قيادي في حزب العمال البريطاني لـ”الدستور”: أساسيات العلاقات بين أوروبا وإسرائيل تواجه تحديات (حوار)

قيادي في حزب العمال البريطاني لـ”الدستور”: أساسيات العلاقات بين أوروبا وإسرائيل تواجه تحديات (حوار)

أكد القيادي في حزب العمال البريطاني عمر إسماعيل، أن إعلان بعض الدول الأوروبية عزمها  مراجعة علاقاتها مع إسرائيل، يجب قراءته كإشارة إلى اهتزاز في ثوابت استراتيجية بشأن العلاقات الأوروبية مع إسرائيل.وأوضح إسماعيل في حوار لـ”الدستور“، إن إسرائيل، رغم قوتها العسكرية والتكنولوجية، إلا أنه تعتمد على الدعم الغربي وبحاجة إليه، وإلى نص الحوار:

برأيك التهديد الأوروبي بالعقوبات ضد إسرائيل هل هو تحرك اضطراري أم مراجعة سياسية؟

التصريحات الأخيرة الصادرة عن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، والتي أشار فيها إلى أن لندن لا تستبعد اتخاذ خطوات إضافية ضد إسرائيل إذا استمر التصعيد والتجويع  في غزة، تمثل لحظة فارقة في صياغة الموقف الأوروبي، لأول مرة منذ سنوات، تعلن حكومة بريطانية – وإن كان  بتحفظ شديد – أن استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة  وتجويع اهلها قد يستوجب ردًا يتجاوز البيانات السياسية.لكن لفهم هذا التحول، لا بد من إدراك السياق بالكامل ان ما يجري الان  ليس انقلابًا في التحالفات مع دولة الاحتلال، بل إعادة تمركز اضطرارية أمام ضغوط متصاعدة من الرأي العام، والتزامات قانونية دولية، وقلق متنامٍ من تداعيات استمرار الحرب  وسياسية التجويع على المصالح الأوروبية في المنطقة.وبالتالي، فإن إعلان بعض العواصم الأوروبية – ومنها بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، وأيرلندا  و الاتحاد الأوروبي – عزمها علي مراجعة علاقاتها مع إسرائيل، يجب قراءته كإشارة إلى اهتزاز في ثوابت استراتيجية، لا كقناعة راسخة بضرورة القطيعة مع تل أبيب.

وما هي العقوبات المتوقعة؟

العقوبات التي يمكن أن تطرح في هذا الإطار تتدرج من الرمزي إلى المؤثر ومنها بالطبع الاعتراف بدولة فلسطين، وفق ما تسمح به التوازنات الداخلية لكل دولة، وتشمل الاحتمالات المطروحة:
• تعليق تصدير الأسلحة أو المعدات ذات الاستخدام العسكري، خاصة تلك التي يمكن استخدامها في العمليات داخل غزة.
• فرض قيود على برامج التعاون الأكاديمي والعلمي، خصوصًا مع الجامعات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
• الحد من استيراد منتجات المستوطنات ومنع تداولها في الأسواق الأوروبية.
• مراجعة اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع إسرائيل، أو تعليق بعض بنودها او تجميد المباحاثات في عقد اتفاقيات جديدة كما حدث في بريطانيا.
ورغم أن هذه الخطوات لا تمثّل حتى الآن قرارات نهائية، فإن مجرد تداولها في الأوساط الرسمية الأوروبية يُعد تطورًا لم يكن مطروحًا قبل أشهر.
 

وما مدى فعالية هذه العقوبات في الضغط على إسرائيل؟

إسرائيل، رغم قوتها العسكرية والتكنولوجية، ليست دولة مكتفية ذاتيًا اقتصاديًا أو دبلوماسيًا. اعتمادها على الدعم الغربي – اقتصاديًا وسياسيًا – هو أحد مكونات أمنها القومي، وبالتالي، فإن أي عقوبات أوروبية، خاصة إذا جاءت ضمن تنسيق جماعي، سيكون لها وقع كبيرعلى القرار السياسي في تل أبيب.
لكن هذه الفعالية مشروطة بعدة عوامل:
• اتساع نطاق الدول المشاركة في العقوبات.
• انسجامها مع مواقف أمريكية داعمة – أو على الأقل غير متضاربة.
• استمرارية العقوبات وعدم اختزالها في ردود فعل زمنية.
أي تحرك محدود أو منفصل لن يغير في ميزان القوى، بل سيُعامل في تل أبيب باعتباره ضغطًا مؤقتًا يمكن امتصاصه دبلوماسيًا.
 

