فلسطينيون لـ«الدستور»: نواجه الموت بالصواريخ وجوع البطون.. لكننا لن نغادر ولن نتخلى عن القطاع.

فلسطينيون لـ«الدستور»: نواجه الموت بالصواريخ وجوع البطون.. لكننا لن نغادر ولن نتخلى عن القطاع.

معاناة غير مسبوقة يعيشها أهالى قطاع غزة، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، فى ظل استمرار حرب التجويع التى يمارسها الاحتلال الإسرائيلى، ومنع دخول المساعدات الإنسانية والتحكم فى توزيعها، لإجبار الفلسطينيين على إخلاء شمال القطاع، والنزوح إلى مناطق محددة فى جنوبه، تمهيدًا لتنفيذ مخطط التهجير النهائى، لطرد الفلسطينيين من أراضيهم. ورغم معاناتهم المستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام، أكد كثير من أهالى القطاع، خلال حديثهم إلى «الدستور»، أنهم يجمعون الفتات من هنا وهناك من أجل البقاء على قيد الحياة، معلنين عن تمسكهم بالبقاء فى أرضهم حتى النفس الأخير، رغم الموت والجوع، لأنه لم يعد لديهم أى شىء آخر قد يخسرونه.صابر الزعانين:أيامنا عبارة عن طوابير لتسلم الماء والطعام  وننام ونترقب دورنا فى الشهادة«نصارع الموت فى غزة من أجل البقاء على أرضنا»، بهذه الكلمات بدأ الفلسطينى صابر الزعانين، من أهالى بيت حانون، حديثه لـ«الدستور»، عن قصة نزوحه أكثر من ١٧ مرة، حتى وصوله إلى مخيم الشاطئ، بعد أن بُترت قدمه جراء قصف إسرائيلى معتاد خلال حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام. عن ذلك، قال «صابر»: «نعانى الإبادة الجماعية منذ ٥٩٩ يومًا، وغزة تقتل بدم بارد وتباد بالطائرات الصهيونية، والضحايا هم السكان المدنيون، والناس فى غزة يعيشون فصول المعاناة اليومية المتكررة، فحياتنا هى حياة الجحيم، لكننا والحمد لله ما زلنا نتنفس، وإن كان الكل هنا فى غزة ينتظر دوره فى الارتقاء، وننام ولا نعلم هل سيطلع علينا الصباح أم لا». وأضاف: «الاحتلال استنفد كل القوة العسكرية فى تنفيذ الإبادة، ومنذ أشهر استخدم سلاحًا جديدًا هو سلاح الجوع، وبكل وقاحة أعلن وزراء دولة الاحتلال ذلك علانية أمام العالم الظالم، والناس هنا تصارع من أجل البقاء على قيد الحياة منذ ٨ أكتوبر ٢٠٢٣، بعد أن تحول سجن غزة الكبير إلى زنازين صغيرة، بعد عزل السكان المدنيين فى مناطق صغيرة ومحددة». وتابع: «بعد الهجوم الصهيونى الواسع برًا ودخول آليات الدبابات والجرافات والآلاف من جنود الاحتلال إلى القرى والمخيمات والمدن فى القطاع شهدت غزة أكبر موجة نزوح تجاه ما بعد وادى غزة، وحشر السكان المدنيون فى مناطق وسط وجنوب القطاع، ونتج عن ذلك مخيمات النزوح التى أقيمت فى المدارس والساحات العامة والمستشفيات والطرقات وغيرها، وحياتنا فى غزة أصبحت جحيمًا، وفى كل مرة تبدأ الأسر الغزية النزوح من جديد، وتبدأ فى بناء نفسها من الصفر، بعد أن ترك الجميع كل شىء فى بيوتهم وهربوا من الموت بملابسهم فقط».وحول حياة الناس فى غزة فى الفترة الحالية، قال صابر الزعانين: «برنامج المعيشة يبدأ يوميًا فى طوابير الانتظار أمام الحمام أو المرحاض فى مخيمات النزوح صباحًا، ثم طابور المياه، وطابور التكية لتسلم الطعام وطابور تسلم المساعدات، ثم طابور الخبز، وغيره من الطوابير، وهكذا هى حياتنا الآن».عبدالكريم شاهين: عدنا للعصور البدائية ولا شىء لدينا نخسرهمن خان يونس وقرب المنطقة المصنفة باعتبارها خطرة، قال عبدالكريم شاهين، وهو إخصائى علاج طبيعى: «ننتظر دورنا.. لم يبق لدينا شىء لنخسره إلا أرواحنا».وأضاف «عبدالكريم»، فى حديثه لـ«الدستور»: «ما زالت إسرائيل تضرب بكل الأعراف والمواثيق الدولية عرض الحائط، دون الاستماع إلى صوت الضمير الإنسانى أو المجتمع الدولى، وما زال الانتقاد الدولى لإسرائيل المارقة على القانون يتعاظم، فى ظل استمرار سياساتها العنجهية والغطرسة التى تستخدمها بحربها المدمرة على قطاع غزة، وحالة التهجير والنزوح الممنهج، وطرد السكان من أماكن سكناهم الخطرة إلى مناطق أشد خطورة، متناسية أن هؤلاء النازحين هم أصحاب الأرض الحقيقيون».