تصريح جماعة الإخوان الإرهابية يؤكد: هناك خطط تُحاك ضد مصر في الوقت الراهن!

(1)
فى مشهدٍ من مسلسل الجماعة، وعقب محاولة اغتيال عبد الناصر فى الإسكندرية وبعد القبض على قادة المحاولة وقادة الجماعة، بعث بعضُهم بخطابات استعطافٍ لعبد الناصر، ومن تلك الخطابات ما كتبه عبد القادر عودة وهو يعرض على عبد الناصر (أن يتم حل التنظيم الخاص ويقوم بتسليم أسلحته وأن تتفرغ الجماعة للعمل الدعوى) كعرضٍ – اعتقد عودة أنه سخىٌ ومغرٍ للحكومة المصرية – مقابل إنقاذ رقاب المتآمرين والبقاء على هيكل الجماعة. لكن عبد الناصر اعتبر هذا الخطاب اعترافا صريحا وأمر بتسليمه للنيابة العامة.
عشرة أعوامٍ كاملة – منذ فض الاعتصامات الإرهابية وحتى قبيل صدور آخر بيانات الجماعة الإرهابية – وبعضُنا يحاول عبثا جاهدا إقناع عموم المصريين بحقيقة مؤكدة مفادها أن الجماعة كانت طوال تلك السنوات العشرة تمارس نشاطها السرى فى مصر، وأنها تكون خلايا بالفعل، وأنها كانت خلف كل موجات الاستهداف الإعلامى لمصر. كانوا يسخرون منا ويرددون عبارة واحدة (هى كل حاجة هتزلقوها فى الإخوان) أو عبارة (الإخوان انتهوا كجماعة فى مصر وهم مطاريدٌ خارجها).
كان ذلك هو المشهد حتى صدر هذا البيان الأخير، وبه إقرارٌ واضح لا لبس فيه بأن الجماعة قائمة بالفعل فى مصر. غطرسة هذه الجماعة تقودها إلى تكرار نفس المشهد بنفس الغباء السياسى، فحين تعرض الجماعة (قرارها حلّ الجماعة رسميا داخل القطر المصرى، والتوقف الكامل عن ممارسة أى نشاط سياسى)، فهذا يعنى أنها كانت تقوم بذلك بالفعل فيما قبل صدور الإعلان، وأنها ستستمر فى ممارسة ذلك طالما لم تتلقَ ردا مصريا رسميا بالموافقة على عرضها وقبول المساومة!
وهذا يعنى أن يتم تقديم هذا البيان للجهات القانونية المختصة للتحقيق فيما كانت تمارسه الجماعة طوال هذه السنوات العشرة بالمخالفة للقانون الذى قضى بحل الجماعة بالفعل وحظر عليها ممارسة السياسة! علينا أن نعرف ما هى طبيعة النشاط السياسى – السرى قطعا – الذى كانت الجماعة تمارسه على أرض مصر، وهل اشتمل ذلك التنسيق مع قوى خارج (القطر المصرى) بما أن الجماعة تعتقد بأنها ليست جماعة مصرية محلية، وما مدى ارتباط ذلك النشاط السياسى السرى بما حدث فى مصر فى تلك الأعوام من حملات سب وتطاول على المؤسسة العسكرية المصرية، ومن حوادث جنائية بدت غامضة وقت حدوثها وإن كان بعضنا قد قرأ بشكل واضح بصمات الجماعة عليها؟
(2)
إن قراءة بيانات الجماعات الإرهابية وكل ما يصدر عنها – وعلى رأسها الجماعة الأم – يتطلب التمتع بقدر معقول من التحصيل المعلوماتى والإحاطة الفكرية. فهذه البيانات تحتاج إلى ترجمة وتفكيك لا إلى قراءة لغوية ساذجة. يجب أن يكون قارىء أو مفسر هذه البيانات ملما معلوماتيا بتاريخ الجماعة منذ نشأتها وحتى الآن، وأن يكون ملما فكريا بالمعنى الحقيقى – لا اللغوى الظاهرى – لكل مصطلح أو عبارة واردة فى البيان، وأن يكون ملما معلوماتيا بأيدلوجية الجماعة ومساحة علاقاتها الخارجية مع الدول والحكومات والأجهزة الخارجية، وأن يكون متابعا للشأن المصرى العام خاصة فى الأعوام التالية لتوقيع اتفاقية السلام. فبدون ذلك سوف تكون قراءة أى بيان يصدر عن الجماعة قراءة لغوية فقط عبارة عن سذاجة كبرى، ومحاولة تقديم تلك القراءة للمصريين ستكون محاولة لتضليل المصريين لدفعهم للوقوع فى نفس الفخ للمرة ربما العاشرة أو أكثر منذ تكوين تلك الجماعة. لذلك فإننى أتمنى ألا يسقط فى فخ تضليل المصريين أى صاحب قلم أو موقع فى مصر، وأن يبتعد عن الأمر برمته إن كان غير محيط بتلك المحددات السابقة، فنحن بالفعل أمام محاولة قوية لتضليل المصريين.
