بغداد تحت الأضواء: قمة التحديات تجمع الزعماء العرب في العاصمة العراقية

تتجه الأنظار إلى العاصمة العراقية بغداد التي تحتضن غدا السبت القمة العربية الـ34 للقادة العرب، وسط العدوان الصهيوني على غزة ولبنان وسوريا واليمن، وحالة الانفلات الأمني التي تضرب ليبيا وحرب الميليشيات التي تشهدها العاصمة طرابلس والانقسام السياسي والأمني وحتى الحكومي الليبي، وكذلك الحرب الأهلية المدمرة في السودان.وتزدحم أجندة القادة العرب الذين سيجتمعون في بغداد، بالقضايا الملحة التي تنتظر موقفا عربيا موحدا يدفع نحو إطفاء حرائق الحروب والنزاعات في المنطقة، حسبما يرى خبراء ومحللون عرب تحدثوا لـ”الدستور”.وقال الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي الدكتور عايد المناع، إن الأوضاع السياسية في العالم العربي تمر بمرحلة صعبة ومقلقة، تتسم بالتجزئة والانقسامات وتعدد بؤر التوتر والصراع، مؤكدًا أن قضايا مثل الوضع في اليمن، لا سيما سيطرة الحوثيين على الشمال، والانفصال الفعلي للبلاد، تشكل واحدة من أبرز التحديات التي ينبغي أن تكون على رأس أولويات القمة العربية المقبلة.
وأضاف المناع لـ«الدستور»، أن الملف النووي الإيراني والمفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن، وما يصاحبه من تأثيرات على الأمن الإقليمي العربي، يجب أن يحظى بقدر كبير من الاهتمام، خاصة في ظل التدخلات الإيرانية المتزايدة في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية، ما يعمق الانقسامات ويهدد الأمن القومي العربي بشكل مباشر.وأكد المناع أن الوضع في غزة وفلسطين ولبنان، وما تتعرض له هذه المناطق من ضربات إسرائيلية مدمرة، يعكس استمرار حالة الضعف العربي، وعدم قدرة النظام الإقليمي على حماية قضاياه المركزية، مشيرًا إلى أن القمة المقبلة يجب أن تضع هذه القضايا في صدارة جدول أعمالها، جنبًا إلى جنب مع ملفات التنمية والاقتصاد التي لا تقل أهمية.
تعزيز التماسك العربي
وأشار المناع إلى أن الدعوة إلى تعزيز التماسك العربي، وإعادة إحياء الأفكار العروبية التي تدعو إلى الوحدة والتكامل، يجب أن تكون ضمن أولويات الزعماء العرب، معتبرًا أن غياب المشروع العربي الموحد هو ما سمح بتفاقم التدخلات الخارجية، واستمرار حالة التفكك التي تعاني منها الأمة العربية منذ عقود.ونوه المناع بأن الحرب في السودان تمثل كارثة إنسانية وسياسية مدمرة، وأن الفشل في وقف هذا النزيف يعبر عن عجز عربي جماعي في التعامل مع الأزمات الداخلية، كما أن الوضع المتردي في ليبيا وحالة الفوضى التي تلت سقوط نظام القذافي لا تزال مستمرة، وهو ما يؤكد الحاجة الماسّة إلى حلول سلمية وجهود عربية فعالة لإنهاء الصراع وإعادة بناء الدولة.وقال المناع إن الخلافات العربية – العربية، مثل الخلاف الجزائري المغربي، والخلاف الجزائري الإماراتي، وكذلك الخلاف الكويتي العراقي حول خور عبدالله، كلها أمور ينبغي أن توضع تحت المجهر، داعيًا إلى معالجة هذه القضايا بروح المسؤولية والأخوة، لتفادي مزيد من الانهيار في الصف العربي.وتابع المناع بأن الأوضاع السياسية في العالم العربي ليست على ما يرام، موضحًا أن الأمل لا يزال قائمًا بأن تعي الدول العربية أهمية التركيز على التنمية والاستقرار، والعمل على حل الخلافات عبر تسويات سلمية بعيدة عن النزاعات العسكرية والسياسية التي أرهقت شعوب المنطقة لعقود.

