خبراء يسلطون الضوء على آثار التصعيد الأوروبي تجاه إسرائيل: أضرار كبيرة للاقتصاد واستعداد لإنهاء النزاع

خبراء يسلطون الضوء على آثار التصعيد الأوروبي تجاه إسرائيل: أضرار كبيرة للاقتصاد واستعداد لإنهاء النزاع

أكد خبراء وسياسيون أوروبيون أن التصعيد الأوروبى ضد إسرائيل يزيد من الضغوط الدولية عليها، ويدفع حكومة بنيامين نتنياهو نحو وقف الحرب التى يشهدها قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضى.كما شددوا خلال حديثهم مع «الدستور» على أن هذا الموقف الأوروبى يمثل تحولًا استراتيجيًا فى السياسة الدولية، حيث بدأت دول أوروبا تتخذ إجراءات أكثر حزمًا ضد الانتهاكات الإسرائيلية، ما قد يحدث تغييرًا فى موازين القوى العالمية.وبينوا أن هذا التوجه الأوروبى يأتى فى سياق تصاعد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، وحماية المدنيين الفلسطينيين، حيث تواجه إسرائيل انتقادات متزايدة بسبب الخسائر البشرية الهائلة والتدمير الواسع فى غزة.ورأى الدكتور ماجد بودن، أستاذ القانون الدولى، ورئيس جمعية المحامين فى القانون الدولى بباريس، أن الإعلان الأخير الصادر عن فرنسا وبريطانيا وكندا بشأن فرض عقوبات على إسرائيل «يمثِّل منعطفًا حاسمًا فى الموقف الدولى تجاه العدوان على غزة، وقد يسهم فى إعادة تشكيل العلاقات الدولية على أساس احترام القانون الدولى وحقوق الإنسان.وأضاف «بودن» أن قرار بريطانيا بتعليق اتفاقية التعاون مع إسرائيل، إلى جانب نية الاتحاد الأوروبى دراسة خطوة مماثلة، يعبّر عن تحوّل جاد وغير مسبوق فى التعامل مع انتهاكات إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بجرائم الحرب فى غزة.ووصف هذه التحركات بأنها خطوة شجاعة ومؤثرة، مشيرًا إلى أن هذه المرة الأولى منذ عقود التى تشهد فيها الساحة الدولية محاولات فعلية لتطبيق القانون الدولى بإنصاف، دون استثناء أى طرف، بما فى ذلك إسرائيل.وأوضح أن العقوبات الأوروبية لا تقتصر على الإجراءات الدبلوماسية والرمزية، بل تتعداها إلى فرض قيود اقتصادية ومالية قد تؤثر بشكل بالغ على الاقتصاد الإسرائيلى، مشيرًا إلى أن حجم التبادل التجارى بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل يفوق بكثير نظيره بين إسرائيل والولايات المتحدة، ما يضاعف من حدة هذه التداعيات.وبين أن الاتفاقيات الثنائية بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل، خاصة اتفاقية الشراكة، تنص صراحة على وجوب احترام حقوق الإنسان كشرط أساسى لاستمرار التعاون، لافتًا إلى أن المادة الثانية من اتفاقية الشراكة الأوروبية- الإسرائيلية تلزم الطرفين باحترام حقوق الإنسان، وهو ما انتهكته إسرائيل بشكل صارخ خلال عدوانها على غزة.وأضاف: «عندما يتم تعليق اتفاقية دولية، فإن الإيقاف يشمل جميع بنودها دون استثناء. وهذا يعنى عمليًا وقف التبادل التجارى بكل أشكاله، وقطع تدفق السلع والخدمات، وإلغاء الامتيازات الجمركية، ما يحرم إسرائيل من الدخول إلى السوق الأوروبية بالشروط التفضيلية السابقة، ويوقف أى دعم مالى أو لوجستى أوروبى موجّه لها».ورأى أن هذه الخطوات ستكون ضربة قاصمة للاقتصاد الإسرائيلى، خاصة أن الاتحاد الأوروبى يعد أحد أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل، مبينًا أن هذه الإجراءات، إن طبّقت، ستشمل حظر تصدير الأسلحة وقطع الغيار بشكل كامل، بعد أن بدأ بعض الدول الأوروبية بالفعل فى تقليص هذا النوع من الصادرات.وتابع: «إسرائيل ستجد نفسها فى موقف صعب للغاية، وسيؤثر ذلك بشكل مباشر على قدرة حكومة «نتنياهو» على الاستمرار فى العدوان، أو حتى الترويج له داخليًا، خاصة فى ظل تراجع الدعم الشعبى داخل أوروبا وأمريكا».وقال إن بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها السويد، بدأت تطالب بأن تشمل العقوبات أيضًا مسئولين إسرائيليين كبارًا، من بينهم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وقيادات سياسية وعسكرية متطرفة أخرى.