من تلك المصطلحات الواردة فى البيان والتى تحتاج إلى ترجمة مبسطة وتخيل لكيفية تحقيقها على الأرض فى حال سُمِحَ بها للجماعة ما ورد فى مقدمة البيان (والتفرغ للعمل الدعوى والتربوى فحسب، بما يخدم القيم الإسلامية والمجتمعية، فى إطار سلمى وخالص لوجه الله.)
لو كان الحديثُ عن العمل الدعوى الدينى، فهناك حسب الدستور المصرى والقانون المصرى والواقع المصرى ثلاث مؤسسات دينية رسمية كبرى تقوم بذلك وهى (الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء)، وفى مصر عددٌ كبير جدا من المساجد ولدينا تُخمة فى عدد وعاظ الأوقاف والأئمة والعلماء العاملين تحت مظلة الدولة الرسمية. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع بعض ما يقومون به أو حدود تداخلهم مع المجتمع، فهم فى النهاية يعملون علنا ونعرف ما يقومون به. هنا تبرز قيمة أن يلم من يتصدى لهذا البيان بمفردات وأدبيات الجماعة وتاريخها. فجملة (العمل الدعوى والتربوى) فى قاموس الجماعة تعنى شيئا واحدا فقط هو تجنيد صغار السن وتربيتهم طبقا لما يخدم مصالح الجماعة وأيديولوجيتها فى اعتبار نفسها (الفئة الناجية)، وفى تنفيذ فكرتها التى لم تتغير فى (التغيير من القاعدة).
(القيم الإسلامية والمجتمعية) فى قاموس الجماعة يعنى العمل على تهيئة المجتمع لعودة الخلافة الإسلامية، وتهيئة الأفراد ليكونوا نسخا مكررة من أى نموذج إخوانى عاصرناه وعايشناه. فهذه التربية هى التى توصف فى أدبياتهم بأنها تمسكٌ بالقيم الإسلامية!
(لوجه الله) تعنى فى قاموسهم التمسك بشعار الجماعة، لأنها تعتقد مثلا (أن التنظيم الخاص عملٌ نتقرب به لله) حسب التعبير الحرفى لقادتهم. فسفك الدماء فى سبيل الوصول للحكم الإسلامى – من وجهة نظرهم – هو أيضا لوجه الله. فى قاموس المصريين العاديين عبارة (لوجه الله) تعنى أن يقوم أحدهم بأى فعلٍ خيّر دون أن ينتظر ذكرا أو شكرا من أحد فى الدنيا، إنما ينتظر مقابله من الله مباشرة يوم القيامة.
(فى إطار سلمى) عبارة لا تحتاج تذكرة، فالمصريون المعاصرون قد عايشوا ترجمة هذه السلمية عند الجماعة! وهتافاتهم (سلمية سلمية) ما زالت أصداؤها فى الأذن وهم يطلقون الخرطوش على خلفية الهتاف! هناك فكرة أقرب لأن تكون سرية فى مفردات الجماعات الإرهابية فى تفسيراتهم لمفردات السلام، فهم يقولون أن السلمية أو السلم أو السلام المقصود فى الإسلام هو أن يسود شرع الله – من وجهة نظرهم – حتى لو تخضبت أيديهم بالدماء، فالسلام هو أن تُسلِمَ الأرضُ ومن عليها قيادهم لله ولشرع الله، وأن من يعترض هذه السلمية فهو مفسدٌ فى الأرض مباحٌ دمه قربانا لهذه السلمية.
