أديب الحسيني.. حامي أسرار النور في قلب القيامة

أديب الحسيني.. حامي أسرار النور في قلب القيامة

 في أزقّة القدس العتيقة، حيث كل حجر يهمس بقصة، وكل زاوية تنبض بالإيمان، يمشي رجل بملامح الزمن وطمأنينة الرسل. اسمه أديب الحسيني، لكنه ليس رجلًا عاديًا. هو حامل مفتاح كنيسة القيامة، وأمين على سرّ من أسرار العيش المشترك في أقدس بقاع الأرض. رجل مسلم، بقلبٍ مفتوح كأبواب القيامة، يحرسها كل صباح ويغلقها كل مساء، في طقسٍ أبديّ من الاحترام والمحبة.ليس مجرد مفتاحٍ نحاسيّ يُحفظ في صندوق، بل عهدٌ عمره أكثر من ثمانية قرون، سُلّم إلى عائلة الحسيني من أيام صلاح الدين الأيوبي، أمانةً في عنق الزمن. ومنذ ذلك الحين، والأيدي المسلمة لعائلة الحسيني تفتح للكنيسة أبوابها أمام الحجاج، وتحرسها كما يُحرس النور.أديب الحسيني اليوم هو صاحب هذه الأمانة الحيّة. لا تراه يتحدث كثيرًا، ولا يسعى إلى أضواء الإعلام، لكنه حين يقف أمام باب القيامة، يحمل هيبة الملوك وتواضع الأولياء. وفي كل فتحٍ للباب، يمرّ التاريخ من خلاله، وتتماهى الرسالات في لحظة صمتٍ مباركة، كأنّها صلاة مشتركة من مسيحي ومسلم على عتبة واحدة.في وجه أديب، ترى القدس كما يحبّ الله لها أن تكون: مدينة الإيمان لا الخصام، موطن الحجارة المقدسة لا الجدران العازلة. رجل بسيط في مظهره، عظيم في دلالته. وجوده تذكير يوميّ بأن هذه الأرض لم تُخلق لتكون أرض صراع، بل أرض عهد.ولعائلة الحسيني، هذه المهمة ليست شرفًا فحسب، بل مسؤولية أخلاقية وروحية تُورّث من جيل إلى جيل، دون أن تُخدَش. وعلى مرّ السنوات، ظلّ أديب وفيًّا لعهد أجداده، يسير كل صباح من بيته المتواضع في البلدة القديمة، ليقف أمام أبواب الكنيسة، يُمسك المفتاح الكبير بيدٍ ثابتة، ويُديره كما يدير القدر مفتاح السلام في القدس.علاقته مع الرهبان ورجال الدين المسيحيين لا تقوم فقط على البروتوكول، بل على الودّ الخالص والاحترام العميق. يُنادونه بالاسم، ويبادلونه المحبة. فهو بالنسبة لهم، ليس مجرد حارس، بل شقيق في الروح، ورمز لوحدة لا تُمزّقها السياسة.وفي زمنٍ تكثر فيه الحواجز وتُشوَّه فيه الصور، يظلّ أديب الحسيني شاهدًا حيًّا على معنى آخر للقدس: قدس اللقاء، لا الانقسام. قدس المفاتيح المشتركة، لا الأبواب المغلقة.طوبى لأديب، رجل المفاتيح والقلوب، الذي لا يزال يُجسّد – كل يوم – مشهدًا من أجمل مشاهد الإنسانية: حين تُفتح أبواب القيامة، بأيدٍ مؤمنة، لتعلن أن النور لا يُفرّق بين الناس، بل يجمعهم حوله مثلما تفعل الشمس.