صوت العدالة والحكمة

فى إعتقادى أن العالم لم يتابع فى مؤتمر القمة العربى الرابع والثلاثين والذى عقد مؤخرًا فى العراق سوى كلمة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى وأيضًا من وجهه نظرى كلمة السيد رئيس وزراء أسبانيا والذى تقف بلاده موقفًا نبيلًا تجاه الشعب الفلسطينى وتطالب المجتمع الدولى بإتخاذ موقف موحد تجاه حرب الإبادة التى تقوم بها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطينى الأعزل….وأعتقد أن كلمته لم تأخذ حظها من الإهتمام إلا من قِبل الحكومة الإسرائيلية التى سارعت بالإعتراض على كلمته وإتهامه بتأييد الإرهاب كما لو كان الشعب الفلسطينى جميعه من الإرهابين.
يأتى هذا فى الوقت الذى لم يشارك فيه من قادة الدول العربية سوى خمسة فقط على رأسهم السيد الرئيس أما باقى الوفود فلم يرتقى تمثيلها إلى أهمية وخطورة التحديات التى تواجه المنطقة العربية والتى يمكن أن تكون تحديات وجودية تؤثر على الأمن القومى العربى ككل فضلًا عن تأثيرها على أمن وإستقرار الشرق الأوسط وتطرح تداعياتها وأثارها السلبية على العالم ككل ومن مختلف الجوانب السياسية والإقتصادية والأمنية.
تناولت جميع وسائل الإعلام كلمة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى بالشرح والتحليل وجميعها وقفت عند أهم عبارة وردت فى كلمة سيادته والتى جاء فيها “أنه حتى لو نجحت إسرائيل فى إبرام إتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية فإن السلام فى الشرق الأوسط سيظل بعيد المنال ما لم تقم الدولة الفلسطينية”….ومما لاشك فيه إن تلك الكلمة جاءت فى وقتها تمامًا وكانت مقصودة بإمتياز حيث سبقت تلك القمة زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دول الخليج العربى وإجتمع بقيادتها كما إستدعى الرئيس السورى إلى الرياض وتحدث مع الرئيس التركى خلال هذا اللقاء وأعلن رفع العقوبات عن سوريا ويعلم السيد الرئيس بنظرته الثاقبة أن كل ذلك لم يكن من أجل التعاون الإقتصادى بين هذه الدول وبين أمريكا فقط بل أن هناك أسبابًا كثيرة غير معلنة تظهر لنا يومًا بعد يوم منذ الإنتهاء من تلك الزيارة وأيضًا بعد الإنتهاء من مؤتمر القمة….وكانت ملامح وجه السيد الرئيس تشير الى تأكده من أن هذا المؤتمر وتوصياته سوف تكون مجرد عبارات متكررة من شجب وتنديد ومناشدة فى حين أن إسرائيل كانت تمارس فى ذات الوقت عدوانها على مرأى ومسمع من العالم بأسره وأن مسلسل التهجير يتم الإعداد له بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وللأسف بعض الدول العربية وأن هناك شبه إتفاق على أن تكون ليبيا وسوريا هما الدولتان المرشحتان بالدرجة الأولى فى إستقبال مالايقل عن 2 مليون فلسطينى وربما كانت دعوة الرئيس السورى إلى الرياض وفى وجود الرئيس الأمريكى ورفع العقوبات عن سوريا وكذلك إشتعال الحرب الأهلية حاليًا فى ليبيا تمثل تمهيدًا لتنفيذ هذا المخطط وأن هناك دول عربية سوف تتحمل أعباء هذه الصفقة وبالتالى تنتهى القضية الفلسطينية وتستولى إسرائيل على أراضيها وتقوم أمريكا بتنفيذ رؤيتها فى إستغلال تلك الأراضى بمشروعات سياحية وإستثمارية وسط صمت رهيب وتجاهل كبير من تلك الدول التى زارها الرئيس الأمريكى مؤخرًا فى الخليج العربى.
