منى واصف: سيدة التألق وجاذبية الحضور

منى واصف: سيدة التألق وجاذبية الحضور

 في زمن يتبدّل فيه كلّ شيء، تبقى منى واصف كجبلٍ من نور، لا تهزّه العواصف، ولا يُنقص من وهجه دوران الفصول. ليست مجرّد ممثلة، بل ذاكرة تمشي على قدمين، امرأة صاغها الفنّ فصاغت معه صورة الوطن في عيون الناس.منذ وقوفها الأول على خشبة المسرح، لم تكن تؤدّي دورًا، بل كانت تُجسّد فكرة، تحمل في نبرتها صدى البيوت القديمة، وفي وقفتها جلال الأمهات اللواتي يُربّين أبناءهنّ على الكرامة لا على الخوف. لم تبحث عن دور يليق بها، بل كانت هي المقياس الذي تُقاس به الأدوار. لم تُمثّل… بل عاشت الشخصيات، كما تُعاش الحكايات الصادقة، دون زينة، دون قناع، دون حاجة لأن تشرح… هي فقط تكون، فيكون المعنى.حين قدّمت “هند بنت عتبة”، لم تلبس الشخصية بل بعثتها من جديد. وعندما ظهرت في “الهيبة”، بدت أمًّا تُخبّئ الوطن في عينيها. في “العرّاب”، “سنعود بعد قليل”، و”باب الحارة”، تماهت مع أدوارها حتى بات صوتها مرادفًا لنبض الأمّة، وعيناها انعكاسًا لتجارب نساء لم تُنصفهنّ الحياة، لكنهنّ أبَين الانكسار.منى واصف لا تتكلّم وحدها، بل يتكلّم الزمن بصوتها. تلك اللغة الخاصة بها، لا تُدرّس ولا تُكرّر. لغة نابعة من أعماق امرأة آمنت أن الفن ليس مهنة، بل موقف وجودي، وأن الصدق على الشاشة قد يُنقذ إنسانًا من اليأس.من دمشق جاءت، لا ابنة حيّ، بل ابنة الضوء وخريجة الحياة. لم تسعَ إلى الشهرة، بل كانت الشهرة تمشي في ظلّها. لم تصعد لتُصفّق لها الأضواء، بل لتقول: “أنا مرآة الإنسان حين يواجه الحقيقة”.وراء هذه السيدة القوية، قصة لا تقلّ عن أدوارها جمالًا. كانت زوجةً لضابطٍ برتبة نقيب في الجيش العربي السوري، المخرج محمد شاهين، رجل حمل بين يديه البندقية والكاميرا، وآمن بأن الإبداع يمكن أن يكون سلاحًا في وجه القبح. ومعًا، شكّلا ثنائيًا نادرًا جمع بين الصرامة والرؤية، بين العطاء والعُمق. وبعد رحيله، ظلّت منى واقفة، كما تقف الأشجار الكبيرة حين تفقد جذعها ولا تنهار.أما ابنهما، عمار شاهين، فاختار دربًا من نوع آخر: الدفاع عن كرامة الإنسان. يعمل اليوم في منظمات تُعنى بحقوق الإنسان، حاملًا إرثًا عائليًا يؤمن أن الفن والعدالة جناحان لا ينفصلان.منى واصف ليست مجرد اسم، بل لحظة وقار تمرّ بنا كلّما تذكّرنا ما كان عليه الفن قبل أن يتسرّب الضجيج إلى الصمت. حضورها على الشاشة صلاة صامتة، وغيابها فراغ لا يملؤه أحد. لم تكن يومًا في الخلف، لأنها ببساطة… كانت هي الضوء نفسه.في عالم يُنتج النسيان، منى واصف تليق بها الذاكرة. 
الإعلامية مايا إبراهيم