أطفال غزة: الوجه الأكثر قسوة للاحتلال الإسرائيلي

أطفال غزة: الوجه الأكثر قسوة للاحتلال الإسرائيلي

تُعدُّ حادثةُ قصف منزل الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، والتي أودت بحياة تسعةٍ من أطفالها، واحدةً من أبشع المآسي التي شهدها قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل، تُمثّل هذه المأساة صورةً حيةً لوضع مأساوي مستمر يعانيه أبناء القطاع، حيث تتكرر مثل هذه الحوادث الأليمة التي تخلف ورائها دماء بريئة وأسر تنهار تحت وطأة الألم والفقد.
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة من نوعها، فقد تكررت مآسي كثيرة مشابهة خلال سنوات الحصار والاعتداء المستمر، مما يجعل من غزة شاهدةً على معاناة مستمرة تتجاوز الإنسان العادي في تعقيدها وقسوتها. 
تمثل مأساة أطفال غزة واحدة من أشد الفصول إيلامًا في تاريخ الصراع الدائر في الشرق الأوسط، حيث تُعد هذه المأساة صورة حقيقية للوحشية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق أضعف الفئات الإنسانية وأكثرها براءةً في القطاع، فالطفل في غزة لا يُمنح فرصته الطبيعية في الحياة التي يجب أن تُعاش بسلام وبراءة، بل يولد في طابور الانتظار على أبواب الشهادة، وكل لحظة في حياته محكومة بالخطر المحدق والقلق المستمر من القصف الذي لا يفرق بين صغير أو كبير.
يعيش طفل غزة في بيئة مشحونة بالخطر النفسي والبدني، حيث ينمو  وسط أصوات القصف المتلاحقة وانهيار الأبنية التي كانت في أمس الحاجة لأن تكون ملاذًا آمنًا، مما يمثل جريمة منظمة بنمط ممنهج ومدروس يهدف إلى إفقاد الأجيال القادمة أبسط حقوقها الإنسانية، فتُقتل البراءة ويُهدد المستقبل النفسي والاجتماعي لهؤلاء الأطفال

إن ما تعانيه غزة اليوم لا يمكن فهمه بمعزل عن الصمت الدولي والتخاذل العربي والإسلامي الذي يصاحب معاناتها المستمرة، فالعالم العربي والإسلامي، الذي يعرف جيدًا حجم المعاناة والكوارث التي يعيشها سكان غزة، لا يجهل الواقع ولكنه يمارس نوعًا من الصمت يُفسر على أنه خيانة مكتملة الأركان، هذا الصمت الذي يُعبّر عنه عبر بيانات رسمية فارغة، أو مواقف دبلوماسية ركيكة، هو في حقيقته دعم ضمني للاحتلال، وأداة لاستمرار معاناة الأطفال في غزة بدون أمل في النجاة أو التحرر.
أطفال غزة لا يحتاجون إلى شفقة مؤقتة ولا إلى كلمات رنانة تنتهي عند حدود البيانات الصحفية أو الندوات الإعلامية، بل يحتاجون إلى عدالة حقيقية، إلى مواقف حاسمة وقوية تُمسك زمام المبادرة وتوقف هذا العنف والقهر، يحتاجون رفع الحصار عن قطاع غزة بشكل كامل، وإيقاف القصف، ومحاسبة الجهات المسؤولة الدولية والمحلية عن هذه الجرائم الإنسانية، فتلبية هذه المطالب هي الطريق الوحيد لوقف نزيف النفوس البرئية ومواصلة الحياة في ظروف إنسانية مقبولة.
تتمتع الدول العربية والإسلامية بإمكانات كبيرة لممارسة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي والدول التي تدعمه، مثل فرض مقاطعة اقتصادية صارمة، ووقف اتفاقيات السلام التي تُستخدم أداة لإدامة الاحتلال والتوسع، بالإضافة إلى دعم حقوق الشعب الفلسطيني بكل أشكالها السياسية والاقتصادية وغيرها، هذه الأوراق هي مفاتيح الحل التي ينبغي أن تُستغل بجدية ومثابرة بدلًا من الصمت والتخاذل.أرقام مرعبة
إن الإحصائيات تشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي قتل نحو 18،000 طفل في قطاع غزة،  منذ بدء العدوان، وذلك إلى جانب الآلاف المفقودين، وهذا الرقم ضخم يتخطى حدود وصف المعاناة الإنسانية ليصل إلى كارثة حقيقية، هذه الأعداد المتزايدة تدل بوضوح على أن سياسة الاحتلال تتخذ من الأطفال هدفًا مقصودًا ضمن حملتها لفرض السيطرة والترهيب، من خلال القصف المباشر واستخدام أساليب متعددة تهدف إلى الإبادة والتجويع.
فبالإضافة للقتل المباشر نتيجة القصف والقنص، لجأت إسرائيل إلى أساليب أخرى مدمرة لتحقيق هذه الغاية مثل التجويع وتدمير المرافق الصحية والمستشفيات، فضلًا عن استهداف مراكز الخصوبة، أدت هذه الممارسات إلى انخفاض حاد في الخدمات الطبية وارتفاع معدلات سوء التغذية، وهو ما أودى بحياة 57 طفلًا نتيجة سوء التغذية، وفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، وبحسب تقديرات عدة، يُحتمل وفاة نحو 14،000 طفل بسبب الأوضاع الغذائية القاسية التي يعاني منها القطاع.
تحذيرات المنظمات الدولية تتفاقم،  حيث أعلن ممثل منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة، الدكتور ريك بيبركورن، عن توقع معاناة حوالي 71،000 طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد خلال الأشهر القادمة، مما يبرز عمق الأزمة الإنسانية التي تواجهها غزة.
إن استهداف المدنيين، وخاصة الأطفال، يعد انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف التي تحمي الفئات الضعيفة أثناء النزاعات المسلحة، ورغم ذلك، يبقى أطفال غزة عرضة للخطر دون حماية فعالة أو تحرك دولي جدي يمنع المزيد من المجازر التي لم تعد مجرد أرقام، بل قصص وحياة بُنيت عليها آمال وأحلام أصبحت أسيرة الظلم والدمار.إن الطريق نحو التخفيف عن غزة والشعب الفلسطيني، يتطلب انخراطًا عربيًا وإسلاميًا جادًا وقويًا، ينسجم مع حجم المعاناة والظلم الواقع، لا مجال لمزيد من الصمت أو التردد، بل يجب التحرك الفوري والمباشر لإنهاء هذا العنف، ورفع الحصار، وتحقيق العدالة، ليتمكن الأطفال والأهالي في غزة من العيش بكرامة وأمان، بعيدًا عن دائرة الألم والمعاناة المستمرة.