مؤرخ قانوني: مصر دولة مبادئ تلتزم باتفاقية القسطنطينية وقوانين البحار وتؤكد سيادتها على مواردها الطبيعية

في تحدٍّ سافر للسيادة المصرية وخرق فاضح للقانون الدولي، فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عاصفة سياسية دولية جديدة بتصريح فج طالب فيه بعبور السفن الأمريكية التجارية والعسكرية مجّانًا عبر الممر المائي المصري – قناة السويس – ضاربًا بالقانون الدولى عرض الحائط، متجاهلًا أن هذا الشريان الحيوي يقع تحت السيادة الكاملة لمصر، تصريحٌ يعكس ذهنية استعمارية قديمة، ويكشف عن عقلية ترى في ثروات العالم وممراته الاستراتيجية حقًا مكتسبًا لواشنطن دون حسيب أو رقيب! مما أثار حالة من الاستياء الدولي والعربي بما يمس سيادة الدول على ممراتها المائية ونعرض للجزء الرابع الأخير من دراسة المفكر والمؤرخ القضائى المصرى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بأبحاثه الوطنية فى الشأن العام بعنوان ” ترامب يتحدى القانون الدولى بالدعوة المجانية لسيادة الممر المائى المصرى قناة السويس ” وقد راعى الفقيه المصرى أن عالم اليوم يقوم على التعايش والتعاون، ويشكّل احترام القانون الدولي والأعراف المتفق عليها بين الدول أساسًا لحفظ الأمن والاستقرار مما تعد معه الدعوة المجانية تجاوزًا خطيرًا ليس فقط على سيادة الدولة المصرية، بل على قواعد القانون الدولي التي تنظم حركة الملاحة وحقوق الدول.الإطار القانوني الحاكم لقناة السويس (اتفاقية القسطنطينية والسيادة على الموارد الطبيعية واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار)يقول الدكتور محمد خفاجي: إن الإطار القانوني الحاكم لقناة السويس يحكمه اتفاقية القسطنطينية والسيادة على الموارد الطبيعية اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فمن ناحية أولى يحكم قناة السويس قانونًا اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، حيث تنص على أن قناة السويس ممر مائي مفتوح في السلم والحرب لجميع السفن دون تمييز، إلا أن الاتفاقية لا تُلزم الدولة المصرية بتقديم خدمات المرور مجانًا، بل تحفظ لها حق التنظيم وفرض الرسوم.ويضيف: “من ناحية ثانية يحكم قناة السويس قانونًا مبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية ووفقًا للقرار 1803/17 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن لكل دولة سيادة كاملة على مواردها ومرافقها، بما في ذلك الممرات الصناعية.”ويوضح: “من ناحية ثالثة يحكم قناة السويس قانونًا اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وتلك الاتفاقية لا تُصنّف قناة السويس كمضيق طبيعي، بل كممر صناعي يقع ضمن السيادة الوطنية الكاملة لجمهورية مصر العربية.”اتفاقية القسطنطينية (1888) تنص على حرية الملاحة في القناة “دون تمييز” بين الدول، لكنها لا تُعفي من الرسوم أو تُجيز لأي دولة فرض شروط استثنائيةويذكر الدكتور محمد خفاجي: “تنص اتفاقية القسطنطينية (1888)على حرية الملاحة في القناة “دون تمييز” بين الدول، لكنها لا تُعفي من الرسوم أو تُجيز لأي دولة فرض شروط استثنائية. وما من ريب فى أن التصريح بالمطالبة بالإعفاء يتناقض مع مبدأ عدم التمييز، ويخلق سابقة خطيرة إذا طُبقت، لأنها تخل بمبدأ المساواة السيادية للدول.”ويشير الدكتور محمد خفاجي، إلى أن مبدأ المساواة بين الدول مبدأ أساسي في القانون الدولي يمنع إعطاء دولة امتيازات غير مبررة أو تفضيلية في استخدام الممرات الدولية. وأن مطالبة الرئيس الأمريكى بإعفاء السفن الأمريكية التجارية والعسكرية من الرسوم سيشكل انتهاكًا لهذا المبدأ، ويفتح المجال لمطالب مماثلة من دول أخرى، ما يهدد بنية القانون الدولي التنظيمي للملاحة.