الكنيسة الكاثوليكية تحتفل بذكرى القديس سمعان العمودي

تحيي الكنيسة الكاثوليكية اليوم ذكرى القديس سمعان العمودي
ونستعرض أبرز المعلومات وفقًا للأب وليم عبد المسيح سعيد – الفرنسيسكاني
في رحاب مدينة أنطاكية العريقة، وخلال أواسط القرن السادس الميلادي، بزغ نور قديسٍ طاهر، هو سمعان، الذي استمدّ أصوله من مدينة الرها الوادعة. كانت والدته مرتا، مثالًا فريدًا للسيّدات المسيحيات الفاضلات، تحتفي بها الكنيسة في الخامس من شهر يوليو، مُخلّدةً ذكرى فضائلها وقدسيتها.هناك، تتلمذ على يد القديس يوحنا العمودي، مستنيرًا به في دروب الكمال الروحي. كان يوحنا يقيم في صومعةٍ على عمود داخل أسوار الدير، فبلغ سمعان بإرشاده مراتب رفيعة في القداسة الرهبانية. لم يلبث يوحنا أن ضمّه إليه ليشاركه حياته على العمود، فعاشا سنين طوال، يتنافسان ويتعاونان في ممارسة أسمى الفضائل المسيحية، جاعلين من الصمت والتواضع والصيام وترتيل المزامير ومناجاة الخالق أساسًا لحياتهما ونورًا لقداستهما.
ثم اختار سمعان لنفسه عمودًا شامخًا منفردًا خارج الدير، ليحيا عليه حياة الملائكة لا حياة البشر. كان قوته من أعشاب الجبل، وشربه من الماء قليلًا نزرًا، دائم الاتصال بالله، لا يفتر عن الصلاة.فتتلمذ له رهبان الدير أفواجًا، يأتون إليه في أوقات معلومة من كل يوم، يستمعون إلى إرشاده الفيّاض من كنوز قلبه، ما كان الروح القدس يمنحه إياه في تأملاته المتواصلة.
ذاع صيت قداسته في الآفاق، فأقبل إليه الناس من كل حدب وصوب، حاملين إليه أسقام النفوس والأجساد. فكان يرشدهم ويعزّيهم ويشجعهم ويقويهم بكلماته النورانية. وقد حباه الله موهبة صنع المعجزات، فكان يشفي مرضاهم ويطرد الأرواح الشريرة من أجسادهم بكلمةٍ من فمه أو بإشارة الصليب يرسمها عليهم بيديه الطاهرتين.
لقد ترك القديس سمعان إرثًا عظيمًا من الكتابات، خاصة في الشؤون الروحية وهداية النفوس. فكم جادت قريحته بنصائحه الأبوية كتابةً، يلقيها على زائريه من عليائه. وكتب ذات مرة رسالة مؤثرة إلى الملك يوستينيانوس، يعبّر فيها عن ألمه لما ارتكبه السامريون من فظائع ضد المسيحيين، وكيف اقتحموا الكنيسة عنوة، ودنّسوا حرمة بيت الله، واعتدوا على الأسقف ترلنكيوس بالضرب المبرح، وقطعوا إحدى أصابع يده وهو يحتفل بالذبيحة الإلهية في يوم عيد العنصرة. وقد استشهد بهذه الرسالة آباء المجمع النيقاوي الثاني، المنعقد سنة 878 ميلادية.
ويذكر المؤرخ آسِيُوس صلاةً جليلة وضعها القديس سمعان، يبتهل فيها إلى الكلمة الأزلي ضد الأفكار الخبيثة، وأخرى يتضرّع بها إلى والدة الإله في مقاومة التجارب الدنسة.
وظلّ القديس سمعان ملازمًا لحياته الملائكية على العمود مدة خمس وأربعين سنة، يرتقي فيها مدارج القداسة، ويجري الله على يديه العجائب الباهرات. وكم مرة هبطت عليه الملائكة وشاركته في صلاته وتسبيحه. وعُرف بحدسه الروحي العميق، فكان يكشف عن مكنونات القلوب، ويتنبأ بالأحداث المستقبلة، إلى أن أسلم الروح ورقد بالرب سنة 596 ميلادية