عقل “ترامب” في حالة شلل.. أعراضه “نزوح سكان غزة”

عقل “ترامب” في حالة شلل.. أعراضه “نزوح سكان غزة”

في ذكري ثورة الفاتح سبتمبر 1994ألقي الرئيس الليبي معمر القذافي خطابا ذكر فيه أنه سيخرج الفلسطنيين المقيمين في بلده احتجاجا علي اتفاقية “أوسلو”، وقال: أن الرئيس الفلسطيني “ياسر عرفات” لم يحصل علي دولة ولم يتمكن من حل القضية الفلسطينية، وفي ديسمبر من نفس العام أمر “القذافي” إدارة القوي العاملة في طرابلس الغرب بعدم التصديق علي عقود العمل الجديدة للفلسطينيين كما تلقت إدارة الجوازات والهجرة اتصالا مماثلا بمنع تجديد الإقامة لأي فلسطيني أيًّا مهنته أو جهة عمله.
بعيدا عن الإتفاق أو الإختلاف حول بنود اتفاقية “أوسلو” أو نتائجها، لم تكن ليبيا دولة لجوء للفلسطنيين كما هو حال لبنان وسوريا، بل كانت دولة تستجلب العمالة المتميزة في كافة المجالات بدءا من أساتذة الجامعاة والأطباء والمدرسين والعمالة المهرة حيث بلغ عدد الجالية المقيمة في ليبيا نحو 30 ألف نسمة آن ذاك، في الوقت الذي كان فيه “القذافي” من أكثر الرؤساء العرب تأييدا ومناصرة للقضية الفلسطينية ومن أشدهم تبنيا لحركات المقاومة الفلسطينية، فضلا عن المعاملة الخاصة وتوفير كل سبل الدعم للجالية الفلسطينية في ليبيا.
اعتبر الفلسطينيون المقيمون في ليبيا أن هذا عقاب لهم جميعا دون مبرر لرد فعل الرئيس الليبي في تلك الفترة رغم الأصوات الفلسطينية المعارضة في ليبيا لإتفاقية “أوسلو”، وبالرغم من الوساطة الدولة- فبراير 1995- من أجل تسوية أوضاع الفلسطنيين في ليبيا، إلا أن رد “العقيد القذافي” جاء أكثر صرامة قائلا:” أن عرفات وأمريكا وإسرائيل يقولون أن قضية فلسطين قد حُلّت أو سوّيت نهائيًا، وهذا لم يحدث، فهناك ملايين اللاجئين الفلسطنيين لايزالون خارج وطنهم، وحرصا مني علي قضيتهم ومن أجل مصلحتهم سأقوم بإخراج 30 ألف فلسطيني المقيمين عندي وأحاول إعادتهم إلي غزة واريحا، واذا لم تسمح إسرائيل بعودتهم سأقيم لهم مخيما علي الحدود المصرية –الليبية”.. كان الهدف من رد فعل القذافي هو الحفاظ علي حل القضية الفلسطينية وقيام دولتهم.
بعيدا عن نجاح خطة أو فشل “القذافي” في تحقيق غايته والتي انتهت بالتجميد في غضون شهور قليلة عاش خلالها كل فلسطيني في ليبيا حالة من الرعب والفزع وما قامت به الدبلوماسية المصرية من اقناع “القذافي” بالعدول عن قرار الترحيل في حينه، فإن موقفه يؤكد علي ضرورة قيام دولة فلسطينية بعيدا عن تهجيرهم سواء قسرا أو طواعية أو حل مؤقت، ولن تقوم دولة بلا شعب ولا أرض بلا سكانها الأصليين، ضياع الحقوق يبدأ بالتنازل أو بالهجرة ومن ثم يفقد الوطن. 