ما تأثير العقوبات على علاقات إسرائيل والدول الأوروبية؟

من الناحية الرسمية، العلاقات بين إسرائيل وأوروبا قائمة على اتفاقات استراتيجية تغطي مجالات الاقتصاد، التكنولوجيا، الأمن، والطاقة، غير أن استمرار الحرب، وارتفاع عدد الضحايا من الأطفال والنساء وكبار السن المصاحبة لها، بدأ يحدث تصدعات في صورة إسرائيل داخل المؤسسات السياسية والشعبية الأوروبية.والعلاقة – وإن لم تتعرض للقطيعة – بدأت تواجه مراجعة في بعض دوائر القرار، هذا ما عكسته تصريحات عدد من حكومات  ا أوروبية بالاضافة الي كندا، وقرارات بعض البرلمانات التي تدعو إلى الاعتراف الفوري بدولة فلسطين، أو فرض إجراءات قانونية ضد مسؤولين إسرائيليين.
المشكلة ليست في العلاقات الرسمية بقدر ما هي في تغير المزاج العام داخل أوروبا، وهو ما يصعب تجاهله في النظم الديمقراطية الغربية.
 

وماذا عن الموقف العربي تجاه هذا الأمر؟

في ظل هذا التحول الأوروبي، كان يفترض أن يكون الرد العربي موحدًا ومنسقًا، بهدف تعظيم الاستفادة من هذه اللحظات. لكن الواقع يُظهر عكس ذلك، فهناك دول عربية تبذل جهودًا دبلوماسية نشطة، وتطرح مبادرات داخل المنظمات الدولية، في حين تلتزم دول أخرى الصمت أو تكتفي بتحركات شكلية.
هذا التباين في المواقف يُضعف من أي ضغط عربي محتمل على أوروبا، ويعطي انطباعًا لدى العواصم الغربية بأن العالم العربي للاسف يفتقر إلى موقف موحد أو رؤية استراتيجية طويلة المدى تجاه القضية الفلسطينية.
وبالتالي، فإن غياب التنسيق العربي لا يؤثر فقط على فعالية الموقف، بل يمنح إسرائيل فرصة لاستثمار هذا التناقض لصالحها، من خلال بناء تحالفات منفصلة مع بعض الدول العربية، وتقديم نفسها كجزء من معادلة الأمن الإقليمي.
 

وكيف يمكن عربيا استغلال التحول الأوروبي؟

للاستفادة من هذه اللحظة، هناك خطوات عملية مطلوبة عربيًا
• توحيد الخطاب الرسمي العربي تجاه ضرورة إنهاء الحرب، وربط ذلك باحترام القانون الدولي الإنساني.
•  تحرك دبلوماسي منسق نحو العواصم الأوروبية لدفعها من مربع التصريحات إلى دائرة الأفعال.
• إطلاق حملات إعلامية ومجتمعية داخل أوروبا بالشراكة مع منظمات حقوقية لزيادة الضغط على الحكومات.
• توظيف أدوات الضغط الاقتصادية، عبر مراجعة اتفاقيات التعاون مع بعض الدول الأوروبية، وربطها بالمواقف من الحرب.
إن لم يتحول هذا الحراك إلى استراتيجية عربية واضحة المعالم، فسوف تمر اللحظة، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، وربما أسوأ.
 

ما توقعاتك للسيناريوهات المقبلة ازاء التصعيد الأوروبي ضد إسرائيل؟

ما يجري في أوروبا ليس انقلابًا سياسيًا على إسرائيل، لكنه بداية لمراجعة اضطرارية أمام واقع لا يمكن إنكاره، الموقف العربي، كي يكون مؤثرًا، يجب أن يتحرر من التباينات، ويتحول من رد فعل إلى خطة عمل.
ودخلت الحرب في غزة مرحلة جديدة، وأصبح الميدان السياسي أكثر تأثيرًا من الميدان العسكري. ومن يملك أدوات التأثير في دوائر القرار الأوروبي، يستطيع أن يغيّر مسار الأزمة، أما من يكتفي بالانتظار أو الاكتفاء بالمواقف الإعلامية، فسوف يجد نفسه خارج المعادلة، مهما كانت نواياه.