عادل إمام: “كلما اختفى، ازداد تأثيره”

رغم غيابه الطويل عن الأضواء، يظل حاضرًا فى ذاكرة المصريين والعرب، ليس فقط كفنان صاحب تاريخ ممتد، بل كظاهرة اجتماعية وثقافية فريدة طبعت وجدان أجيال كاملة، وفي كل عيد ميلاد جديد يعود الحديث عن عادل إمام ليملأ الشاشات والمنصات، ويستدعي جمهوره مشاهد وأفلامًا ومواقف ضحكوا لها من القلب، وربما أبكت بعضهم أيضًا.عادل إمام لا يغيب، فحتى صمته الأخير تحوَّل إلى موضوع يومي للنقاش، لا يخلو من قلق وحنين، وحين يُذكر اسمه يخرج الناس من السياسة والاقتصاد والحروب إلى ضحكة قديمة، وإفيه لا يُنسى، ومشهد بقى في القلب أكثر مما بقي على الشاشة، هذا هو الزعيم.. الذي صنع أسطورته بنفسه، ثم انسحب بصمت.
عادل إمام.. حكاية “شها”
وُلد عادل محمد إمام محمد بخاريتي في 17 مايو عام 1940، بقرية “شها” التابعة لمدينة المنصورة، في محافظة الدقهلية، قبل أن ينتقل مع أسرته في سن مبكرة إلى حي السيدة زينب بالقاهرة بعد تعيين والده في أحد المصانع الحكومية، وعاش سنوات الطفولة والمراهقة في أزقتها الشعبية.التحق بكلية الزراعة في جامعة القاهرة، وهناك بدأ شغفه الحقيقي بالمسرح بعدما انضم إلى المسرح الجامعي، ومنها بدأ مسارًا طويلًا، وبدأ عادل إمام أولى خطواته على خشبة المسرح في عام 1963، من خلال مسرحية “أنا وهو وهي” مع النجمين فؤاد المهندس وشويكار.في تلك الفترة كان لا يزال طالبًا جامعيًا، وفتح القدر له الباب حين أعلن فؤاد المهندس عن رغبته في ضم وجه جديد للمسرحية، ليتقدم نحو 90 شابًا، ويقع الاختيار في النهاية على شاب نحيف صاحب حضور لافت وموهبة فطرية، هو عادل إمام.المسرحية لاقت نجاحًا كبيرًا، وكان إمام إحدى مفاجآتها، حيث لفت الأنظار بقدرته على انتزاع الضحك بسهولة، ومن هنا بدأت رحلته المسرحية تتصاعد بثبات، أما على الشاشة الكبيرة فقد جاءت انطلاقته عبر أدوار خفيفة تمزج بين الكوميديا والرومانسية، مشاركًا في أفلام مثل “مراتي مدير عام” (1966)، “كرامة زوجتي” (1967)، و”عفريت مراتي” (1968)، إلى جانب الثنائي اللامع صلاح ذو الفقار وشادية.
الزعيم والانطلاقة
لاحقًا، وسّع إمام من اختياراته، فشارك في أعمال جمعت بين الكوميديا والتشويق، مثل فيلم “لصوص لكن ظرفاء” (1968) مع أحمد مظهر وماري منيب، ثم “برج العذراء” (1970) الذي تقاسم بطولته مع صلاح ذو الفقار وناهد شريف، مؤكدًا أنه قادر على التنقل بين الأنماط الفنية بخفة وذكاء.مع مطلع السبعينيات، بدأت موهبته تفرض نفسها تدريجيًا من خلال المشاغبة في “مدرسة المشاغبين” 1972، حتى جاءت الانطلاقة الكبرى عام 1976 من على خشبة المسرح، حين قدّم مسرحية “شاهد ماشفش حاجة”، فكانت أولى بطولاته المطلقة التي لم تنقطع بعدها لأربعة عقود.في الثمانينيات والتسعينيات أصبح عادل إمام الاسم الأبرز في السينما المصرية والعربية، واحتكر صدارة شباك التذاكر بفضل اختيارات ذكية، وجمهور ضخم ينتظره عامًا بعد عام، لم يكن نجمًا جماهيريًا فحسب، بل استطاع أن يُقدّم قضايا سياسية واجتماعية معقدة في قوالب كوميدية قريبة من الناس.قدَّم عادل إمام خلال مسيرته 126 فيلمًا سينمائيًا، وظهر في 16 مسلسلًا، واعتلى خشبة المسرح في 11 مسرحية بارزة، كما خاض تجربة الدراما الإذاعية من خلال مسلسل جمعه بالفنان عبدالحليم حافظ بعنوان “أرجوك لا تفهمني بسرعة” عام 1973.
