عصمت النمر: “شريط الكاسيت” ووسائل التواصل الاجتماعي في السبعينيات (حصري)

قال المؤرخ والباحث في التراث الشعبي عصمت النمر، إن انتشار عدد من الأصوات المؤثرة في الغناء الشعبي لم يكن ليحدث لولا وجود شرائط الكاسيت.لولا الكاسيت، ما كان ليظهر اسم عدوية، ولا اسم الشيخ إمام، رغم موهبتهم الفريدة، هؤلاء الفنانون انتشروا من خلال وسيلة بسيطة وغير خاضعة للرقابة، بعكس عبد الحليم حافظ، الذي كانت أسطواناته تباع بالملايين ولكن ضمن قنوات إنتاج رسمية معروفة، بينما عدوية كان ممنوعًا من الغناء في الإذاعة.
عصمت النمر: شريط الكاسيت: سوشيال ميديا السبعينيات
وأضاف النمر في حديثه لـ الدستور: كان الكاسيت بمثابة “السوشيال ميديا” في تلك المرحلة، وساهم في نقل ثقافات مختلفة، بدأت الثقافة الصحراوية تتسرب إلى مصر عبر شرائط الكاسيت، رغم ما صاحبها من ضعف في المضمون أحيانًا، لكنها كانت تنقل ألوانًا من الثقافة الأصيلة، رغم وجود سرقات، لكنها كانت حاملة لجوهر التراث”.وأشار إلى أن الشيخ إمام لم يحظ بشهرة كبيرة داخل مصر حتى اليوم، على عكس حضوره القوي في بلدان المغرب العربي، موضحًا: “الشيخ إمام معروف في تونس والمغرب والجزائر وسوريا أكثر من مصر، أتذكر حين زرت تونس وجدت سائق تاكسي يشغل شريطًا للشيخ إمام، ولم يصدق أنني من مصر وأحب الشيخ إمام أيضًاـ عندما جلبت لهم شريطًا لعدوية، دهشوا من معرفتي به وقالوا إنهم لا يعرفون أنه محبوب في مصر”. وتابع: “رغم أن الشيخ إمام وعدوية ينتميان إلى عالمين مختلفين، فإن كلًا منهما كان حالة فنية فريدة. الكاسيت لعب دورًا مهمًا في نقل هذه الحالات من هامش المجتمع إلى مساحاته الأوسع، وكان نقطة تحول كبرى في نشر الثقافة والموسيقى، خصوصًا في أواخر السبعينيات، حين بدأت الطفرة الحقيقية للكاسيت”.واستطرد قائلًا: “في سنة 2019، تلقيت اتصالًا من شخص أمريكي اسمه سيمون أندرو، تحدث معي بالعربية المكسرة، وعرفني بنفسه معتذرًا لأنه يتصل دون سابق معرفة، قال لي إنه يحضر رسالة دكتوراه عن تأثير الكاسيت في الحياة الاجتماعية في مصر خلال السبعينيات، وكيف لعب الشريط دورًا في نقل الرسائل من العمال المصريين في بلاد النفط إلى ذويهم بدلًا من الخطابات المكتوبة، وقتها قلت في نفسي: يا ابن الإيه، جاي من أمريكا مخصوص عشان تبحث تأثير شريط الكاسيت في حياة المصريين، ومافيش مصري فكر في دا!”.وتابع: “كنت أحكي هذه الواقعة لصديق مخرج سينمائي، فقال لي إن الموضوع يصلح لفيلم تسجيلي رائع. مرت الأيام، وظل صديقي المخرج يلح علي كي ينجز هذا العمل، وكنت أتلكأ، خاصة في ظل حصار كورونا، حتى جاءني ذات يوم في الزقازيق مع فريق العمل، وصورنا فيلمًا قصيرًا بعنوان زمنا. الفيلم قد لا يكون طويلًا، لكنه يحمل الكثير من ملامح زمن جميل وغربة موجعة.