الكرسي الملكي لتوت عنخ آمون: تحفة مذهلة في المتحف المصري الكبير

الكرسي الملكي لتوت عنخ آمون: تحفة مذهلة في المتحف المصري الكبير

في قلب المتحف المصري الكبير، وسط كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، تتألق قطعة فنية آسرة تخطف الأبصار: الكرسي الاحتفالي للملك الشاب، أو ما يعرف بـ “Ceremonial Chair”، وهو أحد أروع نماذج الفن المصري القديم حيث يجمع الكرسي بين الفخامة الملكية والحرفية المصرية الأصيلة، ويحمل تفاصيل دقيقة تروي قصة من المجد والرمزية.

تحفة فنية استثنائية

الكرسي الاحتفالي لتوت عنخ آمون ليس مجرد قطعة أثاث ملكي، بل عمل فني عظيم، يحمل في كل خط وتطعيم رسالة عن الذوق الملكي الرفيع، وقيم الحضارة المصرية القديمة، حيث صنع الكرسي من الخشب المطعم بالعاج والأبنوس والذهب والفيانس، وزين بعجينة زجاجية وأحجار شبه كريمة، ليقدم لنا مشهدًا متكاملًا عن فنون الدولة الحديثة (1336-1327 ق.م)، حيث بلغت الحرفية المصرية أوج تطورها.ويبلغ ارتفاع الكرسي 102 سم، وعرضه 60 سم، وطوله 54 سم، ويظهر عليه التأثير الواضح لفن “تل العمارنة”، وهو الأسلوب الذي ازدهر في فترة حكم الملك أخناتون، والد توت عنخ آمون، حيث تظهر نقوش الإله آتون وقرص الشمس المنتشر بالأشعة التي تنتهي بأيدٍ تبسط البركة على الملك والملكة.وفي منتصف ظهر الكرسي، يتجلى قرص الشمس، رمز الإله آتون، تحيط به الإلهة نخبت، وهي تفرد جناحيها في مشهد يحاكي الحماية الإلهية، فيما يظهر خرطوشان يحملان اسم الملك، تعلوهما رموز الملكية المصرية. أما نهاية الأرجل، فقد شكلت ببراعة لتأخذ هيئة رؤوس بط، في دلالة على الذوق الرفيع والدقة المتناهية التي تميز بها الفن المصري القديم.ويتزين مسند القدمين، الذي وضع أمام الكرسي، بزخارف ورقائق ذهبية مرسوم عليها أعداء مصر التسعة، وهم يمثلون أعداء الدولة المصرية في الشمال والجنوب، في مشهد يظهر الملك وقدمه تطأ رؤوسهم، تأكيدًا على القوة، في حين تظهر طيور “رخيت” تحت سيطرة الملك، في رمزية تعكس ولاء العامة وخضوعهم للسلطة الملكية.

أسطورة محفوظة وسط الكنوز

عثر على الكرسي الاحتفالي في الممر المؤدي إلى مقبرة توت عنخ آمون بوادي الملوك، وكان من بين القطع التي شدت انتباه مكتشف المقبرة، عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر، الذي وصفه قائلًا: “كان هذا العرش الاحتفالي أجمل ما وجد بين الأشياء في غرفة الانتظار، حيث غشي بالذهب منقوش بعناية وطعم بالأحجار والزجاج في أسلوب مهيب يحاكي العظمة الملكية المصرية.”

ويظهر في الجزء الخلفي من الكرسي الملك توت عنخ آمون وهو جالس، بينما تقوم الملكة “عنخ إس إن آمون” بدهن كتفه بالعطر في مشهد رومانسي وعائلي نادر، يبعث بالحنين ويجسد اللحظات الإنسانية التي لا ترى عادة في الفن الرسمي، ويبدو الزوجان الملكيان وهما ينالان بركة الإله آتون من خلال أشعة الشمس التي تنشر دفئها عليهما.

من التحرير إلى المتحف الكبير

في خطوة تاريخية تهدف إلى عرض المجموعة الكاملة للملك الذهبي في مكان واحد، استقبل المتحف المصري الكبير مجموعة ضخمة من قطع توت عنخ آمون، من ضمنها الكرسي الاحتفالي الشهير، ومع اقتراب افتتاح المتحف رسميًا في يوليو المقبل، يتوافد الزوار من شتى أنحاء العالم لرؤية هذه الكنوز النادرة التي لا تقدر بثمن.

ويعرض حاليًا الكرسي الاحتفالي في المتحف المصري الكبير، في قاعة مخصصة تضم مقتنيات الملك الذهبي، التي تشمل العرش الملكي، والمقصورة المذهبة، والحلي، والأقنعة، وأدوات الحياة اليومية، في عرض يعد الأكبر من نوعه منذ اكتشاف المقبرة في عشرينيات القرن الماضي.