أكبر طموح في الدلتا الجديدة

تمثل مدينة مستقبل مصر ومشروع الدلتا الجديدة رؤية استراتيجية متكاملة لمستقبل التنمية فى مصر، وتتجاوز كونها مجرد مشاريع زراعية وصناعية إلى كونها نموذجًا للتنمية الشاملة والمستدامة، التى تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السكانية والاقتصادية للبلاد، وتحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية، وخلق مجتمعات عمرانية وصناعية جديدة. هذا المشروع العملاق الذى يندرج تحت مظلة جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة يهدف إلى استصلاح وزراعة مساحات شاسعة من الأراضى الصحراوية فى الصحراء الغربية، ليزيد بذلك الرقعة الزراعية لمصر بشكل غير مسبوق، ويضع حجر الأساس لمستقبل أكثر ازدهارًا وأمنًا غذائيًا.وتعد مدينة مستقبل مصر محورًا أساسيًا ضمن مشروع الدلتا الجديدة، وتقع على امتداد طريق محور الشيخ زايد «محور الضبعة سابقًا»، وهو ما يمنحها موقعًا استراتيجيًا متميزًا يربطها بشبكة الطرق الرئيسية والموانئ والمطارات والمناطق الصناعية الكبرى، ما يسهل نقل المنتجات الزراعية والصناعية ويخفض التكاليف اللوجستية.يهدف المشروع إلى استصلاح وزراعة نحو ٥٠٠ ألف فدان، مع خطط طموحة لزيادة هذه المساحة فى المستقبل. ولم تصمم مدينة مستقبل مصر لتكون مجرد مزرعة عملاقة، بل منظومة متكاملة تدمج بين الإنتاج الزراعى المتطور والتصنيع الغذائى، حيث تضم مصانع حديثة لفرز وتعبئة وتغليف المنتجات، بالإضافة إلى مصانع للتصنيع الغذائى الذى يحول المحاصيل الزراعية إلى منتجات ذات قيمة مضافة عالية مثل الأعلاف والمجففات، كما تحتوى المدينة على مرافق تخزين وتبريد متطورة ومعامل لضمان الجودة، ما يقلل من الفاقد من المحاصيل ويعظم العائد الاقتصادى.تعتمد المدينة على أحدث تقنيات الرى الحديث والميكنة الزراعية لضمان كفاءة الإنتاج وترشيد استهلاك المياه، وذلك من خلال استخدام المياه الجوفية والمياه المعالجة ثلاثيًا، التى يتم نقلها عبر منظومة ضخمة من الترع ومحطات الرفع والمعالجة، مثل محطة معالجة مياه مصرف الحمام التى تعد الأكبر من نوعها. هذا التوجه نحو التصنيع الزراعى يسهم فى تحقيق هدف استراتيجى للدولة وهو تقليل فاتورة الاستيراد الغذائى الضخمة، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق العالمية.ويمثل مشروع الدلتا الجديدة الحلم الأكبر لمصر فى التوسع الزراعى والعمرانى، حيث يهدف إلى استصلاح وزراعة مساحة إجمالية تصل إلى ٢.٢ مليون فدان، والتى تعادل حوالى ٢٥٪ من إجمالى الأراضى الزراعية فى مصر حاليًا، ما يشكل نقلة نوعية فى قدرات مصر الزراعية. ويتكون المشروع من عدة محاور رئيسية، أبرزها مشروع مستقبل مصر ومشروع جنوب محور الضبعة. ويعتمد المشروع على مصادر مائية غير تقليدية بشكل أساسى، مثل المياه الجوفية فى منطقة غرب الدلتا، والمياه المعالجة ثلاثيًا من محطات معالجة الصرف الصحى والزراعى، وأهمها محطة الحمام التى تعالج كميات ضخمة من المياه لإعادة استخدامها فى الزراعة. وهذا يعكس التزام الدولة بتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد المائية.ولا يقتصر دور مشروع الدلتا الجديدة على توفير الغذاء فقط، بل يتسع ليشمل أهدافًا تنموية واجتماعية واقتصادية متعددة، حيث يهدف المشروع إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع الغذائية الاستراتيجية وتقليل الاعتماد على الاستيراد، ما يعزز أمن مصر الغذائى فى مواجهة التحديات العالمية.ويوفر المشروع ملايين من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة فى مجالات الزراعة والصناعة والخدمات اللوجستية والتعدين، ما يسهم فى تخفيف حدة البطالة وتحسين مستوى معيشة المواطنين. كما يهدف المشروع إلى خلق مجتمعات عمرانية جديدة متكاملة فى الصحراء الغربية، بعيدًا عن الوادى والدلتا المكتظين بالسكان، ما يسهم فى إعادة توزيع السكان وتحقيق تنمية إقليمية متوازنة. ويعتمد المشروع على أحدث التقنيات الزراعية والصناعية ونظم الرى الحديثة، ما يجعله نموذجًا للتنمية المستدامة والزراعة الذكية. ويوفر المشروع بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية فى مختلف القطاعات، خاصة الزراعية والصناعية واللوجستية، كما يعتزم جهاز مستقبل مصر طرح جزء من أسهم شركاته فى البورصة لتوسيع قاعدة المشاركة. وتهدف المشروعات الصناعية داخل الدلتا الجديدة إلى تعزيز القدرة التصديرية لمصر من المنتجات الزراعية المصنعة، ما يدعم رصيد مصر من العملات الأجنبية.الخلاصة أن مدينة مستقبل مصر والدلتا الجديدة تعد قصة نجاح تتجسد فيها الإرادة السياسية والتخطيط العلمى والجهد المتواصل، لتشكل معًا قفزة نوعية فى مسيرة التنمية المصرية، نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا وتحقيقًا لطموحات الأجيال القادمة.