تلاحم الأمة العربية

تلاحم الأمة العربية

 فى ظل التحولات الخطيرة التى تعصف بالمنطقة العربية، وتتزايد فيها التحديات الداخلية والخارجية على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تبرز الحاجة الماسة والملحة أكثر من أى وقت مضى إلى تكاتف الأمة العربية ووحدة صفها، كضرورة استراتيجية لا غنى عنها لضمان بقائها وازدهارها ومواجهة المصير المشترك الذى يلقى بظلاله على حاضرها ومستقبلها. ففى هذا السياق الدقيق والحساس يصبح أى شكل من أشكال التنازع والشقاق بين أبناء الأمة الواحدة، خاصة بين القوى العربية الكبرى التى تمثل ركائز أساسية فى بنيانها، بمثابة تقويض للجهود المشتركة وتبديد للطاقات والموارد التى نحن فى أمسّ الحاجة إليها لمواجهة التحديات الجسام التى تحيط بنا من كل جانب. وفى القلب من هذه الضرورة الملحة يقع واجب نبذ أى شكل من أشكال التنابز والتحريض بين أبناء الشعبين المصرى والسعودى. هذان العملاقان العربيان اللذان يمثلان معًا ثقلًا تاريخيًا وحضاريًا وديموجرافيًا واقتصاديًا لا يمكن إنكاره. ولطالما لعبا أدوارًا مهمة فى صياغة تاريخ المنطقة وقيادة جهودها نحو التنمية والاستقرار ومواجهة الأخطار المشتركة. إن العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية ليست مجرد علاقة بين دولتين شريكتين اقتصاديتين، بل هى علاقة أخوية عميقة الجذور، تستند إلى تاريخ مشترك ولغة واحدة وثقافة متجانسة ومصالح استراتيجية متشابكة. وقد تجسدت هذه العلاقة عبر عقود طويلة من التعاون والتنسيق فى مختلف المجالات، وكانت دائمًا صمام أمان فى وجه التحديات الإقليمية والدولية، ومصدر إلهام للأمة العربية جمعاء فى سعيها نحو الوحدة والتكامل. لذا فإن أى محاولة لزرع بذور الفتنة والشقاق بين أبناء هذين الشعبين الشقيقين، سواء كانت نابعة من جهات خارجية تسعى لتقويض وحدة الصف العربى وإضعاف تأثيره الإقليمى والدولى، أو من بعض الأصوات النشاز التى تغذى التعصب والجهل وتستغل الأحداث العابرة لتأجيج الخلافات- تمثل خطرًا حقيقيًا يهدد ليس فقط مصالح البلدين الشقيقين، بل مستقبل الأمة العربية بأسرها.ففى عالم يموج بالصراعات والتكتلات الكبرى، لا يمكن للأمة العربية أن تنهض وتستعيد دورها الحضارى والإنسانى إلا من خلال وحدتها وتماسكها وتجاوزها الخلافات الثانوية وتوحيد جهودها لمواجهة التحديات المصيرية التى تواجهها، ابتداءً من قضايا الأمن القومى العربى ومكافحة الإرهاب والتطرف، ومرورًا بتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتوفير فرص العمل للشباب، ووصولًا إلى تعزيز مكانة الأمة العربية فى المحافل الدولية والدفاع عن مصالحها وقضاياها العادلة. وفى هذا السياق، يجب التأكيد أن التحديات التى تواجه الأمة العربية اليوم هى تحديات وجودية تتطلب منا جميعًا، حكامًا وشعوبًا ومفكرين وإعلاميين، الارتقاء إلى مستوى المسئولية التاريخية والتحلى بالحكمة والتبصر وتغليب المصلحة العليا للأمة على أى اعتبارات أخرى. إن التنازع والتنابز لا يجلبان سوى الضعف والانقسام، ويفتحان الباب أمام التدخلات الخارجية التى تسعى إلى استغلال خلافاتنا وتعميق جراحنا، بينما الوحدة والتكاتف هما سر قوتنا ومنعتنا، وهما الضمان الحقيقى لمستقبل أفضل لأجيالنا المقبلة، لذلك فإن الدعوة إلى وقف أى شكل من أشكال التنابز بين المصريين والسعوديين ليست مجرد دعوة إلى الحفاظ على علاقات ثنائية طيبة بين بلدين شقيقين، بل هى دعوة إلى حماية صميم الأمن القومى العربى وتعزيز قدرة الأمة على مواجهة تحدياتها وتحقيق طموحاتها فى الوحدة والتقدم والازدهار. إنها دعوة إلى استلهام روح الأُخوة والتضامن التى لطالما جمعت أبناء هذه الأمة العظيمة، وتجاوز كل ما يمكن أن يعكر صفو هذه العلاقة الاستراتيجية الحيوية، والعمل المشترك بروح الفريق الواحد لبناء مستقبل مشرق لأمتنا العربية جمعاء.