مجيد بون لـ “الدستور”: الإجراءات الأوروبية ضد إسرائيل تعكس شجاعة وتأثيراً كبيراً

مجيد بون لـ “الدستور”: الإجراءات الأوروبية ضد إسرائيل تعكس شجاعة وتأثيراً كبيراً

أوضح الدكتور مجيد بودن، أستاذ القانون الدولي ورئيس جمعية المحامين في القانون الدولي بباريس، أن الإعلان الأخير الصادر عن كل من فرنسا وبريطانيا وكندا بشأن فرض عقوبات على إسرائيل، يمثل منعطفًا حاسمًا في الموقف الدولي تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، ويمهد لإعادة تشكيل العلاقات الدولية على أساس احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.

بودن: العقوبات الأوروبية المتوقعة ستؤثر على إسرائيل

وقال الدكتور بودن في تصريحات خاصة لـ”الدستور”، إن قرار بريطانيا بتعليق اتفاقية التعاون مع إسرائيل، بالتوازي مع إعلان الاتحاد الأوروبي نيته دراسة الخطوة ذاتها، يعكس جدية غير مسبوقة في محاسبة إسرائيل على جرائم الحرب التي ترتكبها في قطاع غزة. ويصف هذه التحركات بأنها “خطوة شجاعة ومؤثرة للغاية”، قائلًا: “للمرة الأولى منذ عقود، نرى محاولات جدية من قوى دولية كبرى لتفعيل القانون الدولي بشكل متوازن، لا يستثني أحدًا من المحاسبة، بما في ذلك إسرائيل”.ويشرح، أن هذه العقوبات لا تقتصر على الجانب الدبلوماسي أو الرمزي، بل تمتد لتشمل الجوانب الاقتصادية والمالية، وهو ما قد يسبب تداعيات خطيرة على الاقتصاد الإسرائيلي، نظرًا لحجم العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي تفوق بكثير تلك التي تربط تل أبيب بالولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية.وأكد الدكتور بودن أن الاتفاقيات الدولية، خاصة تلك الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، تنص بوضوح على احترام حقوق الإنسان كشرط جوهري لاستمرار التعاون. ويشير إلى أن “البند الثاني من اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية ينص على وجوب احترام حقوق الإنسان من قبل الطرفين، وهو ما انتهكته إسرائيل بوضوح في عدوانها على غزة”.ويضيف: “عندما يتم تعليق اتفاقية دولية، فإن ذلك لا يطال بندًا واحدًا، بل يشمل الاتفاق بكامله. وهذا يعني عمليًا تعليق التبادل التجاري، ووقف تدفق السلع والخدمات، وتعليق الامتيازات الجمركية، ما سيحرم إسرائيل من دخول السوق الأوروبية بنفس الشروط التفضيلية، وسيوقف أي شكل من أشكال الدعم المالي أو التمويني الأوروبي لها”.واتسطرد بودن أن هذه الخطوات ستكون ضربة قاصمة للاقتصاد الإسرائيلي، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي يعد أحد أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل. ويؤكد أن هذه الإجراءات، إن طُبّقت، ستشمل حظر تصدير الأسلحة وقطع الغيار بشكل كامل، بعد أن بدأ بعض الدول الأوروبية بالفعل في تقليص هذا النوع من الصادرات.وتابع: “إسرائيل ستجد نفسها في موقف صعب للغاية، وسيؤثر ذلك بشكل مباشر على قدرة حكومة نتنياهو على الاستمرار في العدوان، أو حتى الترويج له داخليًا، خاصة في ظل تراجع الدعم الشعبي داخل أوروبا وأمريكا”.وأوضح بودن أن بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها السويد، بدأت تطالب بأن تشمل العقوبات أيضًا مسؤولين إسرائيليين كبارًا، من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وقيادات سياسية وعسكرية متطرفة أخرى. ويؤكد أن “الدول، على الرغم من كونها كيانات قانونية معنوية، إلا أن من يُديرها هم الأفراد، وعندما تطال العقوبات هؤلاء الأفراد عبر تجميد أرصدتهم، ومنعهم من السفر، فإن ذلك سيشكل ضغطًا حقيقيًا ينعكس مباشرة على قرارات الحكومة الإسرائيلية”.

