قانون تنظيم أم إرساء للفتاوى

طالعتنا الأخبار بموافقة مجلس النواب على مشروع قانون الفتوى الشرعية، ولم يبق على صدوره الا القليل. أي وعمري، هذا عنوان القانون: “الفتوى الشرعية”، وافق عليه مجلس النواب دون أن يحظى بأية فرصة للحوار المجتمعي، وكأن صياغته وصدوره حكر على المؤسسات الدينية، وليس للمواطنين، ناهيك عن المسيحيين، كلمة بصدده.اكتفى قانون الفتوى بأن يميز منها نوعين: عامة وخاصة، وتجاهل تحديد ماهيتها وابعادها وقوتها الإلزامية ومن المكلف بها ومن المكلف بتطبيقها، وما الموقف ان تعارضت مع مواد القانون أو الدستور.اعتبر مشروع القانون أن أي قول أو رأي لهيئة من تلك الي يقصر عليها القانون إصدار الفتوى هو “فتوى شرعية”، لذلك فهي ملزمة، إذ أنى أفهم أن ما هو شرعي هو أمر علوي لا يمكن مخالفته، أما ما كان رأيا فقهيا فيمكنني أن آخذ به أو بغيره. كنت أعتقد أن دستورنا قد حدد ما هو شرعي واجب الاتباع ولا يحتمل المخالفة، وقد حصره في مبادئ الشريعة الإسلامية، التي تملك المحكمة الدستورية وحدها أن تعرف مضمونها، ضمانا لكل المصريين. وقد عرفتها المحكمة الدستورية بأنها المبادئ قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، التي لا يختلف عليها أحد، إنها وحدها الشرعية واجبة الاتباع، إنها وحدها المبادئ التي تعنيها المادة الثانية من الدستور المصري، أما الباقي أي ما يشك في ثبوته أو ما يحتمل أكثر من معنى أو دلالة فلا يندرج تحت مسمى هذه المبادئ.إن الخلط بين ما هو شرعي وما هو فقهي، كما هو الحال في مشروع هذا القانون ليس من مصلحة أحد. لا المسلمين ولا المسيحيين ولا أحد من المصريين. نعم الأحكام الشرعية أنواع، منها قطعي الثبوت والدلالة وهو الزامي، ومنها الأحكام الفقهية أو الفتوى وهي متباينة فيما بينها لذا لا تتمتع بصفة الإلزامية بل يكون الاختيار بينها هو الشرعي.يرفع مشروع القانون منزلة الفتوى فوق القانون بل فوق الدستور، حيث أنه لم ينص في شروط تنظيم الفتوى على عدم جواز مخالفتها للقانون، معتمدا على أن الفقه شرعي يجبّ القانون الوضعي، متجاهلا أن القانون الوضعي راعى عند صدوره الا يخالف “مبادئ الشريعة الإسلامية” واعتمد على أحد الآراء الفقهية عند صدوره. ويقصر القانون اصدار الفتوى على هيئات بعينها، كما يرجح القانون رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، متى اختلف رأي الهيئات التي تحتكر اصدار الفتوى، متجاهلا دور ولي الأمر، لأن هذا هو دوره في الفصل في الرأي الواجب اتباعه، وهو دور منوط بالسلطة التشريعية للبلاد، فكأن هذا القانون ينقل هذه الصلاحية من السلطة التشريعية ليكلف بها من يخوله القانون اصدار الفتوى، والبت في أي رأي يجب اتباعه.يميز القانون بين الفتوى الخاصة والعامة، وتنطبق هذه الأخيرة عل كل أفراد المجتمع، وكأن القانون يتجاهل أو يتناسى وجود المواطنين المسيحيين شركاء الوطن. لم يوضح لنا القانون موقف المسيحيين منه ولا موقف القانون من غير المسلمين.أخيرا تعدى القانون، حسب فهمي، الهدف منه وهو تنظيم فوضى الفتوى، وقد كان حري به أن يتوسع ويدقق في شروط التصدي لهذه الصناعة، لكنه تعدى ليغلّب الفتوى على القانون والدستور. حبذا لو اقتصر القانون على تنظيم الفتوى لكيلا نسمع بتلك الفتاوى التي تضحك وتبكي في نفس الوقت، مع تشجيع الدارسين والفقهاء على التبحر في الفقه الجاد الرصين القادر على أن يهدي العباد لاتباع ضمائرهم في شئون دينهم.