متى ستستعيد ليبيا استقرارها؟

تُعد الأزمة الليبية من أعقد الأزمات الإقليمية والدولية التى تشهدها المنطقة، وقد تحولت ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافى عام ٢٠١١ إلى ساحة للصراعات الداخلية وتدخلات القوى الخارجية، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية والاقتصادية بشكل غير مسبوق. وتتسم الأحداث فى ليبيا بالخطورة الشديدة نتيجة لتعدد الفاعلين، سواء من الميليشيات المسلحة والفصائل المتناحرة على السلطة، أو من التدخلات الخارجية التى تستغل الانقسامات الداخلية لتحقيق مصالحها.لقد شهدت ليبيا موجات من العنف والاضطراب، أدت إلى انقسام المؤسسات السيادية، وتدهور البنية التحتية، ونزوح مئات الآلاف من الليبيين. كما أصبحت ليبيا ممرًا رئيسيًا للهجرة غير الشرعية، وملاذًا للجماعات الإرهابية، مما يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن دول الجوار والمنطقة بأكملها. ويضاف إلى ذلك أن الثروات النفطية الهائلة فى ليبيا جعلتها مطمعًا للقوى الكبرى والإقليمية، التى سعت لفرض نفوذها من خلال دعم أطراف الصراع المختلفة، مما زاد من تعقيد المشهد ومنع التوصل إلى حلول سياسية مستدامة.إن غياب دولة مركزية قوية وموحدة، وانتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، أسهما فى تحويل ليبيا إلى بؤرة عدم استقرار، لا يقتصر تأثيرها على الحدود الليبية فحسب، بل يمتد ليشمل الأمن الإقليمى والدولى.وفى خضم هذه الأزمة المعقدة، برز الدور المصرى كلاعب رئيسى يسعى جاهدًا لتحقيق الاستقرار والسلام فى ليبيا. فمصر من أكثر الدول تضررًا من حالة الفوضى فى ليبيا، وذلك لأسباب جغرافية وأمنية واقتصادية مباشرة. تشترك مصر وليبيا فى حدود برية طويلة، مما يجعل أى تهديد أمنى فى ليبيا ينعكس بشكل مباشر على الأمن القومى المصرى. لذلك اتخذت مصر موقفا ثابتًا وواضحًا يقوم على دعم وحدة الأراضى الليبية وسيادتها، ورفض أى تدخلات عسكرية أجنبية غير مشروعة. لقد تبنت القاهرة مقاربة شاملة لحل الأزمة ترتكز على عدة محاور أساسية. وهى الدعم الكامل للمؤسسات الشرعية الليبية، وفى مقدمتها الجيش الوطنى الليبى، كركيزة أساسية لبناء دولة ليبية موحدة وقوية. وكذلك تسعى مصر إلى حل سياسى تفاوضى يضم كل الأطراف الليبية، بعيدًا عن لغة السلاح والإقصاء، إيمانًا منها بأن الحل الوحيد للأزمة هو الحل السياسى الذى يحقق مصالح الشعب الليبى ويحفظ وحدته. وقد استضافت مصر العديد من الاجتماعات واللقاءات بين الفرقاء الليبيين، بهدف تقريب وجهات النظر والتوصل إلى تفاهمات حول خارطة طريق للحل. وتحرص مصر على مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة، حيث تعد مصر من الدول الرائدة فى مكافحة الإرهاب، وتدرك جيدًا خطورة انتشار هذه الجماعات فى ليبيا على الأمن الإقليمى والدولى. وتدعو القاهرة إلى خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية، باعتبار ذلك شرطًا أساسيًا لتحقيق الاستقرار وبناء الثقة بين الأطراف الليبية. وأكدت مصر مرارًا وتكرارًا ضرورة احترام القرارات الدولية ذات الصلة، وضرورة التزام جميع الأطراف الخارجية بعدم التدخل فى الشأن الليبى. وهناك حرص مصرى على الدعم الإنسانى والتنموى للشعب الليبى، حيث قدمت مصر المساعدات الإنسانية واللوجستية، وشاركت فى الجهود الدولية لإعادة الإعمار والتنمية فى ليبيا، إيمانًا منها بأن الاستقرار المستدام لا يمكن تحقيقه دون تحسين الأوضاع المعيشية للشعب الليبى. إن الدور المصرى فى ليبيا ليس دورًا تدخليًا يسعى لتحقيق مصالح ضيقة، بل هو دور بناء يسعى إلى مساعدة الأشقاء الليبيين على تجاوز محنتهم وبناء مستقبل آمن ومستقر، يعيد لليبيا مكانتها الطبيعية كدولة مستقرة وموحدة فى المنطقة.