الأموال العربية والبعد السياسي

الأموال العربية والبعد السياسي

حاجةُ النُّظُمِ السياسيَّة إلى المال، تُمليها حاجتُها إلى مواردَ لتدبير الدولة، وتأمين متطلَّبات الإنفاق على مشروعاتها بالداخل، وحماية أمنها وحدودها من تهديد الخارج. كل هذا يتطلب موارد ذاتية للدولة، لإمكان مداركة احتياجات مواطنيها المتكررة والدائمة والمتجددة. 
لأجل ذلك حاولت نُظم الحُكم، منذ فجر التاريخ، جلب المال بالنشاط الاقتصاديِّ وامتلاك عناصر الثروة؛ فكان القادة والحكام إمَّا أصحاب ثروةٍ ونفوذٍ اقتصاديٍّ في دولهم، أو قريبين من أصحاب الثروة ومتحالفين معهم. 
الموارد الاقتصاديّة، إذن، هي مسألة حيويةٌ بالنسبة إلى النظام السياسي بغض النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي، في المقابل، لم ينفصل الاقتصاد عن السياسة، أو بعيدا عنها؛ لأن النشاط الاقتصاديَّ في حاجة إلى من يحميه ويؤمنه ويشعره بالاستقرار لينمو ويزدهر.
ومع توافر المال يدي بعض دول الخليج، أصبحت تلك الدول تلعب دورا محورا في التغييرات السياسية والتوجهات لدي بعض الدول.
خلال السنوات العشر الأخيرة، ظهرت بعض دول الخليج العربي بقوة في النادي الدولي، وفي شكلً جديد من العلاقة مع العالم. وخصوصا الدول الأربع الكبرى، السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، والتي امتد نفوذها خارج إطارها المحلي إلى الإقليمي، ثم إلى العالمي، مستفيدةً من عوائد النفط والغاز التي تدفقت عليها منذ أن اكُتشف الذهب الأسود قبل ما يقرب من 90 عامًا.
شكلت دول الخليج اتحادا فيما بينها، هو مجلس التعاون الخليجي، والذي نجح في تحويل عوائد النفط غير المتوقعة إلى ثروات مالية، بعد ارتفاع أسعار النفط عام 2002. ذلك عبر إنشاء صناديق استثمار مُخصصة حصريًا لفائض النفط الذي حققته.
وأصبحت أموال دول مجلس التعاون الخليجي وحدها شكّلت حوالي نصف الأصول المملوكة لصناديق الثروة السيادية على مستوى العالم. وحتى عام 2009 تراكمت في تلك الصناديق ثروة من الأصول الأمريكية بلغت قرابة 1.5 تريليون دولار.
كما أنه ومنذ ذلك الوقت، غيرّت دول الخليج نمط استثمارها نحو المحافظ المالية منخفضة المخاطر؛ مثل شراء الأصول والعقارات، إلى عالية المخاطر وتتمثل في شراء الأسهم، والاستثمارات البديلة. خاصة في الاقتصادات الناشئة في آسيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
وقد لعب المال العربي في تحرير دولة الكويت التي استولت عليها قوات الرئيس العراقي صدام حسين برعونته وصلفه، وقامت تلك الموال بعد بالقبض عليه ومحاكمته واعدامه في عيد الأضحى أمام شاشات التليفزيون لتراها كل دول العالم 
مؤخرا توسعت اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة كبيرة خلال عام 2022، مدفوعةً بالقطاعات الهيدروكربونية وغير الهيدروكربونية.
وفي وقت ما تمكن مجلس التعاون الخليجي من القضاء على بوادر ثورة شيعية في دولة البحرين للاستيلاء على الحكم وقامت بتشكيل قوة من دول المجلس تمكنت من تحقيق الاستقرار لدولة البحرين التي عادت بأمان الى مكانها الطبيعي،
بدأت دول الخليج تعمدّ إلى التدخل في السياسة الخارجية في البلاد التي تستثمر فيها فيه. وأبرز النماذج على ذلك هي استثمارات دول الخليج في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين.
