الأجيال المهدورة: كيف تجاهلت وزارة التربية والتعليم جانب التربية؟

الأجيال المهدورة: كيف تجاهلت وزارة التربية والتعليم جانب التربية؟

في لحظة فارقة من تاريخ هذا الوطن، لم يعد السؤال الملح فقط هو: “لماذا تراجع التعليم؟” بل أصبح: “أين ذهبت التربية؟”. فقد تغنينا طويلًا بتطوير المناهج ودمج التكنولوجيا وتحديث البنية التحتية، لكننا أغفلنا اللبّ الذي يقوم عليه أي نظام تعليمي ناجح، وبالقطع أنه التربية قبل التعليم. فليست المدرسة مجرد مصنع درجات، بل محراب لصناعة الإنسان، وها نحن اليوم نحصد ثمرة الإهمال المزمن لهذا الدور المحوري.إن ما نشهده من انهيار أخلاقي متسارع، وتآكل في منظومة القيم، ليس نتاج لحظة، بل هو نتيجة مباشرة لتقاعس وزارة “التربية” والتعليم عبر تاريخها عن أداء شقها الأول المتمثل فيالتربية، ولأنها لم تعد ترى في نفسها راعية لتشكيل الوجدان، ولا معنية بغرس القيم، فقد نشأ جيل تائه، تتقاذفه التيارات، وتحتويه الشاشات، وتُعيد تشكيله الثقافة الاستهلاكية، وتلك هي الإشكالية الثالثة التي يعاني منها نظام التعليم في مصر(وعلى وجه الخصوص التعليم قبل الجامعي) بعد أن سلطنا الضوء في المقالين السابقين على إشكالية عدم وجود فلسفة واضحة للتعليم والاشكالية الثانية وهي قصور الخطة الاستراتيجية وتوقف استمراريتها بسبب تغير الوزراء مع كل تشكيل لحكومة جديدة.لم نعد نرى في المدرسة قدوة، ولا في المعلم صوت ضمير، ولا في المنهج بوصلة أخلاق، والمسؤولية هنا ليست فردية، بل مؤسسية،إنها مسؤولية الوزارة التي تحمل اسم “التربية”، لكنها تنازلت عن مسئولية التربية وركزت على أرقام التعليم، ففقدنا الاثنين معًا.في هذا السياق يجب أن نعود قليلا إلى 12 يناير عام 1950 وهو اليوم الذي تولى فيه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين منصب وزير المعارف، والتي صارت فيما بعد وزارة التربية والتعليم، وهو بلا شك صاحب المبادرة الأولى في مفاتيح إصلاح التعليم وكانت له اجتهادات ونظريات وآراء معتبرة في الفكر التربوي حدد من خلالها الاتجاهات الحديثة في التربية ونادى بها وعمل على تحقيقها خلال توليه وزارة المعارف، إلى جانب نضاله التاريخي المعروف من أجل مجانية التعليم، وفي أهداف نظريته حول الفكر التربوي كان ينظر إلى الواقع الاجتماعي نفس نظرته إلى الواقع السياسي الاقتصادي وكان يرى أن الفكر التربوي يجب أن يٌؤَسس على الأهداف العامة للدولة المصرية والتي حددها في الحرية الخارجية وقوامها الاستقلال الصحيح، والقوة التي تحوط هذا الاستقلال، والحرية الداخلية وقوامها النظام الديمقراطي، والاستقلال الاقتصادي لحماية الثروات الوطنية، والاستقلال العلمي والأدبي والذي يجعلنا نقف على قدم المساواة مع الفكر الأوربي الغربي، نفهم الحياة كما يفهمها، ونرى الأشياء كما يراها.