يبدو أن الرئيس الأمريكي متورطا في “غزة” عقله مصاب بالشلل ولايملك القدرة علي التفكير أو الوصول إلي قرار حاسم يواجه به العالم غير أن فكرة “التهجير القسري” هي المسيطرة علي عقله ووجدانه.. مؤخرا، قدم الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” خطة لحل أزمة “غزة” بنقل نحو مليون غزاوي إلي ليبيا، وان كانت فكرة ترحيل الفلسطنيين إلي دول إفريقية سبق وأن أعلن “ترامب” نقل سكان غزة إلي الصومال والسودان ذالك بالتنسيق مع تل أبيب، وصرحت إدارة “ترامب” باللاتصال بالدول الثلاث لاستقبال سكان غزة –وان تراجعت فيما بعد عن هذا التصريح كعادة “ترامب” وأعوانه- أن السودان أعلنت رفضها لهذا المقترح، بينما أعلنت ليبيا أنها لم تتلقي إتصالا بهذا الشأن.. كان من المتوقع أن تخرج الحكومة أو البرلمان الليبي ببيان رسمي يوضح وجهة النظر الليبية، خاصة أنه لايوجد دخان بلا نار، في الوقت الذي صرح فيه المبعوث الأمريكي إلي ليبيا أن استقبال سكان غزة مقابل الإفراج عن أموال ليبية مجمده في بنوك دولية، هذا فضلا عن أن من سينفق علي المهجرين هم الليبيون أنفسهم.. هكذا هو التفكير الأمريكي استقبال وضيافة وانفاق من المال الليبي، وهكذا يتم القضاء والخلاص من القضية الفلسطينية، في الوقت الذي لم نستمع لرأي عربي جمعي ورفع رايات “لا للتهجير” “لا لإستبعاد الشعب الفلسطيني عن وطنه وغلق ملف القضية الفلسطينية”.. اذا، ماذا لو تم التهجير؟ ماذا لو أصرت تل أبيب وواشنطن علي تنفيذ مخططها؟ ما هو الموقف العربي الموحد؟.. يبدو أننا لن نعول علي الموقف العربي كثيرا كما نشهد حالة الصمت والخزلان، وكما تابعنا “قمة بغداد” لم نخرج منها سوي بكلمة مصر الواضحة والصريحة والتي تنذر بما هو أت، التهجير يعني تصفية القضية الفلسطينية واشتعال الحدود المصرية الشرقية وحرب محتملة وشيكة مع العدو اللإسرائيلي. 
عودة للأوضاع في ليبيا المتآخمة مع حدود مصر الغربية، بالرغم من نفي السفارة الأمريكية في ليبيا بشأن الخطة الأمريكية بتهجير سكان غزة إلي ليبيا، فلن نأمن مكرهم لأن مخطط التهجير لايبرح عقل “نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي وكل الشواهد والأدلة علي مسرح العمليات تشير إلي أنهم في وضع التهجير وكل الإحتمالات قائمة.. أذا ماذا لو أُجبرت الحكومة الليبية علي استقبال مليون مهجر قسرا إلي ليبيا في ظل الأوضاع التي يعيشها الغرب الليبي من توترات وصراعات مسلحة بين مليشيات غير شرعية بلغت نحو 200 مليشية هي أقرب إلي عصابات مسلحة؟  
يعيش “عبدالحميد الدبيبه” رئيس وزراء ليبيا- المنتهية ولاياته- حالة من الفوضي العارمة وتوترات وصراعات أمنية وإغتيالات لشخصيات عامه من أشهرهم “عبدالغني الككلي” تفقد العاصمة طرابلس استقرارها، ومطالب برحيل “الدبيبه” وتشكيل حكومة جديدة والقضاء علي المليشيات المسلحة، كل هذا يأتي في ظل فشل المبعوثة الأممية “هانا  تيتيه” حيث تتلقي ضغوطا من الداخل لتفعيل الخطة الأممية وإنهاء الأزمة الليبية، فماذا لو تم تهجير مليون فلسطيني إلي ليبيا في حالة من الإضطرابات السياسية والفوضي العارمة وعدم استقرار النظام، وأين سيعش هؤلاء المهجرون، وكيف يتسني لهم سبل العيش، وما هي الأوضاع علي الحدود المصرية الليبية.. كل هذه الأمور تحتاج إلي موقف عربي قوي والاصطفاف خلف الموقف المصري الرافض للتهجير المؤيد لإعمار غزة الرامي إلي استقرار وأمن المنطقة، أما عن مصر فلا خوف عليها جيشها وشعبها وقيادتها قادرون علي حمايتها وان اشتعلت النيران علي حدودها في الإتجاهات شمالا وجنوبا شرقا وغربا.