الزعيم.. حاضر غائب
منذ عرض آخر أعماله الدرامية “فلانتينو” في 2020، لم يظهر عادل إمام في أي لقاء أو مناسبة عامة، وهو ما زاد من قلق محبيه وأثار تساؤلات متكررة حول حالته الصحية، والمفارقة أن هذا الغياب لم يُقلل من حضوره، بل زاده قوة، فقد تحوّل إلى رمز حي، يُستدعى في كل لحظة استثنائية تمر بها مصر أو العالم العربي، عندما تتوتر الأوضاع السياسية، يظهر مشهد له من “الزعيم” أو “طيور الظلام”، وعندما يزداد الضيق، يعود مشهده في “السفارة في العمارة” ليخفف التوتر. عادل إمام أصبح لغة مشتركة بين الناس، وجزءًا من أرشيفهم الإنساني، لا الفني فقط.
عادل إمام.. عندما تتحدث خفة الظل
في بدايته، ظن البعض أن عادل إمام مجرد “كوميديان خفيف الظل”، لكنه سريعًا ما كسر هذا التصنيف، وفرض نفسه على كل أنماط الدراما، في “الإرهابي” اقترب من جراح المجتمع، وفي “الإرهاب والكباب” صرخ بأوجاع المواطن العادي، أما في “اللعب مع الكبار” و”طيور الظلام” فقدّم أداءً عبقريًا لم يزل محل تحليل حتى اليوم.لم يكن ممثلًا فقط، بل قائدًا لفريق، وشريكًا في كتابة كثير من أعماله، وصانعًا لقرارات فنية وجريئة في السينما والمسرح، وربما هذا ما يفسر قدرته على البقاء كل هذه السنوات دون أن يفقد جمهوره، أو يتحوّل إلى مجرد ذكرى.خلال السنوات الماضية، تصدَّر اسم عادل إمام “الترند” أكثر من مرة، ليس بسبب عمل فني، بل بسبب شائعات الوفاة التي طاردته باستمرار، ومع كل شائعة كانت تخرج عائلته لتنفي وتؤكد أنه بخير، وإن كان يُفضّل العزلة والهدوء.
المشاغب.. البصمة التى لا تُمحى
من “مدرسة المشاغبين” إلى “عمارة يعقوبيان”، ومن “جمعة الشوان” إلى “أستاذ ورئيس قسم”، ظل عادل إمام جزءًا من تكوين المواطن المصري والعربي، لا يمكن اختزاله في فيلم أو دور أو مرحلة، لأنه ببساطة عبَر كل المراحل، وأعاد تشكيل الوعي الجمعي أكثر من مرة.وراء الكاميرات، يعيش عادل إمام حياة أسرية مستقرة، هو متزوج من السيدة هالة الشلقاني، وله ثلاثة أبناء، هم المخرج رامي إمام، والممثل محمد إمام، وابنته الوحيدة سارة، وعلى الرغم من أن الأضواء ظلت تلاحقه لعقود، فإن الزعيم ظل يحتفظ بمساحة من الخصوصية، خاصة في السنوات الأخيرة التي فضّل فيها الغياب الطوعي عن الإعلام والظهور العام.