هذا عن ترجمة معانى هذه العبارات، أما عن ترجمتها فى الواقع، فهى تعنى الآتى (أيها المصريون لن نكون أحزابا سياسية ولن نناطح أحدا فى انتخابات رئاسية أو برلمانية أو حتى نقابات مهنية بشكلٍ تنظيمى، لكن فقط اسمحوا لنا بأن نستغفلكم مرة جديدة..اسمحوا لنا فقط بأن نعدّ جيلا جديدا لنوسع قاعدتنا أكثر..اسمحوا لنا بأن نسترجع مقرات جمعياتنا وأن نسترد أموالنا وأن نشيد كثيرا من المدارس بهذه الأموال لنسيطر على أبنائكم وبناتكم..نرجوكم أيها المصريون امنحونا هذه الفرصة فقط فهى فرصة ذهبية مع كل ما يحدث حولنا. اسمحوا لنا بأن نصوب أخطاءنا ليس فى حقكم طبعا ولا حق قطركم المصرى، ولكن نصوب أخطاءنا فى حق جماعتنا ونعدكم بأننا سوف نصبر حتى نسيطر على الجميع قبل أن نمتطيكم للأبد!)
(3)
الفقرة التالية فى البيان تكتظ بمجموعة من الأكاذيب والدجل المركب، وأيضا تحتاج إلى تفكيك للمعانى حتى يفهمها المصريون على شكلها الصحيح..(إننا إذ نتخذ هذا القرار الجاد والتاريخى، فإننا نوجه رسالتنا إلى النظام المصرى، أملا فى أن تسهم فى تحريك حالة الجمود السياسى، وفتح آفاقٍ جديدة للمصالحة الوطنية بما فى ذلك إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتهيئة بيئة تسمح بمسار سياسى جديد يخدم مصلحة الوطن والمواطن)
(هذا القرار الجاد والتاريخى) كذبة كبرى، فهذا القرار ليس جادا، ففى نفس الفقرة هناك نفىّ قاطع لهذه الجدية فى عبارة (تحريك حالة الجمود السياسى)، فالجماعة تكذب كعادتها وتمارس الدجل فتؤكد عدم ممارستها السياسية ثم تنفى ذلك فى نفس العبارة! أى تاريخية تتحدثون عنها؟! هذا مشهدٌ بائس متكرر بدون أى إبداعٍ أو تغيير حتى فى العبارات والألفاظ. وأزمة مصر الحقيقية، هى وقوع الأنظمة السابقة – لحسابات وأسباب مختلفة – فى نفس الفخ أكثر من مرة. فعلتموها مع ناصر أكثر من مرة، ومع السادات ومع مبارك، والآن تحاولون فعلها مع السيسى. فهو قرارٌ أو فكرة مستهلكة مكررة، ولو أن نظاما مصريا سابقا من تلك الأنظمة قد اتخذ قرارا صائبا قويا صلبا، ونفذه على الأرض لما كان لهذه الجماعة أى وجود فى مصر اليوم، ولأصبحت تندرج تحت عنوانٍ يعرفه قارئو التاريخ جيدا (الفِرق والجماعات البائدة!)
(إطلاق سراح المعتقلين السياسيين) هذه هى غاية البيان الأولى. يستمرون فى محاولة خديعة المصريين، فيطلقون على مجرميهم المدانين بجرائم حمل سلاح وقتل وتخريب مؤسسات ومنشآت لقب معتقلين سياسيين! هذا اللقب أشرف من أن تسرقوه وتختطفوه وتمنحوه لمجرمين. فالمعتقل السياسى الحقيقى فى أى عصر وتحت أى حكم، ومهما نتفق أو نختلف مع أفكاره، هو بالأساس رجلٌ وطنى يحب بلاده ربما بدرجة كبرى وربما بالطريقة الخطأ، لكنه يحب تراب بلاده ويختلف سياسيا فى طريقة إدارة البلاد مع نظام سياسى وطنى أيضا. المعتقل السياسى الحقيقى لا يمكن أن يكون الوطن له عبارة عن حفنة ترابٍ عفنٍ أو أن حدوده غير مقدسة أو أن يرى أن هناك شعبا آخر له حقٌ فى تراب هذا الوطن غير شعبه، ولا يمكن إطلاقا أن تكون فى قائمة مفرداته هذه العبارة الخبيثة (القطر المصرى) وكأن مصر له مجرد جزءٍ من كل!