أدبيات فقه محكمة العدل الدولية في قضايا العبور والسيادة تدين الدعوة للعبور المجانى ويوضح الدكتور محمد خفاجي، أن فقه محكمة العدل الدولية في قضايا العبور والسيادة تدين تصريح الرئيس الأمريكى ترامب بشأن مطالبته باعفاء السفن الأمريكية من الخضوع للرسوم بشأن عبورها بهيئة قناة السويس، فمثلا هناك قضية مضيق كورفو (المملكة المتحدة ضد ألبانيا، 1949) أكدت فيها المحكمة الدولية أن السيادة الإقليمية تشمل الممرات المائية، مع ضرورة احترام الدولة الساحلية.، وهناك أيضًا قضايا العبور والحياد: حيث أيدت المحكمة في أحكام متعددة حق الدولة الساحلية في فرض شروط العبور طالما أنها لا تنطوي على تمييز تعسفي، إذ أقرت المحكمة بحق الدولة الساحلية في التنظيم الداخلي للمرور، مع إلزامها باحترام حرية الملاحة، دون إعفاء من الرسوم أو إعطاء تفضيلات لدولة دون أخرى.”مبدأ سيادة الدولة على ممراتها المائية وحقها فى تنظيم استخدامها وفرض الرسوميؤكد الدكتور محمد خفاجي: “تصريح ترامب بمرور السفن الأمريكية مجانًا عبر قناة السويس مخالفة صارخة للقانون الدولي وأحكام القضاء الدولي، فالقانون الدولي العام يقر بمبدأ حق الدول الساحلية في السيادة الكاملة على ممراتها المائية الداخلية والمنشآت الحيوية الواقعة ضمن حدودها الجغرافية، ولا ريب أن قناة السويس، رغم أنها ممر دولي، تقع بالكامل داخل السيادة الإقليمية لجمهورية مصر العربية، ولها الحق في تنظيم استخدامها وفرض الرسوم وفقًا لما تراه مناسبًا، بما لا يخالف الاتفاقيات الدولية.”دعوة ترامب المجانية مخالفات بالجملة للقانون الدولي واتفاقية القسطنطينيةويضيف الدكتور محمد خفاجى ” أن مصر دولة مبادئ، وهناك مبدأ السيادة الإقليمية للدولة ووفقًا لمبدأ السيادة المعترف به في القانون الدولي، طبقًا للمادة 2/1 ميثاق الأمم المتحدة، تملك الدولة السيادة الكاملة على الممرات المائية الواقعة في إقليمها، ما لم تُقيد باتفاقية دولية. وقناة السويس تقع بالكامل داخل الإقليم المصري، وتخضع للسيادة المصرية الكاملة. إذ تنص المادة الأولى من اتفاقية القسطنطينية لعام 1888على أن قناة السويس البحرية يجب أن تظل، دائمًا، حرة ومفتوحة، في زمن السلم والحرب، لجميع السفن التجارية والحربية دون تمييز.لكنها لا تنص على إعفاء أي سفن من الرسوم. بل تخضع السفن لرسوم تحددها الدولة المصرية كحق سيادي أصيل.”يذكر “هناك مبدأ المساواة السيادية بين الدول وفقًا لما ورد في ميثاق الأمم المتحدة (المادة 2/1) وقرارات الجمعية العامة (القرار 2625 لسنة 1970)، لا يجوز منح دولة امتيازًا دون غيرها في التعامل مع المرافق الدولية، بما يخل بمبدأ المساواة القانونية بين الدول.”التصريحات ذات الطابع التهديدي أو الموحية باستخدام النفوذ السياسي أو العسكري لتحقيق مكاسب اقتصادية تخالف ميثاق الأمم المتحدةويختتم الفقيه المصري بنقطة لها أهميتها على الساحة الدولية ” إن المطالبة بإعفاء السفن الأمريكية التجارية والعسكرية العابرة بقناة السويس من الرسوم يخالف مبدأ “عدم الإكراه” والقاعدة هى أن التصريحات ذات الطابع التهديدي أو التي توحي باستخدام النفوذ السياسي أو العسكري لتحقيق مكاسب اقتصادية، تُعد مخالفة للمادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تحظر التهديد باستخدام القوة أو فرض الإملاءات.”