وتابع: «يتم حاليًا تهجير الأهالى إلى مناطق الجنوب التى أصبحت الأكبر كثافة سكانية على وجه الكرة الأرضية، حيث يتجمع ما يقارب مليون ونصف المليون مواطن فلسطينى فى بقعة صغيرة جدًا، بخيامهم البالية، فى ظل نقص شديد بالمواد الغذائية والتموينية والدوائية والإغاثية».وحول الأوضاع المعيشية الحالية، قال «عبدالكريم»: «معاناتنا يومية، وتشبه عملية خروج الروح من الجسد، فهناك نقص بالغذاء والماء والدواء والغاز، وعدنا للعصور الأولى، حيث نقوم باستخدام الحطب لطهى الطعام إن وجد، وقد تمر علينا أيام بدون أكل أو شرب، نظرًا لندرة الغذاء».زكريا بكر:الاحتلال يتعمد تسييس ملف الغذاء لحصرنا فى الجنوب تمهيدًا للتهجيرأكد زكريا بكر، رئيس اتحاد الصيادين من مخيم الشاطئ فى شمال قطاع غزة، أن الاحتلال يعمل منذ اللحظات الأولى للحرب على تهجير الفلسطينيين إلى خارج غزة، موضحًا أن مناطق شمال القطاع، وهى جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، أصبحت شبه فارغة من سكانها، بعد تدمير كل البيوت ونسف كل المبانى.وقال: «أهالى الشمال كلهم أصبحوا فى قلب مدينة غزة حاليًا، التى أصبحت بدون معالم أو شوارع أو حارات من كثرة الخيام، والمعالم الرئيسية فى مدينة غزة مثل: الجندى والكتيبة والساحة، أصبحت كلها مليئة بأهالى الشمال وشرق الشجاعية».وأضاف: «بعد تفريغ شمال غزة من كل أنواع الطعام تعمل الخطة الإسرائيلية على إجبار الأهالى للتوجه نحو الجنوب، ثم حصرهم فى مناطق معينة ليكون التهجير أسهل عليهم».وتابع: «من خلال التفاعل مع كثير من الأصدقاء والأهل، خاصة بعد تجربة النزوح الأولى والذل الذى تعرضنا له، أصبح من الصعب أن نخرج خارج حدود مدينة غزة، لكن عمليات الضغط علينا مستمرة، وتسييس موضوع الغذاء، الذى هو حق أساسى لنا، أصبح الوسيلة لترحيلنا من أرضنا».واستطرد: «الناس الآن يعودون إلى بقايا بيوتهم ومناطق سكنهم الأصلى، ولسان حالهم يقول حتى لو هدموا البيوت علينا فلن نرحل، وأغلب الشهداء فى الشمال لم يفكروا فى الخروج من بيوتهم، رغم أن طائرات الاحتلال كانت تستهدف كل من يتحرك فى الشمال». وأكد: «لا أنا ولا عيلتى راح ننزح أو نهاجر.. لن نترك الشمال ولا القطاع بأكلمه». وأوضح بكر أن الوضع الإنسانى فى غزة منهار بشكل كبير، بداية من الرعاية الصحية، هذا بجانب انهيار الوضع الاقتصادى، مضيفًا: «الآن وبعد عام ونصف العام الناس لا تعمل».آمال الغليظ:نصنع الخبز من عجين المكرونة وطحين العدس لنسد جوع أطفالنا.. والوضع يزداد صعوبةأوضحت آمال الغليظ، الناشطة النسوية من شمال قطاع غزة، أن الأوضاع الحالية فى القطاع أصبحت صعبة للغاية، فى ظل نقص السلع الغذائية والطحين وغيرهما من المواد الأساسية اللازمة للبقاء على قيد الحياة.وقالت: «أعرف سيدات من منطقتى صنعن فرنًا طينيًا لطهى الخبز، هذا إن توافر لديهن الطحين، من أجل أن يوفرن الحد الأدنى من الطعام لأطفالهن، وهذا النموذج أصبح منتشرًا بالشمال، بسبب عدم توافر أى وقود». وأضافت: «نعانى جميعًا من نقص الطحين وعدم توافره بالأسواق أو التكيات، وإن وجد فإن أسعاره أصبحت جنونية، وقد أصبحنا نستبدل الطحين بالمكرونة، فنحن نتركها بالماء وفى اليوم التالى نعجنها ونخبزها، والعدس أيضًا أصبحنا نطحنه ونعجنه بالماء ونحوله إلى خبز، حتى نسد جوع أطفالنا».نهاد بعلوشة:نعيش على وجبة واحدة يوميًا إن وجدت.. ولا نستطيع شراء الخضرواتقالت نهاد بعلوشة، من حى الرمال شمالى قطاع غزة: «الوضع الحالى سيئ جدًا، فنحن نجمع الوجبات الثلاث، الإفطار والغداء والعشاء، فى وجبة واحدة، هذا إن توافرت من الأساس، فلا يوجد لدينا طحين أو خبز، ونتعايش فى ظل الجوع على وجبة من العدس أو المكرونة البيضاء دون صلصة، فى ظل غلاء أسعار الخضروات، وشح المواد الأساسية بالسوق». وأضافت: «كمية القهر والوجع كبيرة جدًا، فنحن نعانى من الخذلان العربى والإسلامى تجاه حصار وذبح الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة يوميًا». وأشارت إلى أن معظم الناس فى غزة يرفضون فكرة الهجرة والذهاب إلى بلاد أخرى آمنة، ويختارون البقاء فى الأرض حتى إن واجهوا الجوع أو الاستشهاد.