تتوهم الجماعة بقدرتها على خداع النظام المصرى الحالى أو عقد صفقة معه كعادتها البرجماتية المجردة لكى يطلق لها سراح المجرمين فيلتئم شمل الجماعة..مجرموها مع أموالها مع مقراتها مع أعضائها المشتتين – والآن كثيرٌ منهم غير مصريين – مع منحها فرصة تجنيد ملايين أخرى من المصريين عبر قيامها بإفك العمل الدعوى التربوى!
(المصالحة الوطنية) للجماعة هى أن تعود ويتم قبولها – كجماعة – فى النسيج المصرى حتى يتم لها العودة لنموذج سنوات حكم مبارك. الهيمنة على النقابات حتى لو لم تتقدم للانتخابات رسميا فستقنع بحكم الظل فى تلك النقابات، والسيطرة على مساجد – عبر الأئمة المنتمين إليها – والتوسع فى إنشاء جميعات تابعة لها تحت غطاء العمل الخيرى. أى السيطرة – بموافقة المصريين – على مصر قبل أن ترى أن الفرصة سانحة لها للقفز على السلطة، أى تكرار دورة حياة جديدة لها، أو أن تختصر الطريق وأن تكون تلك الخديعة الناعمة مجرد خطوة متفق عليها حتى يتم إطلاق سراح مجرميها فتحاول مباشرة الاستقواء بمن نصبوا حاكم ما بقى من دولة (س)، وتتوهم قدرتها معهم على تكرار النموذج فى مصر!
أما عبارة (مصلحة الوطن والمواطن) فسأعتبرها عبارة هزلية سمجة ككل محاولات أعضاء الجماعة الفاشلة لممارسة خفة الدم، وهى لا تستحق حتى التوضيح!
(4)
الفقرة التالية من البيان تستحق أن تكون هى الفقرة الأم التى لم تحرمنا الجماعة منها أبدا فى أى ممارسة أو بيان أو تصريح لاستعراض غبائها، وإحباط كل من دافع عنها فى السنوات السابقة، وأنا أتخيل وجه كل واحدٍ من هؤلاء وهو يقرأ هذه الفقرة! أعترف أننى أحب هذه الفقرة دائما فى بيانات الجماعة..فقرة الغباء!
(تأكيدا على صدق نوايانا فإننا نعلن الابتعاد الكامل عن العمل السياسى والإعلامى فى الداخل والخارج، وترك الساحة السياسية بكل جوانبها للنظام القائم، من دون معارضة أو تشويش، يتحمل مسؤليته الكاملة فى إدارة شؤون البلاد، وتحقيق التنمية واستعادة الاستقرار)
يعترف من صاغ البيان بغباء منقطع النظير بوقوف الجماعة خلف كل محاولات التشويش الإعلامى والسياسى على النظام المصرى لمحاولة عرقلته عن تحقيق التنمية واستعادة الإستقرار. يعترف بأنهم الآن فقط – بعد عشرة سنوات من هذه الممارسات – قد قرروا كبادرة حسن نية أن يتوقفوا عن هذا! اعترافٌ صريح لا غموض فيه بخيانة الجماعة للشعب المصرى، وأن الإدارة المصرية كانت تحاول إدارة شؤون البلاد وتحقيق التنمية بينما كانت الجماعة على هذه الإدارة المصرية وتشوهها بشكل متعمد للتشويش على عقول المصريين. ترجمة هذه العبارات إلى وقائع يعنى أن مصر مثلا كانت تقوم بعمل مشروعات تنمية، فتقوم الجماعة بشن حملات إعلامية للتشويش على تلك المشروعات مثلما حدث فى واقعة العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين، ومشاريع الإنتاج الزراعى وقبل ذلك صفقات التسليح.
عشر سنوات كانت مصر تخوض فيها صعوبات وتحديات ومعارك كبرى، وكانت هناك عشرات الآلاف من الصفحات الموجهة كسيلٍ جارف بالمعلومات المغلوطة والإشاعات الموجهة لتشكيك المصريين فى الإدارة المصرية. والآن لدينا اعترافٌ صريح من هؤلاء الخونة بما كانوا يفعلون!