من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي محمد خلفان الصوافي، إن الساحة العربية اليوم تعج بملفات ساخنة تنتظر من القادة العرب مواقف واضحة، مشددًا على أن أبرز الملفات التي ستُطرح على طاولة قمة بغداد تتصدرها القضية الفلسطينية، وتحديدًا الوضع في غزة، حيث تدخل الحرب هناك عامها الثاني وسط ما وصفه بـ”حرب إبادة ممنهجة”.وأضاف الصوافي لـ«الدستور»، أن المواطن العربي ينتظر موقفًا عربيًا صريحًا وواضحًا تجاه هذه المأساة الإنسانية التي تطال الشعب الفلسطيني.وأشار إلى أن الملف اليمني يُعد من القضايا الشائكة التي تلقي بظلالها على الأمن الإقليمي والدولي، خصوصًا ما يتعلق بتهديدات الحوثيين للملاحة البحرية وتبادل الهجمات مع إسرائيل والولايات المتحدة، معتبرًا أن هذا الملف بات يتطلب تحركًا عربيًا موحدًا لتدارك تداعياته الخطيرة.وأكد أن الوضع في سوريا يشهد تطورات دراماتيكية بعد سقوط نظام بشار الأسد، مشيرًا إلى أن التدخلات الإسرائيلية في الحدود الشمالية لدمشق باتت تُشكل تهديدًا مباشرًا للأمن السوري والعربي، وتتطلب موقفًا عربيًا موحدًا لمواجهة هذه الانتهاكات المتكررة.كما لفت الصوافي إلى أن الوضع في السودان من الملفات التي لا يمكن تجاهلها، خاصة مع التدهور الإنساني الواسع النطاق، وتفكك الدولة السودانية، وما يحمله ذلك من تهديدات على المدى القريب والبعيد. وقال إن الأزمة السودانية تحتاج إلى مناقشات عربية جدية ترتقي إلى حجم التحديات التي تعصف بهذا البلد العربي.
الأمل في مستقبل
وفي تقييمه للوضع العربي الحالي، قال الصوافي إن العالم العربي يمر بأضعف مراحله منذ تأسيس جامعة الدول العربية، معتبرًا أن هذا الضعف ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات تاريخية، خاصة منذ ما عرف بثورات “الربيع العربي”.وأوضح أن الضعف الحالي ناتج عن عاملين رئيسيين: أولهما غياب فعلي لدور الدول العربية التقليدية المؤثرة بسبب انشغالها بالوضع الداخلي، وثانيهما اتساع رقعة الخلافات العربية-العربية، ما أدى إلى غياب عدد من القادة العرب البارزين عن مثل هذه القمم، وبالتالي ضعف الموقف العربي العام.وحول التأثير المتوقع لقمة بغداد، أشار الصوافي إلى أن نجاح القمة سيُقاس بمدى قدرتها على إصدار بيان مشترك يعكس توافقًا عربيًا حول آليات معالجة القضايا المطروحة، رغم التوقعات بوجود خلافات في بعض الملفات مثل السودان واليمن، في حين يبقى الملف الفلسطيني هو الأكثر اتفاقًا بين الدول العربية.واختتم الصوافي تصريحاته بالتأكيد على أن أمنية المواطن العربي في هذه المرحلة الحرجة هي أن يتمكن القادة العرب من توحيد كلمتهم والخروج بنتائج إيجابية من القمتين السياسيتين والاقتصاديتين المنعقدتين في بغداد، بما يعيد الأمل في مستقبل العمل السياسي العربي المشترك.

وقال المحلل السياسي اللبناني الدكتور أحمد يونس إن قمة بغداد تأتي في ظل وضع عربي غير مسبوق في هشاشته البنيوية، مشيرًا إلى أن المنطقة تعيش مرحلة دقيقة تتداخل فيها الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية في معظم الدول العربية، بما يجعل من القمة اختبارًا حقيقيًا لقدرة النظام العربي على استعادة زمام المبادرة.وأضاف يونس لـ«الدستور»، أن جدول أعمال القمة يحمل ملفات ثقيلة ومعقدة، بدءًا من الحرب المتواصلة في غزة وما تخلّفه من كارثة إنسانية متفاقمة، مرورًا بالانهيار الاقتصادي غير المسبوق في لبنان، والاحتلال الإسرائيلي المستمر في جنوبه، وصولًا إلى الوضع السوري المجمّد سياسيًا، والانقسام الحاد في اليمن، وانعدام الاستقرار الأمني في العراق، والنزاع الأهلي المستمر في السودان، والفوضى المؤسسية المتراكمة في ليبيا.وأكد يونس أن هذه القضايا تُطرح في سياق إقليمي ودولي شديد الحساسية، موضحًا أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، بدءًا من السعودية ثم قطر والإمارات، تمثل مؤشرًا على محاولته تقديم مقاربة جديدة لاحتواء النفوذ الإيراني المتصاعد، لا سيما مع تسارع البرنامج النووي الإيراني، وما يحمله ذلك من تداعيات أمنية واستراتيجية بالغة الخطورة على الإقليم بأسره.ونوه يونس بأن القرار المفاجئ للرئيس ترامب برفع الحصار عن سوريا يشكل عاملًا إضافيًا لإعادة تشكيل الموقف العربي من دمشق، معتبرًا أن القمة ستواجه اختبارًا حقيقيًا في قدرتها على تبني موقف موحد ومرن إزاء هذا التطور، سواء على صعيد إعادة دمج سوريا في النظام العربي أو في مقاربة مستقبل التسوية السياسية هناك.
