الإعلام الرياضي غير العادل

تعني الموضوعية، في معاجم اللغة، “ما هو مجرد عن غاية شخصية، عكسها ذاتية”، وبالنظر إلى الإعلام الرياضي، تحديدا، فنحن أمام الذاتية في أوضح صورها. لا يريد الإعلام الرياضي الذي ينتسب إلى الفريق البنفسجي أن يرى الفريق البني كما هو، والعكس صحيح، إنما يريد كل إعلام منهما أن يرى الآخر كما يراه هو معيبا، لا كما هي حقيقته، والإعلامان لا يعليان من قدر أنفسهما قدر ما يحط كل منهما من قدر الآخر ظانا أن هذا ما يعليه… (البنفسجي والبني رمزان لإعلامين ينتميان إلى كيانين مختلفين لا أكثر، ولا أقصد بهما ناديين معينين).
الإعلام الرياضي صار أكبر مشكلة تقريبا في موضوع الرياضة المصرية برمته؛ ما دامت الأجواء صافية فهو قلق، ولا بد أن يخلق أزمات كي يستريح، وهو قادر على تطوير الأزمات ليضمن استمرار العراك والتوتر، يعزز حالته البائسة أن الجميع على استعداد كامل لتصديق أي شيء، لا تعقل ولا استبصار، إنما كل مرتاب يمسك خيط كلام لينسج منه ألف عباءة، وهكذا دواليك!
لا تخلو الساحة من إعلام رياضي موضوعي طبعا، لكنه قليل ومتروك؛ فالأعلام الآخر أكثر استقطابية، وقد عود الناس على سخونة الأخبار، بحيث لو همد قليلا، قام الناس أنفسهم بدوره الأصلي؛ فصنعوا اليوتيوب الخاص الذي يضع النار بجانب البنزين، قائلين إنهم يعرفون المخبوء، وإن الأحوال ليست على ما يرام وراء الكواليس. إعلام يوتيوب الرياضي الخاص إعلام كارثي، بالمناسبة، فهو يفتقر إلى المعلومات الدقيقة، ويعتمد على الشائعات وما إليها، وينبني على ثرثرة المتكلم الذي يعلم الله وحده ماذا يريد؟ ومتى يتوقف عن الثرثرة؟…
أسباب تأخرنا الرياضي عديدة، لكننا يجب أن نؤمن بأن الإعلام الرياضي غير الموضوعي في مقدمة الأسباب، ومن المؤسف أن الذين يثيرون قضية ذاتية هذا الإعلام، في الفضائيات الرياضية الوافرة، هم ذاتيون في الصميم، يستفيدون من إثارتها بإبعاد الشبهات عنهم، أو هكذا يحسبونها ستبتعد، غير أن الجماهير تعرف كل شيء، وتسكت لأنها لا تملك ما تفعله، وتسكت، وهذا هو الأخطر، لأنها، هي نفسها، قد يكون منها من تعود على الذاتية إلى درجة اختراعها لو غابت أو بدت منكمشة، والمعنى المخيف أن هذا الإعلام غير الموضوعي، شاه وجهه، ممتد الأثر إلى درجة إتلاف نفوس جماعات من متابعيه!
يتدخل هذا الإعلام ذو السلطات المعنوية الهائلة في كل الأمور الفنية والإدارية بالأندية والمنتخب القومي، ويتدخل في أعمال اتحاد الكرة، وفي أنظمة المسابقات، والأسفار والمكافآت، وفي التحكيم الذي لا يجب أن يضغطه ضاغط، بل أن يكون حرا وعادلا وغير ملزم بشيء لأحد أيا كان، وفي كل كبيرة وصغيرة…
لا حل إلا كشف الأمر، كما أفعل الآن هنا واضحا، فلقد تناول المسألة الشائكة قبلي نقاد رياضيون معتبرون، تناولوها بنزاهة، ولم يجر شيء سوى أن أحبار أقلامهم نفدت، ولا قارئ اتعظ للأسف!
الرياضة البدنية ليست مجرد ألعاب، وتمارين تكسب الإنسان قوة ومرونة، إنها عملية عقلية ووجدانية عبقرية كعمليات الإبداع الأدبي والفني، لا تقل شأنا مهما حاول المتعالون عليها تقليلها، وعلى الإعلام الرياضي الذي يعبر عنها أن يكون موضوعيا؛ ففي ذاتيته مقتلها ومقتله، ولو توهم الحياة.