وإذا كانت هذه هي الأهداف العامة للمجتمع، فإن أهداف التربية يجب أن تكون خاضعة في تحديدها للإطار العام الذي تحدده هذه الأهداف، وعلى هذا الأساس فإن “طه حُسين” كان منهجه هو اعتبار التعليم الأولي بداية السلّم التعليمي، وهو وسيلة العيش التي تٌمكن الفرد من أن يعرف نفسه وبيئته الطبيعية والوطنية والإنسانية، وأن ينهل من هذه المعرفة، حتى يٌلائم بين حاجته وطاقته، وما يحيط به من البيئات والظروف، ثم أنه وضع رؤيته الهامة حول دور الدولة في الاهتمام بالتعليم، وأن هذا الدور وجوبي ومن مسئولية الوزارة المختصة بالتربية والتعليملأن هذا الاهتمام يكفل عدة أغراض تٌحافظ على كيان الدولة والمجتمع والأمن القومي للبلاد، وكان يرى أن التعليم الأولي أيسر وسيلة يجب أن تكون في يد الفرد حتى يستطيع أن يعيش، وهو أيضا أيسر وسيلة يجب أن تكون في يد الدولة نفسها لتكوين الوحدة الوطنية وإشعار الأمة بحقها في الوجود المستقل الحر، وهو الطريق الوحيد في يد الدولة حَـتى تٌمكن الأمة من البقاء والاستمرار لأنها بهذا التعليم تضمن وحدة التراث الوطني الذي ينبغي نقله من جيل إلى جيل.هل هذا الفكر وهذه الفلسفة يفهمها ويدركها جيدا القائمون علىوزارة التربية والتعليم في وقتنا الحالي؟لقد راجعت الهيكل التنظيمي لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني والذي يضم تقريبا 17 إدارة مركزية في تخصصات الاستراتيجية، التعليم العام، التعليم بمصروفات، مكافحة التسرب وتعليم الكبار، مدارس التعليم الفني، تطوير التعليم الفني، أكاديمية معلمي التعليم الفني والمهني، تكنولوجيا التعليم، المراكز والمجمعات التعليمية، الأنشطة الطلابية،المديريات، تطوير المناهج، شئون المعلمين، ثم الإدارة المركزية لشئون مكتب الوزير، وكان من المزعج والمقلق أنه لا يوجد قطاع أو إدارة مركزية تختص بالتربية والتوجيه الفكري للأجيال وتعزيز الهوية الوطنية وقيم المواطنة، ولا أتصور أن تكون وزارة “التربية” بلا قطاع تنفيذي تكون كل مهامه أهداف الفكر التربوي مثل التي وضعها طه حسين عام 1937 في نظرياته قبل 13 عاما من توليه وزارة المعارف أي منذ 88 عاما من وقتنا الحالي!إن ما يحدث في مدارسنا اليوم ليس فقط إهمالًا تربويًا، بل جريمة متكاملة الأركان ضد مستقبل هذا الوطن. جريمة تُرتكب بهدوء، ولكن آثارها تزلزل المجتمع: أجيال بلا انتماء، بلا أخلاق، بلا رؤية، تتخبط في دوامة من الانفلات والسخرية من القيم، ورغم أن اسم الوزارة “وزارة التربية والتعليم”، إلا أن التربية تُركت خلف الستار، فصار التعليم معزولًا عن القيم، والمدرسة مصنعًا لشهادات لا لصناعة بشر، ولم نسمع أن الوزارة دشنت أي خطة حقيقية واقعية لتعزيز التربية الأخلاقية في المدارس، فتحولت المدرسة إلى مجرد وعاء للمناهج والحفظ والامتحانات.والأمر الثاني أن هناك العديد من الدراسات التي حددت بشفافية مؤشرات انهيار القيم بين الطلاب ومنها زيادة العنف والتنمر داخل المدارس، حسب تقارير وبيانات رسمية، وانتشار الألفاظ الخارجة بين الطلاب والسلوكيات المنحرفة، وسخرية من الرموز داخل الفصول، بالإضافة إلى فقدان الطالب القدوة، والاحترام، والانضباط، مع تراجع دور المعلم كمرشد تربوي، وفي هذا الإطار نتذكر واقعة طالبات التجمع التي أعادت المشكلة إلى الواجهة والتي رٌفع الستار عنها عقب تداول فيديو في مصر يظهر اعتداء ثلاث طالبات بإحدى المدارس الدولية بمنطقة التجمع الخامس في القاهرة، بطريقة وحشية وسط المدرسة على طالبة أصغر منهن سنًا، مما نتج منه إصابة الطالبة ونقلها إلى أحد المستشفيات بعد إصابتها بكسور وكدمات وسحجات بالوجه والجسم، ولم تكن واقعة التجمع هي الأولى من نوعها، بل شهدت مدارس مصر وقائع عدة لحالات عنف