خَفَاقُ العواطف: قصة تُروى من القلب

في إصدارها الثاني بعد مجموعتها القصصية الأولي”في منتصف الفراغ” عن روافد للنشر والتي قدمتها بقوة للمشهد الأدبي ككاتبة تمتلك تراكما معرفيا كبيرا، كما تمتلك قاموسا لغويا يخصها وحدها، تهدينا روايتها الأولى المدهشة، خشم الموس، والصادرة عن دار تنمية للنشر، حيث تدور أحداثها في القرن التاسع عشر،
وهي رواية لا تُقرأ فقط، بل تُبنى داخلنا. لا تُروى فحسب بل تتفاعل مع كافة الحواس، تُشمّ، تُسمع، وتُلمس، كما لو أن الجملة الأولى فيها تُفتح مثل باب مقام منسي وقديم. رواية خشم الموس للكاتبة شيماء ياسر،
منذ بدايتها، تشعر أن النص لا يريد مصاحبتك كقارئ، بل يريدك أن تُسلّم نفسك كاملا. لا تمضي الرواية في مسار مألوف، بل تدور، تهمس، وتتوقف عند العتبات دون أن تطرق الأبواب. تكتب شيماء بأسلوب فيه شيء من الكشف، وكأنها لا تحكي قصة بل تزيح كلسا ضبابيا عن مقام لم يدخله أحد منذ زمن بعيد.
خشم الموس؟
هذا الاسم الغريب ليس سوى لعنة. حدس داخليّ يحوّل حياة شخص إلى سؤال كبير عن الانتماء والعار. هو اسم يُطلق على طفل رضيع، لكنه يظل يتضخم حتى يصبح هو نفسه الرواية. لا نعرف بالضبط إن كنا نقرأ عن شخص أم عن صورة مجتمعية شُوّهت سلفا.
ويوم الزفاف؟ لا تُطلق فيه الزغاريد بل تبدأ الإزاحة.
في لحظة يُفترض أن تكون “ذروة اجتماعية”، ينسحب البطل إلى المقبرة. ليست هذه مجازًا فقط، بل فعلًا سرديًا حقيقيًا تختاره الرواية لتبدأ منه رحلتها. يكتب إبراهيم أوراقه التي نقرأها. وهناك، تبدأ حكايته من جديد، ليس من فم الآخرين، بل من قلبه هو، ومن صمته.
السرد هنا مزدوج، متواطئ، ومتناقض في آن.
هناك من يروي عنه، وهناك هو يروي عن نفسه. وبين الصوتين، يولد الصدق. لا أحد يملك القصة كاملة. المقبرة تصبح – بشكل ما – مكانًا للحياة الثانية، للحكي الحقيقي بعد أن ينسحب الضجيج.
لغة الرواية؟
لا تلمع، بل تخدش. لا تتزين، بل تُجرِّد. بالتأمل، وبخفة حلم ثقيل. لا تبحث شيماء عن الدقة بقدر ما تفتش عن الصدى، عن ذلك الشعور الذي لا يصرح به، بل يُلمَح. تكتب بجُمل قصيرة أحيانًا، وغامضة أحيانًا أخرى، لكنها تخلق نسيجًا عاطفيًا من دون أن تفرضه عليك.
تبقى الذكرى. ليس الحدث، بل الأثر. رواية خشم الموس لا تُقرأ للمتعة ولا للتشويق، بل للغرق. فيها رجل تُلاحقه قرية، ومجتمع يُصرّ على دفن المختلف، وحكاية لا تكتمل إلا عندما نفهم أن الاسم قد يكون أحيانًا سجنًا أبديًا.