آية فريد تكتب: “الساعة ثمانية و45 دقيقة”

آية فريد تكتب: “الساعة ثمانية و45 دقيقة”

كانت الساعة تشير إلى التاسعة إلا ربع حين خرجت ندى من باب الشقة، تمسك حقيبتها بيد وترفع طرف طرحتها باليد الأخرى، خطواتها سريعة وكأنها تهرب من شىء، أو من شخص، أو من نفسها.كانت تمشى فى الشارع وعيونها تتنقل بين الأرض والناس.. قلبها مشغول برسايل ما ردتش عليها، ومكالمة أبوها اللى فاتت وصوت أمها وهى بتقول «كفاية عناد، ارجعى بيتك» لكن هى ما كانتش عنيدة، كانت موجوعة.ندى، بنت عندها ٢٧ سنة، اتخرجت من كلية تجارة، اشتغلت شغلانات كتير عشان تساعد فى مصاريف البيت بعد ما أبوها خرج على المعاش. بس كانت دايمًا بتحس إنها بتجرى فى دايرة، بتدى وبتدى محدش بيديها حتى كلمة «تعبتى؟».النهارده يوم مختلف.. النهارده ندى ماشية وهى حاسة إنها خلاص وصلت لحافة الصبر من شهرين سابت شغلها بسبب مدير شاف إنها «مش كفاية» لمجرد إنها رفضت تبقى «مرنة بزيادة». ومن يومها، كل حاجة وقعت.. الفلوس.. الحالة النفسية، والناس اللى كانت بتسندها لما تحب.كانت رايحة مقابلة شغل مش متحمسة قوى، بس مش قادرة ترفض. الشغل فى شركة صغيرة، بس بمرتب ممكن يغطى الإيجار والمواصلات بالعافية. وهى ماشية، كانت بتراجع ردودها فى دماغها، «أنا مرنة فى التعلم، وعندى خبرة فى الحسابات…»، لحد ما لمحت انعكاسها فى زجاج عربية راكنة فخدت بالها إنها نسيت تحط كُحل.وقفت، طلعت المراية الصغيرة من شنطتها، وبصت فى عينيها. كانت فاضية. مش بسبب الحزن، لأ… ده كان فراغ من كتر ما اتملت واتفرغت.. خدت نفس طويل وقالت لنفسها: «مش مهم. المهم أروح».دخلت الشركة، وقابلها موظف استقبال مبتسم، قالها: «حضرتك ندى؟ اتفضلى، المهندس هيثم مستنى حضرتك». دخلت الأوضة، كان فيها مكتب بسيط، ورا المكتب قاعد شاب لابس قميص أبيض، بيقلب فى شوية أوراق.بص لها وقال: «أهلًا يا ندى، أنا هيثم شفت الـCV بتاعك، حبيته بصراحة».ابتسمت بخفة قالت: «شكرًا، محتاجة الشغل ده فعلًا».سكت شوية، وبعدين قال: «أنا مش عايزك تشتغلى عندى، أنا عايزك تشتغلى معايا».اتلخبطت: «معاك؟».قال: «أنا ببدأ مشروع صغير، وحابب أضم ناس حقيقيين، مش بس كفاءة، لكن بشر فاهمين يعنى إيه تعب ويعنى إيه يحاولوا من تانى».حسّت بحاجة بتتهز جواها: «بس أنا تعبت من المحاولات».قال: «بس لسه بتجربى والتعبان اللى بيكمل… هو ده اللى بيعيش بجد».خرجت من المقابلة الساعة كانت لسه تسعة وربع بس هى كانت واحدة تانية مش متفائلة قوى، مش سعيدة جدًا، بس واقفة على رجليها. والطرحة ما بقتش منزّلاها على وشها زى الأول.لأن فى لحظة بسيطة… ممكن كل حاجة تبدأ من أول وجديد.