واعتداء جسدي في مختلف المدارس بمحافظات الجمهورية، وفي يناير 2024، أصيب طالب بطعنة بسلاح أبيض في بطنه، بسبب مشادة كلامية مع زميله، بالمنشأة جنوب محافظة سوهاج (جنوب مصر)، وفي نوفمبر 2024 اعتدى طالب على زميله بسلاح أبيض (مطواة) بإحدى المدارس ببورسعيد، خلال مشاجرة نشبت بينهما داخل فناء المدرسة، والتي تسببت في إصابته بجرح طعني أودى بحياته ولاذ بالهرب بالقفز من أعلى سور المدرسة، ثم لا نغفل الواقعة الأخيرة التي هزت الرأي العام في مصر  عندما تعرض طفل في الخامسة من عمره لاعتداء جنسي داخل إحدى المدارس في محافظة البحيرة من قبل موظف بالمدرسة يبلغ من العمر 79 عاما.وفي دراسة نشرت في يناير 1992 تحت عنوان (أوجه القصور في أداء المدرسة لوظائفها التربوية وأثر ذلك على كل من الأسرة والتلميذ من وجهة نظر أولياء الأمور) للباحث عبد الرحمن أحمد الأحمد – كلية التربية – جامعة عين شمس، تبين تراجع دور المدرسة التربوي ومسئوليته عن الأسباب المباشرة في ازدياد العدوانية والمشاكل النفسية لدى الطلاب، وهناك دراسة أخرى نٌشرت في مجلة التربية الحديثة عام 2022، رصدت أثر غياب التربية على ضعف الانتماء وتفشي الأنانية والسلبية لدى طلاب الثانوي في مصر، وهذه عينات فقط من عشرات الدراسات والأبحاث الأكاديمية بالجامعات المصرية والتي تؤصل في النهاية إلى نتيجة واحدة وهي أن وزارة التربية والتعليم لم تقم بدورها القانوني والمجتمعي في الاهتمام بالجانب التربوي في مدارسنا، وبالتالي ظهرت الآثار المجتمعية لانهيار شق التربية، والذي نراه كل يوم متجسدا في انتشار ثقافة اللامبالاة و”التريقة” والسخرية من أي قيمة محترمة، وضعف الانتماء الوطني، والانجراف وراء تيارات سطحية أو هدامة، بالإضافة إلى اختفاء نموذج القدوة الأخلاقي من حياة النشء والطلاب.ومن هنا نسأل عن سبب هذا القصور وهذا الانهيار التربوي في مدارسنا؟أسباب القصور التربوي في مدارسنا متعددة، متشابكة، وتراكمية، ويمكن تقسيمها إلى أربعة محاور رئيسية، وكل محور أدى إلى تسارع مظاهر الانهيار الأخلاقي بين الطلاب والمجتمع التربوي ككل، وأراها فيما يلي: (أولا)قصور في الرؤية المؤسسية للوزارة:ويظهر هذا في التغافل عن “شق التربية” في السياسات التعليمية لصالح التركيز المفرط على تحصيل الدرجات والامتحانات، فغياب فلسفة تربوية واضحة تٌرسي القيم وتغرس الانتماء، أصبح واضحًا، ولم نجيب على سؤال أي نوع من المواطن نريد أن نربي؟ ثم يزيد الطين بلة عدم تضمين المناهج محتوى أخلاقي وتربوي فعّال ومُدمج بسلاسة داخل السياق التعليمي اليومي، بل أصبحت القيم تطرح نظريًا دون ممارسة.(ثانيا)ضعف دور المعلم كمربٍ وقدوة:حيث تراجعت تماما هيبة المعلم بسبب التهميش المادي والمعنوي، مما أضعف سلطته الأخلاقية أمام الطالب، خاصة مع لجوء أغلبية المعلمين إلى ما يطلق عليه أكاديميا (التعليم الظلي) وبقصد به هنا ظاهرة الدروس الخصوصية كحل من وجهة نظر من يمارسها من المعلمين لتعويض الفجوة المادية في الرواتب والأجور، وأيضا نجد أنه لا توجد عملية تدريب تربوي حقيقية حيث تركز برامج إعداد المعلمين على الجوانب الأكاديمية دون إعدادهم لدورهم الأعمق كمؤثرين تربويين، ومن هنا تبدلت صورة المعلم في وعي الطالب والمجتمع إلى مجرد موظف، بعد أن كان رمزًا للانضباط والقيم.