هذه المرة كان هناك بعض تجويدٍ فى الغباء حيث أعترف كاتب البيان باعتراف يفوق ما سبقه ويفضح نية الجماعة وينسف تماما الفكرة الرئيسية التى قد يفهمها خطأ بعضُ البسطاء من مجمل البيان وهى فكرة تراجع الجماعة عن سيرتها وفكرها!
(ونحن على استعداد للالتزام بهذا الموقف لأطول فترة ممكنة تطلبها الدولة، إيمانا منا بأن مصلحة مصر فوق كل اعتبار، وتغليبا للتهدئة والمصالحة على الصدام والمواجهة!) تعترف الجماعة بأنها تساوم الدولة والمصريين، وأنها لم تتراجع عما كانت تمارسه فى السنوات العشرة السابقة أو طوال سيرتها، ولكنها تطلب من خصمها – الدولة والشعب المصرى – هدنة لفترة تقررها الدولة، وتستغلها الجماعة لإعادة تنظيم صفوفها والتنسيق الداخلى والخارجى. (تغليبا للتهدئة والمصالحة على الصدام والمواجهة) تهديد صريح على غرار (إما أن نحكمكم أو نقتلكم)، هذه المرة (إما أن تقبلوا ما نعرضه عليكم أو ستكون المواجهة والصدام!)
(5)
هل صدر هذا البيان حقا عن الجماعة، أم أنه مدسوسٌ عليها؟
أعتقد أنه صادرٌ عنها حتى لو أنكرته بعد أيام، فهذه طريقة معروفة تماما ومن أسس ومبادىء الجماعة فى ممارسة العمل العام والسياسى. تلقى بما تريد، فإن حقق الهدف تعترف به وتجنى ثماره، وإن تم قذفه فى وجهها تتنكر له، ولقد كرستْ لنفسها منذ عقود فقها خاصا بها يبيح لها الكذبُ والإفك والتلون والنفعية المطلقة..تربية إنجليزية صهيوينة خالصة!
هذا البيانُ يجب وضعه أولا فى سياقه الصحيح من تاريخ الجماعة، وموقفها الحالى.
وثانيا يجب وضعه فى سياقه الصحيح من المشهد السياسى الإقليمى الحالى وموقع الجماعة فى مقابلة موقع مصر فى هذه المشاهد.
أما أولا ومع مراجعة تاريخ الجماعة ومراجعة هذا البيان، يمكن القطع بأريحية بأن الجماعة لم تتنازل أو تتراجع قيد أنملة عن أى من أدبياتها ومعتقداتها وسيرتها فى الخيانة، وكفرها الصريح بقيم الوطنية. هو محاولة لا أكثر لتحسين موضعها فى مصر أو لخداع المصريين لتحقيق نقطة متفقٌ عليها مع آخرين مثل الإفراج عن مجرميها واسترداد أموال تمت مصادرتها أو تجميدها لتمويلها للإرهاب.
(6)
إن البيان الوحيد الذى يمكنه أن يقدم جديدا بالفعل لم يصدر عن الجماعة فى أى مرحلة حتى الآن، وأعتقد بشكل شخصى أنه لن يصدر أبدا. هذا البيان الخيالى يجب ألا يكون مكتوبا، بل مذاعا على الهواء مباشرة وتحضره كل قيادات الجماعة بمختلف أذرعها ومراحلها العمرية وتنوعها الفكرى وأن تعلن خلاله الجماعة عن الآتى..
نقر ونعترف أن جماعتنا إرهابية تكفيرية مجرمة، اقترفت جرائم كثيرة ضد مصر والمصريين منذ تدشينها.
نقر ونعترف أن جماعتنا فى بدء تدشينها نشأت على باطل تامٍ من كل النواحى الدينية والوطنية والمجتمعية.
نقر ونعترف بأن هذه الجماعة قد تدشنت فى بدئها كجماعة خيانة صريحة ثم استمرت فى خيانة مصر طوال العقود السابقة.
نقر ونعترف أنه لا يصح أن يكون هناك أى جماعات أو جمعيات دينية خارج المؤسسات الدينية الرسمية، أو جماعات سياسية خارج الأحزاب، وأنه لا يصح
أن تكون هناك أحزابٌ على أسس دينية.
نقر ونعترف بأن كثيرا مما جمعناه من أموال لا يحق للجماعة، ونبادر بتقديمه – سواء كان فى مصر أو خارجها – للشعب المصرى للخروج من الأزمة الإقتصادية.
