في مؤلفه “بصراحة مطلقة”، يتناول يوسف إدريس دور الفن الأصيل.

ناقش يوسف إدريس في كتابه “بصراحة غير مطلقة”، دور الفن الحقيقي، قائلًا: الواقع أن القضية أبدًا ليست كما يتصوّر هؤلاء البعض، فالخطأ الأساسي الذي يقعون فيه هو أنهم يتصوَّرون بادئ ذي بدء أن الكتابة أو الفن دورها قاصر على تمجيد العمل البشري، وعلى دفع العاملين إلى العمل وحفز هممهم، مؤكدًا على أنه دور الأدب المدرسي والتربوي والحواديت التي تُقال للأطفال لتحبب إليهم الخير وتبغضهم في الشر.وقال: إنه نفس الخطأ الذي يتورّط فيه دعاة الفن للفن، والموسيقى من أجل الموسيقى وحدها وليس من أجل ما تحدثه في النفس والناس.وبشكل حاسم، نفى الأديب الكبير أى ارتباط ما بين الفن وأي شئ آخر، قائلًا: إن الأدب والفن ليسا نصائح تربوية ومدرسية من ناحية، وليسا فنًّا وأدبًا من أجل الفن والأدب فقط، إن الآداب والفنون أهداف كبرى من أهداف الحياة الإنسانية نفسها، مثلها مثل لقمة العيش والرغبة في التناسل وحب الخير وازدراء كل ما هو شر، مؤكدا أن الفن جزء لا يتجزَّأ من الحياة، ومن أهدافها.
وتطرق إدريس إلى نقطة هامة، وهي أن الإنسان بغير فن إنسان ناقص، بل بغيره لا يمكن أن يكون إنسانًا، مضيفًا: فلنتصور حياتنا وقد خلت من الموسيقى والأغاني والروايات والقصص والرقص والدموع والضحكات، لنتصورها بغير إذاعة أو مسرح أو سينما أو تليفزيون أو جلسات وتجمعات، إن الخيال نفسه لا يطاوعنا على تصوُّرها. واختتم يوسف إدريس حديثه: صحيح أن الفن لا بد أن يدعو لشيء ما، ولا بد أن يحتوي على ترفيه ما، ولكنه أبدًا لا يمكن أن يكون فنًّا إذا اقتصر على الدعاية لشيء ما، حتى لو كان هذا الشيء أقدس المقدَّسات، أو الترفيه عن الناس حتى لو كان هؤلاء الناس هم جماهير الشعب بأسره، إن في الفن الحقيقي عناصر أخرى وأشياء تخاطب ما هو أعمق من حياتنا اليومية أو السنوية، وما هو أعمق من إثارة عواطفنا الوقتية من مرح أو شجن أو بكاء، كلُّ ما في الأمر أننا لم نكتشف بعدُ ماذا تحدثه بالضبط هذه العناصر في نفوسنا، ولماذا نحتاجها كل هذا الاحتياج بحيث لا نستطيع الحياة كبشر بدونها، ونحن لم نكتشفها بعدُ لأن إنتاج الفن واستهلاكه ليست عملية ساذجة بسيطة كما يسذجها ويبسطها هؤلاء الذين ينعون على الكتَّاب والفنانين تقاعُسهم، وإنما هي عملية معقَّدة، لغزها من لغز الحياة نفسها وسرها.