بودن: الدول العربية أمام فرصة استراتيجية لبناء تحالف قوي مع أوروبا

ويرى الدكتور بودن أن الدول العربية تقف اليوم أمام فرصة استراتيجية نادرة لبناء تحالف قوي مع أوروبا، يستند إلى المصالح المشتركة واحترام القانون الدولي. ويوضح: “إذا تحالفت الدول العربية مع الاتحاد الأوروبي، يمكنها التأثير في صياغة الحلول القادمة، وجعلها مستندة إلى القانون الدولي وليس إلى منطق الصفقات الذي تحاول إدارة ترامب فرضه”.وتابع: “الإدارة الأمريكية السابقة، بقيادة ترامب، كانت تسعى لعقد صفقات سياسية بعيدة عن الأطر القانونية، كتحويل غزة إلى منطقة سياحية، أو تهجير الفلسطينيين إلى ليبيا، وهذه طروحات لا يمكن أن تقبل بها أوروبا، لأنها تفتقر إلى أي أساس قانوني أو أخلاقي”.وكشف الدكتور بودن أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا، وهو “نقطة تحول جوهرية”. ويقول: “لا يمكن الحديث عن مفاوضات بين دولتين بينما أحد الأطراف، وهي إسرائيل، معترف بها رسميًا في الأمم المتحدة، بينما الطرف الآخر، فلسطين، لا يزال يُعامل كمجرد مراقب. هذا الوضع يخل بتوازن المفاوضات، ويخلق انحيازًا هيكليًا لصالح إسرائيل”.

بودن: الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين سيعيد التوازن إلى الساحة الدولية

وأكد أن الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين، إلى جانب تعليق الاتفاقيات مع إسرائيل، سيعيد التوازن إلى الساحة الدولية، وسيسمح بإجراء مفاوضات حقيقية، تضمن قيام الدولتين، وتحترم سيادة وأمن كل من الطرفين.ويشير الدكتور بودن إلى أن هناك تحولًا واضحًا في موقف الحكومات الأوروبية، وحتى الإدارة الأمريكية، تجاه الحكومة الإسرائيلية الحالية. ويقول: “نتنياهو اليوم لا يلقى الدعم غير المشروط كما في السابق، وحتى ترامب، رغم علاقته السابقة بنتنياهو، بدأ يبتعد عنه تدريجيًا، واضعًا مصالح الولايات المتحدة فوق الاعتبارات الشخصية أو السياسية”.وأضاف: “الرأي العام الأوروبي والأمريكي لم يعد يتقبل الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وهناك وعي متزايد بخطورة ما ترتكبه إسرائيل من انتهاكات. وقد باتت الحكومات الغربية تدرك أن الصمت أو التواطؤ مع هذه الجرائم سيجعلها شريكة فيها، قانونيًا وأخلاقيًا”.وقال بودن ان ما يحدث اليوم هو عودة قوية لمنظومة القانون الدولي كإطار لحل النزاعات الدولية. مشيرا الى أن “محكمة العدل الدولية قالت كلمتها بوضوح: على إسرائيل واجب قانوني بحماية المدنيين الفلسطينيين، وقد أخفقت في ذلك، وهذا إخفاق لا يمكن تجاهله”.وشدد على أن القانون الدولي اليوم هو الأداة الأقوى بيد الشعوب المستضعفة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني. وإذا ما تم الالتزام بتطبيقه من قبل القوى الكبرى، فإننا سنكون أمام مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، أكثر عدلًا وإنصافًا، وأقل خضوعًا لمنطق القوة والانحياز.واختتم تصريحاته بالتأكيد على أن العقوبات الأوروبية المرتقبة ضد إسرائيل، ليست فقط ردًا على الجرائم التي تُرتكب في غزة، بل هي محاولة حقيقية لإعادة الاعتبار للشرعية الدولية، ووضع حد لعقود من الكيل بمكيالين في القضايا الدولية. وهي أيضًا فرصة تاريخية للدول العربية لتوظيف هذا التحول، وبناء تحالفات جديدة، تعيد للقضية الفلسطينية مكانتها في الأجندة الدولية، وتُمهّد لحل عادل ومستدام، طال انتظاره.