نقر ونعترف أننا كقادة مسؤلون أمام الله عمن قمنا بتجنيده ودفعه للموت لتحقيق مصالحنا السياسية الشخصية.
نقر بأننا مجرمون أسأنا للدين الإسلامى وغررنا بشباب مصر وأننا قولا واحدا كنا على باطل.
نتقدم بطلب مخلص لمصر – شعبا ودولة – باعتذارٍ مكتوب طويل به كل هذه الاعترافات، ومستعدون لأن يتقدم كل من كان مطلوبا أمام القانون المصرى لينال جزاءه.
من لم يكن مطلوبا قانونا يتقدم للمصريين باعتذارٍ ورجاءٍ أن يقبلوه مصريا وفقط.
إذا رأى المصريون أن يصدقونا فنحن مستعدون لهذه المصالحة بعد أن نقدم ما بحوزتنا من وثائق إدانة أو تبرئة أو خيانة، وأموال ومتهمين.
نقدم أنفسنا وعائلاتنا للحصول على إعادة تأهيل وطنى عبر الخضوع لبرامج تثقيفية جادة.
أنا جادٌ جدا فى هذا الطرح الخيالى. هذا هو البيان الوحيد الذى يمكن أن ينظر إليه المصريون بجدية، وأن يفكروا بشكلٍ جاد فى عقد مصالحة وطنية على غرار مصالحة نلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا. مصالحة تسبقها مصارحة واعترافات وتقديم كل الأدولة والوثائق والأموال، وأن يتقدم المدانون من تلقاء أنفسهم لنيل جزائهم حسب القانون المصرى حتى لو كانوا قد هربوا خارج مصر. أن تقدم الجماعة كفنها فعليا، وأن يتم بالفعل دفن الجماعة بأيدى قادتها وأعضائها، وبعد أن يتطهروا بهذه الطريقة الوحيدة (اعترافات تفصيلية طويلة فى جلسات مصورة – تقديم الوثائق والبيانات والأموال – تحويل مقرات الجماعة لمبانٍ حكومية ثقافية – المبادرة لتنفيذ العقوبات للمدانين)
غير هذا، فكل ما تروج له الجماعة الآن أو غدا هو ليس إلا محاولات لخديعة المصريين، والدولة المصرية، وإن إبداءَ أى إشارات لقبول هذا العبث سيكون قرارا مصريا بقبول الخديعة، وتقديم مقدرات مصر ومستقبلها ومستقبل أبنائها لنفس تلك الدائرة الشيطانية مرة جديدة!
الأمر ليس معقدا أو عصيا على الفهم ولا يحتمل أى حذلقة سياسية، المصالحة الوحيدة الممكنة فى هذه الحالات هى نموذج جنوب إفريقيا، وأن يتم دفن الجماعة فكرا وتنظيما ومقرات ومطبوعات للأبد. وأى يتم سن قانون جديد خاص بمرحلة انتقالية لتنفيذ المصالحة عمره خمسة عقود ينص على عقوبة الإعدام لكل من يثبت يقينا قيامه بمحاولة إحياء التنظيم بأى شكلٍ كان.
(7)
شخصيا لا أعتقد أن الجماعة لا الآن، ولا غدا سوف تقوم بما تخيلتُه، لذلك وعودة لواقعنا أعود للنقطة الثانية بضرورة وضع هذا البيان – أو أى بيانٍ سوف يصدر مستقبليا – فى موضعه الصحيح من الأحداث السياسية الإقليمية، وموقف مصر فى مواجهة موقف الجماعة من تلك الأحداث.
ما حدث مؤخرا لا يمكن فصله عن هذه المحاولة الإخوانية. دولة (س) تم اقتسامها بين قوى إقليمية وبين مليشيا شبيهة فى المعتقد والسيرة مع جماعة الإخوان المصرية، محاولة شبيهة ما زالت قائمة فى دولة (ل)، حسم بعض الدول العربية المهمة لاختياراتها السياسية بصورة بدت فظة للبعض، ومتعارضة مع موقف الدولة المصرية الصامد فى دعم أهل القطاع..
هذا يعنى للجماعة أنها تشعر بغيظٍ شديدٍ وندمٍ أشد وتلوم نفسها أشد اللوم على بعض خطواتها حين كانت تحكم مصر، وترى أنها لو قد تصرفت بطريقة مخالفة لما قامت به، فلربما كانت الآن من إحدى تلك الجماعات المرضى عنها ولو على حساب أرض مصر!