كما كان السيد الرئيس على يقين إن ما يقال أن هناك خلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ما هو إلا محاولات تصدير صورة للدول العربية تحديدًا أن أمريكا ليست راضية عما تقوم به إسرائيل تجاه المدنيين من الشعب الفلسطينى من قتل وتدمير وتجويع حيث أن تسريب الحديث عن تلك الخلافات يأتى لمصلحة ترامب ونتنياهو معًا وأعتقد أن هذا السيناريو متفق عليه بين الدولتين وإنه لا خلاف بينهما لان أمريكا هى الحليف القوى والداعم لإسرائيل وهى التى تمدها بجميع إحتياجاتها من المال والسلاح والمعدات والمعلومات الإستخباراتية كما إنها تقوم بتعويضها على الفور بكل ما تحتاج إليه فى حربها على غزة أو فى اليمن ولبنان كما أن إسرائيل أصبحت حاليًا تمثل أحد أدوات الرئيس ترامب لإستغلال الأراضى الفلسطينية فى مشروعاته الإقتصادية وإنه لو كان يريد حقًا منع هذه الحرب من بدايتها لفعل ولكنه يريد تحقيق مصالحه الجديدة فى المنطقة العربية بصفة عامة وفى غزة والضفة الغربية بصفة خاصة.
كانت جميع تلك المعطيات تدور فى خُلد السيد الرئيس وهو يستمع الى كلمات الوفود والتى كان معظمها باهتًا لم يخرج عن توصيات إجتماعات القمم العربية السابقة تجاه القضية الفلسطينية منذ حدوثها عام 1948….ومن هنا بدأ سيادته فى إلقاء كلمته التى عبرت عن الموقف المصرى القوى والواضح والرافض لتصفيه القضية الفلسطينية مهما كانت المبررات والمغريات حيث أكد سيادته على ثلاثية تلك القضية المتمثلة فى وقف الحرب وفتح المعابر ورفض التهجير…تحدث الرئيس بلغة قاطعة وصريحة وواثقة من أن هناك تحركات مرصودة مشبوهة تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية ومع ذلك لن يحدث أى سلام طالما لم تجد تلك القضية حلًا عادلًا لها حتى ولو قامت جميع الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل بل أن سيادته أسمع الرئيس الأمريكى ما لم يسمعه من قادة دول الخليج والذين كان فى إمكانهم بعد الصفقات الكبيرة التى حصل عليها منهم إلا إنهم لم يفعلوا فى حين طالبه السيد الرئيس برعاية عملية سلام جادة للتوصل إلى تسوية نهائية وسلام دائم بالشرق الأوسط مشددًا على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف فى المنطقة….لم تكن كلمات الرئيس مجرد ألفاظ ينطق بها أمام القمة ولكنها كانت أسس ومبادئ الدولة المصرية وقياداتها عبر تاريخها النضالى الشريف تجاه تلك القضية…لقد وضع الرئيس الجميع أمام مسئولياتهم التاريخية فى هذه المرحلة المفصلية وألزم الحضور بإصدار إعلان يقضى بضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار على الشعب الفلسطينى الأعزل وحث المجتمع الدولى خاصة الدول المؤثرة على تحمل مسئولياتها الأخلاقية والقانونية لوقف إراقة الدماء وتقديم الدعم اللازم تجاه تلك القضية.
لم تقف رؤية الرئيس وحكمته وتوصياته للمجتمع العربى والدولى على القضية الفلسطينية فقط بل إنه تناول ما تتعرض له لبنان والسودان وليبيا واليمن بل أن سيادته تطرق الى ما يحدث فى الصومال أيضًا وطالب بالإهتمام لما يتعرض له من محاولات النيل من سيادته وضرورة دعمه للحفاظ على أمنه وإستقراره.
هكذا جسد السيد الرئيس موقف ورؤية مصر فيما تتعرض له الأمة العربية مؤكدًا إنها تقف مع الحق بكل شرف وأمانة وإنها دائمًا تمثل صوت الحق والرشد والإرادة على مدى التاريخ والعصور.