أولويات الأمن القومي العربي
وشدد يونس على أن الوضع في غزة يجب أن يحظى بالأولوية القصوى في مداولات القمة، مؤكدًا أن العدوان الإسرائيلي المستمر والحصار الخانق خلقا مأساة إنسانية تستوجب تحركًا عربيًا جريئًا، من خلال تبني خطة إعادة إعمار شاملة تصطدم حاليًا بعقبتين أساسيتين: تحديات التمويل ورفض إسرائيل لأي ترتيبات دولية لا تمر عبرها.وأشار إلى أن لبنان يعيش اليوم حالة من “الانهيار الاقتصادي الكامل والانسداد السياسي العميق، فيما تتواصل الانتهاكات الإسرائيلية لسيادته الجنوبية، الأمر الذي يجعله في صلب أولويات الأمن القومي العربي”، داعيًا القمة إلى تبني رؤية موحدة لدعم لبنان سياسيًا واقتصاديًا، ومواجهة العدوان الإسرائيلي بالوسائل المتاحة.وأضاف يونس أن سوريا، رغم عودتها الشكلية إلى الجامعة العربية، ما تزال غارقة في عزلة سياسية داخلية، وانقسام جغرافي، ووجود عسكري أجنبي متعدد الجنسيات، معتبرًا أن أي مقاربة عربية للملف السوري يجب أن تنطلق من ضرورة فرض مسار سياسي حقيقي يُفضي إلى تسوية مستدامة.وفيما يتعلق بالعراق، أوضح يونس أن بغداد تسعى من خلال استضافتها للقمة إلى تقديم نفسها كـ”وسيط عربي جامع”، لكن ذلك يظل مشروطًا بقدرتها على تحقيق حد أدنى من الاستقرار الأمني والسياسي الداخلي، وهو ما لا يزال بعيد المنال في ظل الانقسامات الحادة بين مكوناته السياسية.وفي الملف اليمني، قال يونس إن البلاد لا تزال غارقة في حرب معقدة الأبعاد رغم تراجع العمليات العسكرية، موضحًا أن غياب تسوية دائمة يُبقي الوضع هشًا، داعيًا القمة إلى إحياء المسار التفاوضي برعاية عربية أكثر فاعلية.وشدد أحمد يونس على أن التحدي الأكبر أمام قمة بغداد لا يكمن فقط في تشخيص الأزمات، بل في غياب الإرادة السياسية الجماعية لدى الدول الأعضاء، وضعف آليات التنفيذ، وانعدام المتابعة الفعلية للقرارات.
ويرى المحلل السياسي التونسي محمد الهادي غابري أن الحديث عن أي أمل من القمم العربية التي نراها بشكل دوري، بات نوعًا من العبث السياسي، مشددًا على أن جميع المؤشرات تنذر بأن القمة ستكون كسابقاتها الكثيرات.وقال غابري لـ«الدستور»، إن الوهن العربي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، تداعى معه كل أمل في الخروج من نفق الظلمات، مشيرًا إلى أن العالم العربي بات أشبه بجسد منهك تفتك به الأزمات من كل جانب.وأكد أن خروج سوريا من طوق الصراع العربي الصهيوني يُعد من أخطر التحولات الجيوسياسية في المنطقة، مضيفًا أن انهيار حزب الله، الذي وصفه بـ”رأس الحربة الشمالية” في مقاومة العدو، يزيد من تعقيد المشهد ويضعف محور المقاومة بشكل خطير.
استقلالية القرار العربي
وأشار غابري إلى أن السودان يغرق الآن في مستنقع حرب أهلية مدمرة بعد التفكك والتقسيم، فيما لا يزال العراق يرزح تحت نير الفوضى الطائفية والمذهبية والاحتلال الأجنبي، متسائلًا عن جدوى أي قمة لا تملك حلولًا حقيقية لهذه الأزمات المزمنة.وتابع بقوله: ها هي ليبيا كذلك تغرق في أتون الفوضى، ويتهددها التقسيم بمعاول داخلية وخارجية تتقاطع مصالحها على حساب وحدة التراب الليبي، وفلسطين، القضية المركزية للأمة، هي اليوم في طريقها إلى القبر، وسط اتضاح النوايا التوسعية الصهيونية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفق رؤية أعداء الأمة.ونوه بأن الجزائر تقف على حافة سيناريو سوري جديد، بسبب توتر علاقاتها مع المملكة المغربية والخوف من تصاعد الأزمة مع دول الجوار الجنوبية، مضيفًا أن تونس تقف على صفيح ساخن سياسيًا واجتماعيًا، ووالأعداء يتربصون بمصر سواء أعداء الداخل والخارج.واختتم المحلل التونسي تصريحاته قائلا: قمة بلا مشروع نهضوي، بلا موقف موحد، بلا وعي بحجم الكارثة، لن تكون إلا خطوة أخرى نحو التنازل الكامل عن كل ما تبقى من استقلالية القرار العربي.