يوسف إدريس أثناء زيارته لأمل دنقل في معهد الأورام: أدهشني بقوته وثباته.

يوسف إدريس أثناء زيارته لأمل دنقل في معهد الأورام: أدهشني بقوته وثباته.

يحل اليوم 21 مايو، ذكرى رحيل واحد أبرز شعراء مصر، عام 1983، الذي لقبه الكثيرين بـ”شاعر الرفض”، الذي قاوم الفقر والسلطة ولجهل والمرض.. أنه أمل دنقل الذي عبرت كلماته عن هموم أمة بأكملها وقصائده سكنت وجدان الكثير من المصريين، وفي أثناء مرضه ذهب الأديب يوسف إدريس إليه للزيارة للإطمئنان على صحته.. فماذا حدث في تلك الزيارة؟

يوسف إدريس يزور أمل دنقل بمعهد الأورام: وجدته عظيمًا صامدًا

قال يوسف إدريس، في كتابه “أهمية أن نتثقف يا ناس” في حق أمل دنقل: في مصر شاعر، واحد من أعظم الشعراء الذين أنجبتهم مصر في كل تاريخها، شاعر شاب أنبغ ما أفرزته حقبة الستينات من شعراء.وأضاف: وإذا لم يكن لـ أمل دنقل شهرة شوقي وحافظ أو صلاح عبد الصبور فذلك لأنه نشأ وكتب في عصور اضطهاد كانت تدفع شعراءنا الشبان إلى نشر معظم إنتاجهم خارج مصر، بينما كان الشعر أيام شوقي وحافظ ينشر في الصفحة الأولى من الأهرام.ويكشف إدريس،  تفاصيل زيارته لـ أمل دنقل، موجهًا خطابه إلى رئيس الوزراء وقتها الدكتور فؤاد محيي الدين مطالبًا بعلاجه على نفقة الدولة: زرته أول أمس في معهد الأورام وأنت تعرف يا دكتور فؤاد ما هو معهد الأورام وأنت أستاذ الأشعة تعرف معنى مرض اﻟ «سيمينوما» حين تتسرب خلاياه إلى الدم، زرته فوجدته يعاني من آثار العلاج بالأشعة والكيمياويات، ولكنه عظيم صامد.وأضاف “إدريس”: أحببت أن أُغيِّر الموضوع فطلبت منه أن يكتب قصيدة، وفي اليوم التالي أرسل لي هذه القصيدة المرفقة، اقرأها يا سيدي رئيس الوزراء لتعرف عظمة هذا الشاعر الشاب، ومدى رؤاه، وعمقه، ولننظر جميعًا كيف لخص عالمه الحالي في اللونين، وصنع من اللونين فقط ملحمة فنية لم أقرأ لها مثيلًا في تاريخ الشعر العربي كله.وطالب “إدريس” بعلاج أمل دنقل على نفقة الدولة، قائلًا: أنا ألجأ إليك يا دكتور فؤاد، لا أطلب له قرار شفقة وإنما أطلب له حقًّا أصيلًا على هذه الأمة الأصيلة، فما هكذا تعودنا أن نعالج الشعراء، وما هكذا تعودنا العقوق، ولو كان الوضع في إنجلترا أو فرنسا، لا نعقد مجلس الوزراء القادم في غرفة الشاعر المريض ليلمس جميعه حال العلاج وحال الشاعر وليهدهد على روح الأمة الرهيفة شاعرها.

قصيدة الشاعر أمل دنقل داخل معهد الأورام

وكشف يوسف إدريس عن القصيدة التي كتبها أمل دنقل، خصيصًا من أجل أن تنشر مع المقال، والتي جاء فيها يقول:في غرف العملياتكان نقاب الأطباء أبيض،لون المعاطف أبيض،تاج الحكيمات أبيض،أردية الراهبات،الملاءات،لون الأسرَّة،أربطة الشاش والقطن،قرص المنوِّم،أنبوبة المصل،كوب اللبن.كل هذا يشيع بقلبي الوهن.كل هذا البياض يذكرني بالكفن!فلماذا إذا متيأتي المعزُّون متشحينبشارات لون الحداد؟هل لأن السوادهو لون النجاة من الموت،لون التميمة ضد الزمن؟ضد مَن؟ومتى القلب — في الخفقان — أطمأن؟!بين لونين استقبل الأصدقاءالذين يرون سريري قبرًا،وحياتي دهرًا،وأرى في العيون العميقةلون الحقيقة،لون تراب الوطن!