئية دون اشتراط وقف دائم للقتال»، وهو افتراض قد لا يتحقق، وفقًا لكثير من المحللين. ولفتت إلى أنه، ومن أجل «وقف قدرة حماس على مواصلة القيام بمهامها الإدارية المختلفة فى غزة»، قرر نتنياهو، فى بداية شهر مارس الماضى، وقف كل المساعدات الإنسانية الدولية التى تدخل القطاع، وكان يفسر سياسته بأنه «إذا توقفت المساعدات الإنسانية فلن تتمكن حماس من السيطرة عليها بالقوة، وبيعها إلى سكان غزة بأسعار باهظة».ونوهت الصحف العبرية فى تقاريرها بأن المساعدات الإنسانية سوف تتجدد قريبًا، بناء على دفع من الولايات المتحدة، وسوف يتم توزيعها من خلال منظمات مساعدات أمريكية خاصة، و«سوف تتمتع بالحماية العسكرية الإسرائيلية».كما أشار العديد من المحللين فى الصحف العبرية إلى أن نتنياهو لم يبذل جهدًا يُذكر خلال العام ونصف العام الماضيين للبدء فى «إعداد بديل فعال لحماس فى غزة»، خاصة أنه «لا يريد مشاركة السلطة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس، وليس لديه بديل آخر، ولديه تحفظات على جميع الخيارات الأخرى التى طُرحت»، معتبرين أن ذلك قد يكون السبب وراء تعقد الأمر، و«ملل» ترامب منه.ورأى المحللون أنه نظرًا لكون عيدان ألكسندر هو آخر محتجز على قيد الحياة يحمل الجنسية الأمريكية، فإن المخاوف فى تل أبيب تزداد لأن الولايات المتحدة قد تقلل من تدخلها فى قضية المحتجزين. فيما أشار آخرون إلى أن هناك فى إسرائيل من يعتقد أن ترامب لن يتخلى عن قضية المحتجزين، لكنه «يريد نوعًا من الاتفاق الإقليمى العام»، مع حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية تعارض أى اتفاق، حتى إنه فى المرة الأخيرة التى وُجدت فيها صفقة «تركوا الحكومة».وأوضحوا أن نتنياهو يرى أن خياره الوحيد المتبقى هو «أن تحتل إسرائيل قطاع غزة، أو على الأقل جزءًا منه، وأن تعاد بعض أشكال الإدارة الإسرائيلية، غير الحكم العسكرى الكامل على القطاع». وأكدوا أنه، وفى كل الأحوال، على إسرائيل ألا تستمر فى الغياب عن المحادثات والمفاوضات والاتفاقيات التى يبدو أنها تتقدم بسرعة مذهلة بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، وحتى بين حماس والسلطة الفلسطينية، حتى لا تتفاجأ إسرائيل باتفاقات لا تحقق مطالبها.