كتابه والنقاد: “وظيفة خفية” تبرز حالة عزلة الإنسان في العصر الحديث

قال الكاتب الروائي محمد مستجاب : “بمجرد أن قرأت عنوان رواية الكاتب محمد بركة” مهنة سرية”، شعرت برغبة عارمة في أن أفتح بابها بسرعة، فالعنوان يعبر عما يعبث ويجيش بصدورنا ونتخيله ونحبه، فماذا يكون أفضل من نص روائي يختفي تحت هذا العنوان ” مهنة سرية”. جاء ذلك في اطار فعاليات مناقشة رواية ” مهنة سرية” للكاتب الروائي محمد بركة باتيليه القاهرة وبحضور الكاتب والناقد سيد شحتة وادارت اللقاء الكاتبة الصحفية رانيا هلال”.وتابع مستجاب: بمجرد أن فتحت الباب وعبرت بعض الصفحات، حتى توقفت، فالكاتب “محمد بركة” لم يقدم لي ما كنت أحلم به أو ارتبط بعقلي الصغير من تلك العوالم الممتلئة بالنساء والليالي الساخنة الحمراء والدخان الأزرق، وهو تصور حسي لا نستطيع أن نهرب منه بمجرد أن نفكر ما هي المهنة السرية تلك، لكن الكاتب محمد بركة قلب الآية كما يقولون، أن يكون بطلها شاب اسمر بل وشديد السواد لدرجة لافته. وأستطرد مستجاب نشأ في منطقة ” الدويقة” أي صفيحة قمامة العاصمة المتخمة بالفساد واللهو والكفاح أيضًا.. فهو بطل مهذب وزير نساء وداعر ومستعد لتقديم خدماته، ويتحلى أيضا بقدر مذهل من الثقافة والوعي والوطنية مع الحفاظ على مجد الوطن العظيم.أشار مستجاب الى “علاء” وهو الراوي أيضًا، ذلك الذي تعلم في كلية دار العلوم، ويعشق الفلسفة والتراث والتاريخ، والذي يحفظ بداخله تراث شعري وفلسفي طالما أنبه، هنا يتحول إلى سلعة، أي أن قدراته الذكورية تصبح بضاعته التي يقدمها والتي أصبح عليها الطلب عظيمًا، وكيف له أن يعتني بها، فالمشترين ليسوا كأي مشترين، بل هم من فاكهة العالم التي تريد هذه السلعة.من جانبه أكد الكاتب والناقد السيد شحتة أن محمد بركة صاحب مشروع روائي مميز وأنه اختط لنفسه مساحة خاصة جدًا في فضاء الرواية العربية لافتًا إلى تحطيمه الكثير من التابوهات في رواياته الثلاث الأخيرة “حانة الست” و”عرش على الماء” و”مهنة سرية”.
وأضاف أن بركة يشتبك في الكثير من أعماله قضايا كبرى ويقدم أعمالًا سردية تعيد للأدب العربي قدرته على إعادة تفكيك الواقع كما يبحث لنفسه على الدوام عن مواضع تميز ويقتحم في كل مرة عوالم جديدة بعيًدا عن التكرار الذي شاب أعمالًا كثيرة انحصرت في قضايا بعينها أو استسهلت استدعاء التاريخ.وأشار إلى أن “مهنة سرية” رواية مفعمة بالدهشة من الصفحة الأولى وحتى الأخيرة حتى أنها لا تفارق مخيلة القارئ بعد الانتهاء منها حيث يتردد في داخله عدد كبير من الأسئلة من بينها هل ما قرأته صحيحًا؟ وهل علاء البطل ضحية أم مجني عليه؟ وكيف يمكن أن يسقط شاعر محتمل ويبيع جسده وروحه ويتحول إلى فتى ليل بين يوم وليلة؟شحتة: بركة قدم لوحة سردية بناء على حالة روائية تسيطر عليه وقال إن بركة نجح في “مهنة سردية” في الانتقال من تشكيل لوحة سردية إلى بناء حالة روائية تسيطر على المرء بعد السطر الأخير من النص ولا تتركه بسهولة وهو ما يشير إلى الجهد الكبير الذي بذله الكاتب لافتًا إلى أن كتابة الرواية بروح القصة القصيرة جاءت لتضفي على العمل قدرا كبيرًا من الإثارة والتشويق وتحافظ على حالة الدهشة.وأشاد السيد شحتة باللغة الشاعرية التي استخدمها محمد بركة في مهنة سرية والتي جاءت رغم جمالها بسيطة ومعبرة عن روح العصر وهو ما ساهم في منح النص قدرًا أكبر من الواقعية مشددًا على أن اللغة في الرواية ليست واحدة ولكنها مستويات حيث يعلو الصوت حينًا ويخفت في أحيان أخرى تبعًا لطبيعة الشخصية والأجواء والحالة النفسية المهيمنة ولذلك يتردد في العمل على الدوام صدى موسيقى تصويرية مفعمة بالشجن ومعبرة عن الصدمة.وقال إنه في ظل التخمة الروائية التي نشهدها يجب أن يكون هناك وقفات نقدية مطولة وقراءات معمقة للأعمال السردية التي تنتصر للفن والجمال مثل رواية مهنة سرية والتي تطرق فيها محمد بركة لموضوع لم يسبق تناوله في الأدب العربي.