(ثالثا)تغيّر البيئة المدرسية والمجتمعية:نجد أن المدرسة لم تعد فضاءً تربويًا آمِنًا بل باتت تعاني من العنف، التنمر، غياب الانضباط، وتكريس الفردية، بالإضافة إلى تفكك العلاقة بين الأسرة والمدرسة مما أفقد الطالب رقابة التوجيه المشترك، وهو ما أدى إلى بلوغ الذروة في تأثير الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على تشكيل وعي وسلوك الطلاب، في غياب رقابة وقيم تصحيحية.(رابعا)غياب القدوة المؤسسية والنماذج الإيجابية:حيث يندر وجد رموز تربوية داخل المدارس يُحتذى بها، مع غياب التكريم الحقيقي للسلوك القيمي أو مكافأته، مقابل التركيز على تكريم الطلاب المتفوقين دراسيا فقط، وتتعاظم المشكلة مع اختفاء أو تهميش برامج التربية بالقدوة والأنشطة المعززة للأخلاق (مثل المسرح، الإذاعة، الرحلات التعليمية الهادفة).هذا القصور في إدارة المحاور الأربعة المذكورة ترتب عليه نتائج مقلقة ذات بعد يٌؤسس لفقدان الهوية الوطنية ويؤثر على وحدة وسلامة الأمن القومي الداخلي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ارتفاع معدلات العنف والسلوك العدواني داخل المدارس، ضعف الانتماء الوطني والشعور بالمسؤولية المجتمعية، وتبني الأنماط المستوردة كنماذج للقدوة، وشيوع ثقافة الغش، الكذب، واللامبالاة، وغياب الضمير الجمعي، وتفشي السلوكيات الفردية المصلحية، ونضيف على ذلك تدهور صورة المدرسة كمصدر للتهذيب والتنشئة.  وحتى لا يكون حديثي هذا مجرد تنظير، أقترح معالجة علمية رصينة لهذا المحور الهام تتضمن الحلول المقترحة لتفعيل شق التربية في وزارة التربية والتعليم، مدعومة برؤية تنفيذية واضحة، وتُؤسِّس لدور مؤسسي حقيقي يعالج القصور ويستعيد البُعد التربوي المفقود:(1)إنشاء قطاع مركزي للتربية والهوية الوطنية:الاقتراح الرئيس: إنشاء “القطاع المركزي للتربية وتعزيز القيم” داخل وزارة التربية والتعليم، يُعنى حصريًا بالجوانب التربوية، ويُعادله في القوة والتأثير قطاع التعليم العام، على أن يتبع هذا القطاع إدارات فرعية في كل محافظة تحت اسم: “إدارة التربية والقيم”، تكون مسؤولة عن تنفيذ خطط تربوية محلية تُراعي السياق الثقافي والاجتماعي للمجتمع المصري في كل منطقة.(2)دمج القيم التربوية في المناهج والممارسات اليومية:حيث يجب تطوير أُطر منهجية حديثة للقيم بالتعاون مع متخصصين في علم النفس التربوي وعلم الاجتماع، لتُدرج بفعالية في المناهج معطيات ومعارف تعزيز المفاهيم الأخلاقية والسلوكية مثل الأمانة، الاحترام، التعاون، وضبط النفس،والانتماء للوطن، وألا يكون ذلك مجرد مقررات نظرية فقط، بل من خلال دمجها في الأنشطة الصفية واللاصفية، والقصصالدراسية، والمواقف الحياتية.(3)تأهيل المعلم ليكون مربيًا وقائدًا أخلاقيًا:واعتقد أن ذلك يجب أن يبدأ بإلزام كليات التربية بتخصيص مقررات متعمقة في التربية الأخلاقية، والتنشئة الاجتماعية، وقضايا الهوية، ومن جانب وزارة التربية والتعليم فيقترح إعادة هيكلة برامج التنمية المهنية للمعلمين لتتضمن الذكاء الأخلاقي، التعامل مع التنمر والسلوك المنحرف، التربية بالقدوة، بالإضافة إلى ربط حوافز المعلمين وترقياتهم بإنجازاتهم في هذا المجال وتنفيذ الخطط التي سوف يضعها القطاع المركزي للتربية والهوية الوطنية والمقترح إضافته إلى الهيكل التنظيمي للوزارة.