لماذا نتمسك بالحياة رغم صعوباتها؟ يوسف إدريس يفسر ذلك.

لماذا نتمسك بالحياة رغم صعوباتها؟ يوسف إدريس يفسر ذلك.

تحل اليوم 19 مايو، ذكرى ميلاد أحد أهم الكتاب الذين أثروا المكتبة المصرية والعربية بأعمالهم الأدبية، فقد لقبه الكثير بـ تشيخوف العرب، لما أبدعه طيلة حياته، هو يوسف إدريس..  ونستعرض في التقرير التالي، إجابته الصارمة على واحد من أهم الأسئلة التي تدور أذهان الجميع، ألا وهو: لماذا رغم قسوتها نحب الحياة؟.

يوسف إدريس يجيب بصراحة: لماذا رغم قسوتها نحب الحياة؟

يطرح يوسف إدريس في كتابه “بصراحة غير مطلقة” الكثير من الأسئلة التي خطرت بباله أثناء كتابة موقف من مواقف قصة أخيرة، وردت فيه على لسان البطل، فيقول: لماذا نستيقظ من النوم ملهوفين ونجري على العمل، من العمل نجري إلى البيت، ونتحمَّل الرؤساء، والخضوع للمطالب والروتين.. لماذا نتعب أنفسنا ونعيش، ونتمسك بحياتنا إلى آخِر رمق، رغم كل ما قد يكون فيها من ظلم وألم؟ويكمل: لماذا الحياة أصلًا؟ لماذا يُكلِّف الشجر نفسه عناء النمو وتكوين الثمار؟ لماذا تدافع أحطُّ الكائنات عن بقائها بكل شراهة وشراسة؟ لماذا يُتعب الطير نفسه في وضع البيض ورعاية الأجنة وملء السماء أسرابًا وأفرادًا؟وبدأ “إدريس” يفند أسئلته ويبحث مع عقله، قائلًا: الفلاسفة من قديم الزمان طرحوا السؤال وحاولوا الإجابة عليه، بعضهم قال إن دافعنا الأول للحياة هو التكاثر والتناسل، وبعضهم قال بل هي غريزة حب البقاء الكامنة في كل كائن حي، وأكثر من إجابة تطوَّع بها أكثر من فيلسوف، ولا يزال السؤال بغير جواب شافٍ.  وجدت أني أنا الآخَر مُطالَب بالبحث عن جواب، فبرغم كل ما تقرؤه لأرسطو وأفلاطون وكانت وبرجسون ودوهرنج وراسل وإنجلز، لا بد أن تجد نفسك في أحيانٍ مُطالَبًا، لكي تؤمن، أن تبحث أنت عن الحقيقة.ويجيب “نبي القصة” يوسف إدريس بأسلوبه الرصين المعتاد: لقد حاولت أن أبدأ من البداية، فأقول لنفسي: إن الحياة، ومنها الحياة الإنسانية، نوع من الحركة، وقوانين الحركة تنص على أن من خواص المادة أن تحافظ على حالتها الكائنة عليها، فإذا كانت تتحرك فمن خواصها أن تظل محافظة على حركتها تلك، وإذا كانت ساكنة فمن خواصها أن تظل محافظة على هذا السكون، إلى أن تتدخل قوة خارجة عنها تُغيِّر من حريتها أو سكونها.

يوسف إدريس: نحن لسنا أحياءً لأننا نحب البقاء.. بل نحب البقاء لأننا أحياء

ويلخص الأديب والمفكر يوسف إدريس فرضيته إلى: ممكن أن ننقل الفرض خطوة أخرى، ونقول إذا كان هذا هو القانون فلا بد أن كل مادة حية من خواصها أن تظل تحتفظ بحالتها الحيوية، حتى تتدخل قوة ترغمها على التخلي عن حالتها تلك، وتدخلها في حالة أخرى، بمعنى أدق، نحن لسنا أحياءً لأننا نحب البقاء، العكس هو الصحيح، نحن نحب البقاء لأننا أحياء، ولا يمكن أن نجد كائنًا حيا أو مادة حية لا تحب البقاء حية، فهي رغمًا عنها، بحكم خاصيتها، لا بد أن تكون كذلك، وأيضًا لن تجد مادة غير حية إلا وهي في حالة تمسك واحتفاظ بانعدام حياتها، تقاوم أن تدب إليها الحياة مثلما تقاوم الحياة أن يدب السكون إليها، كل شيء في هذا الكون يعمل على أن يظل على حالته، فإذا تغيَّر فلا بد أن يكون التغيُّر رغمًا عنه لا بإرادته.