توفيق رشوان: روح الفن الحقيقي وذاكرة السينما العربية

حين يُذكر اسم توفيق رشوان، تستحضر الذاكرة وجهًا يحمل ملامح النُبل والوقار، وصوتًا ينضح بالحكمة والصدق. هو أحد أولئك الذين عبروا زمن الدراما العربية بخُطى واثقة، وتركوا فيه أثرًا لا يُمحى، لا بوهج صاخب، بل بعمق الأداء وصدق الانتماء إلى مهنة الفنّ.ولد توفيق رشوان في زمن كانت فيه الكلمة تُوزَن، والمشهد يُصاغ بعناية، والوجه على الشاشة مرآة لقيم المجتمع. امتلك موهبة فطرية صقلتها التجربة، وحضورًا استثنائيًا جعله رجل الأدوار الصعبة التي تتطلب توازنًا بين العقل والعاطفة. لم يكن نجمًا تقليديًا يلاحق الأضواء، بل كان نجمًا من نوع آخر: نجمًا يُضيء القلوب لا العناوين.في رصيده عشرات الأدوار التي جسّد من خلالها الإنسان العربي في تجلّياته المتنوّعة: الأب، المثقف، الفلاح، القاضي، المعلم، وحتى رجل السلطة الذي يُغلفه صراع داخلي نبيل. لم يكن تمثيله مجرد أداء، بل ترجمة شعورية لعقود من التحوّلات الاجتماعية والسياسية، لذلك بقيت أعماله تحمل قيمة وثيقة درامية وإنسانية.من أبرز أعماله التي عكست قامته الفنية العالية، دوره في مسلسلات تاريخية واجتماعية تركت بصمة في وجدان المشاهد، مثل “بوابة الحلواني”، و”المال والبنون”، و”هوانم جاردن سيتي”، وغيرها من الأعمال التي ما زال الجمهور يعود إليها لاشتياقه لذلك الأداء الذي لا يُشبه أحدًا.ما ميّز توفيق رشوان أيضًا هو قدرته على تقمّص الشخصية دون أن يتخلّى عن روحه. كان يدخل إلى النصّ بشغف القارئ، ويخرج منه بشغف المُحب. لم يتصنّع التواضع، بل عاشه، وظلّ في صلب المشهد الفني حتّى وهو بعيد عن الصخب، لأن اسمه يكفي لردّ الاعتبار إلى المعنى الحقيقي لكلمة “فنان”.في زمن باتت فيه المعايير هشّة، يظلّ توفيق رشوان منارات الذين حافظوا على نقاء الفنّ، ورفعوا من شأن الكلمة، وقدّموا أنفسهم كقدوة في الأداء والسلوك والموقف.تحية لهذا الفنان الذي احترف الصمت عندما كثر الضجيج، وأبقى على صوته الداخلي نقيًا كما بدأ. تحية إلى توفيق رشوان، ذاك الرجل الذي جعل من التمثيل فعل احترام، ومن الفنّ رسالة لا تموت.