وذلك عن طريق امتلاك أثرياء الخليج عبر صناديقهم السيادية وشركاتهم أصولًا وشركات في الولايات المتحدة. حيث كان رئيس الإمارات السابق خليفة بن زايد يمتلك إمبراطورية عقارية في لندن، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يمتلك أحدث التقنيات والمعدات الفاخرة.
كما ظهر نوع آخر من التحكم في السياسة عن طريق التنافس بين تلك الدول، حيث تدخل دول الخليج في سباق استثماري باستخدام مواردها المالية لتبرز في منافستها مع الآخرين. وبهذه الطريقة، تهدف دول الخليج إلى تصوير نفسها على أنها أكثر فاعلية من الأخرى، لتقوية علاقاتها وكسب مكانة أقوى. وكثيرًا ما كان يحتدم التنافس بين شركات الطيران الوطنية في أبو ظبي والدوحة ودبي كدليل على ذلك.
كما تستخدم دول الخليج استثماراتها العالمية في إعاقة الدول التي تتنافس معها على المستوى الإقليمي، مثلما فعلت إدارة الموانئ في الإمارات عبر شراء الموانئ في منطقة القرن الإفريقي، وما سببه ذلك من مشاكل للدول الإفريقية التي كانت تنتظر تطويرا لموانيها، وفقًا للدراسة.وقد سمعنا مؤخرا عن دور الإمارات العربية المتحدة في حروب السودان بين الأشقاء في السودان بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها البرهان وبين قوات الدعم السريع تحتَ قيادة حميدتي. 
وفي جولة الرئيس ترامب الاخيرة في الخليج، تم الإعلان عن اتفاقيات بقيمة مئات المليارات من الدولارات خلال اليومين الماضيين في زيارته للخليج، حيث انضم إليه كبار المسؤولين التنفيذيين الأميركيين البارزين الذين وقعوا اتفاقيات لمشاريع في الدفاع والطيران والزكاء الاصطناعي، من بين مشاريع أخرى.. 
أحدث تلك الاتفاقات كان في قطر (محطته الثانية ضمن جولته الخليجية)، حيث قال البيت الأبيض إن ترامب وقع الأربعاء اتفاقية للاستثمارات بين البلدين بقيمة تزيد على 243.5 مليار دولار، وحدد خططا لزيادة الاستثمار إلى 1.2 تريليون دولار.
كما وافقت الخطوط الجوية القطرية على شراء 210 طائرات بوينج بقيمة 96 مليار دولار، وهو ما يمثل أكبر صفقة ييسرها ترامب منذ وصوله إلى الشرق الأوسط، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
وقعت شركة الربان كابيتال اتفاقية مع إحدى شركات الحوسبة الامريكية لاستثمار مليار دولار في تكنولوجيا الكم وتطوير القوى العاملة في الولايات المتحدة.
كما وقعت الولايات المتحدة عدة اتفاقيات دفاعية مع قطر، بما في ذلك صفقة بقيمة مليار دولار لقطر لشراء تكنولوجيا الدفاع عن الطائرات بدون طيار من شركة رايثيون آر تي إكس، واتفاقية بقيمة 2 مليار دولار لقطر لشراء طائرات بدون طيار من شركة جنرال أتوميكس.
مؤخرا قامت دولة قطر باهداء الرئيس الأمريكي ترامب طائرة وقبل ذلك مساندتها للولايات المتحدة من تحمل عبئ بعض المنظمات الفلسطينية العربية، ولعبها دورا محوريا في المفاوضات بينها وبين إسرائيل مع جمهورية مصر العربية. واستضافتها قبل ذلك للفصائل الأفغانية التي اجرت مباحثات مع مسئولين في الحكومة الامريكية مما ادي لانسحاب أمريكا من أفغانستان، وترك الحكم فيها لجماعة طالبان الإرهابية.
الدور الذي تلعبه الاستثمارات العربية المال العربي في السياسة الدولية معروف ويحتاج لمجلدات للحديث عنه. كما دول الخليج أصبحت قادرة على دارة ممتلكاتها بقوة واقتدار وتملك مفاتيح الضغط على بعض الدول لتغيير سياستها.