سوريا بعد مغادرة القيصر

سوريا بعد مغادرة القيصر

إعلان الرئيس الأمريكي ترامب مؤخرًا عن نيته رفع العقوبات الاقتصادية عن الحكومة السورية يُعدّ بمثابة طوق نجاة كبير، يفتح الباب أمام تحسّن الاقتصاد في البلاد بعد سنوات صعبة عاشها الشعب السوري. لكنه لن يؤدي إلى تعافٍ فوري بسبب الدمار الهيكلي للاقتصاد السوري، الذي تسببت فيه تلك العقوبات، وضعف المؤسسات، واستمرار التحديات السياسية والأمنية.
العقوبات الأمريكية على سوريا  خلال السنوات الماضية التي اقرها الكونجرس الامريكي وسميت ( قانون قيصر) أدت إلى انهيار قيمة الليرة السورية، وتسببت في تضخم جامح وفقر طال أكثر من 90% من السكان، وأبقت البنية التحتية في حالة خراب. إلى جانب ذلك، عانى السوريون من نقص حاد في الوقود، الكهرباء، الغذاء، والأدوية.الوضع الجديد قد يسمح بعودة الثقة النسبية في الاقتصاد، مما يقلل الضغط على الليرة، التي من المتوقع أن تستقر عند مستويات أفضل تتراوح بين 5،000 و8،000 ليرة للدولار الواحد، مقابل 12،000 ليرة حاليًا، خاصة إذا زادت تدفقات رأس المال الأجنبي. كما سيسهم ذلك في عودة التحويلات المالية من المغتربين، التي تشكل مصدر دخل رئيسي، إذ ستصبح أسهل مع رفع القيود المصرفية.الأهم هو إعادة اندماج النظام المصرفي السوري في النظام المصرفي العالمي، حيث ستتمكن البنوك السورية من استعادة علاقاتها مع البنوك الدولية، مما يسهل التجارة الخارجية وتحويل الأموال، ويعزز السيولة في القطاع المصرفي، الذي سيحتاج إلى إصلاحات هيكلية كبيرة. كما سيسمح رفع العقوبات للعديد من الدول، خاصة العربية، بالاستثمار في إعادة الإعمار، حيث تُقدّر الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار سوريا بما يتراوح بين 250 و400 مليار دولار.شركات النفط والغاز، التي غادرت سوريا بسبب العقوبات، ستسعى أيضًا إلى العودة لاستغلال الحقول النفطية في شرق سوريا، مما يزيد إيرادات الحكومة. إلى جانب ذلك، ستجد شركات البناء والصناعات الثقيلة فرصًا واعدة في مشاريع إعادة الإعمار.سيسمح رفع العقوبات أيضًا لسوريا بتصدير منتجاتها، مثل المنتجات الزراعية والمنسوجات، إلى الأسواق الإقليمية والدولية، واستعادة العلاقات التجارية مع دول الجوار (لبنان، الأردن، تركيا)، مما يعزز الاقتصاد المحلي. كذلك، سيصبح استيراد السلع الأساسية، مثل الوقود، الأدوية، والمواد الغذائية، أقل تكلفة، مما يخفف من التضخم ويحسن توافر الموارد.رفع العقوبات قد يشجع المغتربين السوريين، خاصة في الخليج وأوروبا، على إعادة استثمار أموالهم في سوريا، سواء في الأعمال التجارية أو العقارات. كما سيشهد ملف عودة اللاجئين تطورًا ملحوظًا، حيث سيشجع تحسن الوضع الاقتصادي والأمني بعض اللاجئين (من أصل 6 ملايين خارج سوريا) على العودة، مما يوفر قوى عاملة تساهم في إعادة الإعمار.كل ما سبق كان حلمًا كبيرًا للسوريين خلال السنوات الماضية، وخلال أشهر قليلة، قد يتحقق هذا الحلم على مراحل متتابعة، شريطة استمرار حالة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، والتي ستكون العامل الأهم في تحسين الوضع الاقتصادي، إلى جانب إرادة السوريين أنفسهم لإعادة إعمار بلدهم.