(4)تعزيز الأنشطة التربوية والتكامل مع المجتمع:من خلال إحياء فعال لدور الأنشطة التربوية (الإذاعة، المسرح، الخدمة العامة، الرحلات ذات الطابع الوطني)، وتفعيل برامج الشراكة بين المدرسة والأسرة والمجتمع المحلي لتوحيد الرسائل التربوية، وغرس مفاهيم الانتماء والمواطنة.(5)وضع ميثاق سلوك وطني تربوي موحد:حيث أقترح إعداد “ميثاق السلوك التربوي المدرسي” ليُوزع على الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور، ويُعد وثيقة مرجعية سلوكية تُلزم الجميع بقيم محددة، على أن يتضمن الميثاق مفاهيم مثل: احترام الوقت، احترام الآخر، الحفاظ على المرافق، وقواعد التواصل الأخلاقي.  أما عن آلية التنفيذ المؤسسية والمستدامة، فيمكن أن تتحقق في بنيتها التنظيمية من خلال تأسيس القطاع المركزي للتربية والقيم الوطنية داخل الوزارة، يضم إدارات عامة على النحو التالي: إدارة للمناهج القيمية، وإدارة لتأهيل المعلمين تربويًا، وإدارة للأنشطة التربوية والهوية، على أن يتبعها إدارات فرعية في كل مديرية تعليمية تتولى تنفيذ الخطط المركزية في المدارس ومتابعة مؤشرات الأداء السلوكي والأخلاقي للطلاب.أما من ناحية قياس الأثر التربوي لأعمال القطاع وإداراته التابعة، فيقترح استحداث مؤشر قومي للقيم والانضباط السلوكي في المدارس، يتم قياسه دوريًا من خلال: استبيانات للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور، تقارير الانضباط المدرسي، تقييمات سلوكية غير أكاديمية.وقد يكون من المناسب أيضا إصدار تشريعات داعمة، وأقصد هنا تعديل قانون التعليم ليتضمن مهام واضحة للوزارة في المجال التربوي، مع إلزام المدارس بتخصيص حصص أسبوعية للقيم والسلوك، وإدراج بند التقييم التربوي ضمن تقييم الطالب، بحيث تكون الأخلاق جزءًا من النجاح والرسوب وليس فقط من “درجات الأنشطة”.أجد في نهاية هذا الطرح أنه يجب الإشارة إلى دراسات سابقة للعالم الأمريكي لورانس كولبرج صاحب العديد من النظريات الأخلاقية والتربوية، وإلى دراسات أخرى حديثة نشرتها مؤسسة شراكة تعليم الشخصية أو (Character Education Partnership) بالولايات المتحدة الأمريكية والتي تٌدعم تشجيع المجتمع بصفة عامة والمجتمع المدرسي بصفة خاصة على ممارسة القيم الأخلاقية الجيدة، وما اجتمعت عليه نتائج هذه الدراسات من أن المدارس التي تٌطبق برامج تربية أخلاقية ممنهجة شهدت انخفاضًا بنسبة 40% في معدلات السلوك العدواني للطلاب، وتحسنًا في التحصيل الدراسي العام، بالإضافة إلى زيادة في التفاعل الإيجابي بين الطالب والمعلم.وأخيرا أؤكد أنه ما لم تَعٌد وزارة “التربية والتعليم” إلى أصل رسالتها – أن تربي قبل أن تُعلّم – فستبقى الأجيال القادمة تائهة، ومشوهة، ومسلوبة القيم، وعندما تفشل وزارة “التربيةوالتعليم” وترى هذا الانهيار ولا تتحرك بجدية، أو أنها تتحدث عن “تطوير” لا يشمل الإنسان ذاته، فلا عذر لأي مسؤول يبقى في منصبه، وأنه يجب أن تتحمل كل قيادة للتربية والتعليم في مصر مسؤوليتها، ذلك أن للتاريخ صفحات للوم والخذلان سوف تسجل كل تقصير في التربية والتعليم ساهم في دحر الأجيال وتخلفها.التاريخ يكتب الآن، والمستقبل لا ينتظر…. وللحديث بقية.