الشيخ إمام: قصص من أجواء الحي وثورة “أم كلثوم” يرويها عصمت النمر (حصري)

في حضرة الدكتور عصمت النمر، الكاتب والشاعر والباحث في التراث الموسيقي، وأحد أصدق الأصوات التي حملت ذاكرة الشيخ إمام وأسرار عالمه الخاص.. “النمر” لم يكن مجرد باحث يفتش بين الأوراق، بل عاش تفاصيل هذا العالم، وشارك شيخ الغلابة ضحكاته ودهشته وتقلبات أيامه.وفي حديث خاص لـ “الدستور”، روى الدكتور عصمت النمر وجهًا آخر للشيخ إمام لا يعرفه كثيرون، بعيد عن الأضواء، مليء بالمواقف الطريفة التي تمس القلب، وتضيء جوانب خفية من شخصية هذا الفنان الكبير.وفي هذا الحوار، نترك الحكايات تتكلم، ونصغي جيدًا لما لم يكتب بعد عن الشيخ إمام.الدكتور عصمت النمر استعاد أولى الحكايات قائلًا:
كان الشيخ إمام يحب الشيخ زكريا أحمد حبًّا كبيرًا، وكانت علاقتهما طيبة للغاية. اعتاد الشيخ زكريا أن يزور إمام في حوش آدم، لا ليجامله، بل ليستمع إليه وهو يغني ألحانه بصوته، الذي كان يضيف لكل لحن روحًا جديدة. لم يكن إمام يغني العمل بالطريقة نفسها مرتين، بل يعيد تشكيله، يطعمه بحليات خاصة، ويمنحه بصمته.
ويتابع النمر:
في أحد الأيام، كان الشيخ زكريا يلحن أغنية “حلم” أو “الآهات” لأم كلثوم، وغناها إمام في الأفراح والمناسبات، قبل أن تغنيها هي. وحين علمت أم كلثوم بالأمر، كانت كارثة، إذ لم تكن تسمح لأحد أن يعرف شيئًا عن أعمالها قبل أن تقدم على المسرح. غضبت، وغضب زكريا، وقرر أن يقاطع إمام، ودامت القطيعة لعدة أشهر، قبل أن ترمم الصداقة من جديد كما كانت.

الدكتور عصمت النمر انتقل إلى مشهد آخر من الذاكرة، وقال:
سألت الشيخ إمام ذات مرة عن سبب موقف سيد مكاوي منه، خاصة وأنه كان يهاجمه عبر صفحات روز اليوسف. أجابني بهدوء: “سيد فنان عظيم، لكن التاريخ هو اللي هيحكم بينا، وهيدي كل واحد حقه”. ولم يكمل الحديث، ولم أرد أنا أن أفتح الجرح. كنت أعلم أن مكاوي كان تلميذه في الأصل، وتعلم العزف على العود من الشيخ إمام في ربع الشيخ درويش الحريري حيث اقام إمام ليتعلم.

ويبتسم النمر وهو يسترجع واحدة من أكثر اللحظات طرافة، قائلًا:
كنا نحب أن نتناول الطعام في مطعم بلدي بسيط اسمه “توفيق”، يقدم أكلات بيتية شهية. ذات يوم جلسنا على المائدة، وفوجئت بالشيخ إمام يحيط طبق اللحم بكلتا يديه، كأنه يحجبه عن الآخرين. لم أفهم، حتى هجمت قطة على طبقي وخطفت قطعة لحم! ضحك الشيخ إمام حين أخبرته بما حدث، وقال لي: “يا مفتح!”، وفهمت وقتها لماذا كان يحمي طبقه. ضحكنا كثيرًا، ولا زلت أبتسم كلما تذكرت الموقف.

ويضيف النمر حكاية أخرى، لا تقل دهشة:
أراد الشيخ إمام أن يذهب إلى حي “الجدارية” القريب من حوش آدم.. أخبرته أنني لا أعرف الطريق، فرد بثقة: “اطمن، أنا معاك”.. وذهبنا. كان يسير كأنه يرى بعينيه، يحييه الناس: “أهلًا يا مولانا”، ويدخل الأزقة ببراعة.. كنا نتنقل بين اليمين واليسار، حتى وصلنا إلى باب أحد البيوت. فقال لي: “فيه باب قدامك، خبط عليه”. فعلت، ففتح رجل وسألته: “أنت حمادة صاحب الفرن؟”، فأجاب: “أيوه”. التفت إلى إمام مندهشًا وقلت له: “لا… إنت مفتح!”