كما ترى الجماعة أن فرصتها الآن قوية لإعادة المحاولة بالضغط على مصر التى تواجه ضغوطا دولية كبرى.
لا يمكن إطلاقا فصل البيان عما صدر مؤخرا من تقارير إعلامية أو تصريحات لبعض رجال الأعمال تستهدف القوات المسلحة المصرية. قطعا هناك تنسيقٌ من نوعٍ ما بين قوى وربما أجهزة دول قبل صدور ذلك البيان. ترى الجماعة أن الدولة المصرية ربما تكون تحت ضغطٍ دولى يجعلها تقبل محاولة الابتزاز أو المساومة. الدولة المصرية تعرف قطعا كل ما يدور خلف الكواليس، وأعتقد أن تلك الدولة قد حسمت أمرها بالفعل منذ عشر سنوات. وكلمة مصر اليوم فى بغداد تنفى هذا الوهم – بضعف مصر – لدى الجماعة ومن تنسق معهم، وتؤكد هذه الكلمة أن مصر دولة راسخة قوية لن ترضخ لأية مساومات، ولو أنها كانت مضطرة ضعفا لذلك لكان الأولى بها الرضوخ لمساومات تعود عليها بمكاسب أكبر كثيرا من مساومة جماعة مشتتة!
يبقى جزءٌ كبير من مواجهة هذه المحاولات البائسة من الجماعة متروكا للمصريين ووعيهم ونخبتهم المثقفة فى نشر هذا الوعى.
إن أى قبول للمصطلحات السابقة من عينة (التربية والدعوة) تعنى عودة بمصر للوراء. هذه الجماعة وغيرها من الجماعات يجب أن تكون مرحلة منتهية من تاريخ مصر.
وإن أى سماح بوجود كيانات اقتصادية يُعرف يقينا أنها تعمل بأموال الجماعة هو عودة لما قام به مبارك حين سمح للجماعة بتكوين تلك الإمبراطورية الإقتصادية الكبرى.
على المصريين أن ينتبهوا فى هذه المرحلة التى سوف يتم فيها الترويج كذبا لما ورد فى بيان الإفك الخاص بالجماعة. وحين تفشل هذه المحاولة، فعلى المصريين أن يستعدوا لموجاتٍ أكثر شراسة مما سبق. لأن الجماعة الآن مثل الأفعى الجريحة الجائعة الغاضبة التى ترى أن مصر كانت بالفعل معصورة بين جسدها الغليظ الملتف، لكن هناك من أنقذها عنوة من ذلك الجسد فقط قبل أن تكمل الأفعى بث سمها، وهذه الأفعى تكون فى أشد حالات شراستها فى هذا الوقت وتريد أن تتسلل مجددا بعد أن تتظاهر بطريقة ناعمة أن أمر التهام الفريسة لا يعنيها.. تخفى شراهتها ورغبتها القاتلة فى الافتراس حتى لمجرد الانتقام وتحقيق سلامها الداخلى!
إن أشد ما أخشاه من مثل هذه البيانات والمحاولات، هو كيفية تعاطى بعض مثقفينا وصحفيينا معها، وكيف سوف يقدمونها للمصريين لأننى – وبصراحة شديدة لستُ سعيدا بالمستوى العام للوعى المعلوماتى والتثقيفى لبعض المحسوبين على هذين الفئتين!
وأيضا بصراحة أضم لهذين الفئتين، ما سوف يقوم به بعض المنتمين لبعض المؤسسات الدينية الرسمية من معتنقى فكر الجماعة من علماء أو طلاب أو صفحات تحمل أسماء بعض المنتسبين لتلك المؤسسات، ولا أستبعد أن يكون ما سيصدر عنهم هو بالتنسيق مع من كتبوا البيان! أتوقع أن تتم محاولة ابتزاز المصريين دينيا عن طريق هؤلاء بأنه لا يجوز أن نقول لا لمن يطلب السلام والمصالحة. وهؤلاء يدركون أكثر منى أن ليس هذا ما تدعو له الجماعة، لكنهم سوف يفعلون كل ما يُطلب منهم لإعادة تمكين الجماعة مرة أخرى.