وواصل: «الدول، على الرغم من كونها كيانات قانونية معنوية، فإن من يديرها هم الأفراد، وعندما تطال العقوبات هؤلاء الأفراد عبر تجميد أرصدتهم، ومنعهم من السفر، فإن ذلك سيشكل ضغطًا حقيقيًا ينعكس مباشرة على قرارات الحكومة الإسرائيلية».ورأى أن الدول العربية تقف اليوم أمام فرصة استراتيجية نادرة لبناء تحالف قوى مع أوروبا، يستند إلى المصالح المشتركة واحترام القانون الدولى، مردفًا: «إذا تحالفت الدول العربية مع الاتحاد الأوروبى، يمكنها التأثير فى صياغة الحلول القادمة، وجعلها مستندة إلى القانون الدولى وليس إلى منطق الصفقات الذى تحاول إدارة ترامب فرضه».وأكمل: «الإدارة الأمريكية، بقيادة ترامب، كانت تسعى لعقد صفقات سياسية بعيدة عن الأطر القانونية، كتحويل غزة إلى منطقة سياحية، أو تهجير الفلسطينيين إلى ليبيا، وهذه طروحات لا يمكن أن تقبل بها أوروبا، لأنها تفتقر إلى أى أساس قانونى أو أخلاقى».وأكد أن الاتحاد الأوروبى يتجه نحو الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا، وهو نقطة تحول جوهرية، قائلًا: «لا يمكن الحديث عن مفاوضات بين دولتين، بينما أحد الأطراف-إسرائيل- معترف بها رسميًا فى الأمم المتحدة، بينما الطرف الآخر- فلسطين- لا يزال يعامل كمجرد مراقب، وهذا الوضع يخل بتوازن المفاوضات، ويخلق انحيازًا هيكليًا لصالح إسرائيل».وبين أن الاعتراف الأوروبى بدولة فلسطين، إلى جانب تعليق الاتفاقيات مع إسرائيل، سيعيد التوازن إلى الساحة الدولية، وسيسمح بإجراء مفاوضات حقيقية، تضمن قيام الدولتين، وتحترم سيادة وأمن كل من الطرفين.وأشار إلى أن هناك تحولًا واضحًا فى موقف الحكومات الأوروبية، وحتى الإدارة الأمريكية، تجاه الحكومة الإسرائيلية الحالية، قائلًا: «نتنياهو اليوم لا يلقى الدعم غير المشروط كما فى السابق، وحتى ترامب، رغم علاقته السابقة بنتنياهو، بدأ يبتعد عنه تدريجيًا، واضعًا مصالح الولايات المتحدة فوق الاعتبارات الشخصية أو السياسية».وأضاف: «الرأى العام الأوروبى والأمريكى لم يعد يتقبل الظلم الواقع على الشعب الفلسطينى، وهناك وعى متزايد بخطورة ما ترتكبه إسرائيل من انتهاكات، وباتت الحكومات الغربية تدرك أن الصمت أو التواطؤ مع هذه الجرائم سيجعلها شريكة فيها، قانونيًا وأخلاقيًا».وأكّد الدكتور طارق وهبى، الأستاذ بجامعة فرساى الفرنسية، أن التهديدات الأوروبية بفرض عقوبات على إسرائيل، ومنها موقف فرنسا، تمثل خطوة قانونية ومنطقية لمواجهة سياسة إسرائيل التى تتعامل مع قضية غزة بعيدًا عن القانون الدولى، معتمدة على استثارة العواطف واستدعاء ماضى المحرقة الأوروبية، موضحًا أن فرنسا تعتبر المسار العقابى وسيلة ضاغطة لوقف المجازر ضد المدنيين فى القطاع.وأشار «وهبى» إلى أن أول هذه الإجراءات يتمثل فى مراجعة الاتفاقية الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبى وإسرائيل التى ظلت دون تعديل منذ ٢٥ عامًا، منبهًا إلى أن فرنسا، بدعم من إسبانيا ودول أخرى، نجحت فى دفع المفوضية الأوروبية لاتخاذ هذا المسار، كما تمكّن الرئيس ماكرون من إقناع رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر بمراجعة الاتفاقيات الاقتصادية مع إسرائيل.ونوه الأكاديمى الفرنسى باعتماد إسرائيل الكبير على السوق الأوروبية، حيث تصدر الجزء الأكبر من منتجاتها الزراعية والغذائية، بالإضافة إلى الغاز الذى يمول عمليات الاستيطان فى الضفة الغربية، ما يجعل العقوبات الاقتصادية أداة فعالة للضغط. وأشار إلى أن الدعم الأمريكى قد يحول دون انهيار الاقتصاد الإسرائيلى، لكن الخطر الحقيقى يكمن فى إصرار إسرائيل على تعقيد الأزمة بدلًا من البحث عن حلول، متابعًا: «ستترك هذه الإجراءات آثارًا عميقة على العلاقات الثنائية، خاصة فى ظل وجود لوبى إسرائيلى يمارس سياسة الإسقاط ضد القادة الأوروبيين بتهم معاداة السامية أو العنصرية».