السفيرة منى وهبة: مصر لديها الإمكانية لتكون مركزًا تجاريًا يربط بين القارات الثلاث.

قالت السفيرة الدكتورة منى وهبة، أستاذ الاقتصاد السياسى الدولى، سفيرة مصر السابقة لدى بيروت، إن مصر مهيأة لأن تصبح حلقة الوصل الأساسية فى حركة التجارة والاستثمار بين إفريقيا وآسيا وأوروبا، وتملك منظومة اتفاقيات تجارة حرة تتفوق بها على كثير من الاقتصادات الكبرى.وأوضحت «وهبة»، فى حوار مع «الدستور»، أن المنتجات المصرية تملك قدرة تنافسية عالية، مشيرة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أعاد بناء العلاقات مع الدول الإفريقية، والآن مصر تنافس بقوة، لكن ينقصها بناء المزيد من التحالفات.وتابعت: «أعتبر أن أهم خطوة إصلاحية اتخذت مؤخرًا هى تحرير سعر الصرف؛ فاستمرارنا فى الدفاع عن سعر صرف مصطنع كان يعوق الاقتصاد ويشوه آليات السوق»، لافتة إلى أن التحالف الصناعى للحكومة والقطاع الخاص، الذى يضم ٦ شركات كبرى، والذى انطلق بالتزامن مع تدشين منتدى «القاهرة- إفريقيا» الاقتصادى، هدفه تعزيز الحضور المصرى فى الأسواق الإفريقية، واستغرق التحضير له عامين، وسيتوسع إلى أمريكا بعد لبنان والسعودية.■ بداية.. كيف يمكن لمصر أن تصبح حلقة وصل تجارية بين ٣ قارات؟– مصر مهيأة تمامًا لأن تصبح حلقة الوصل الأساسية فى حركة التجارة والاستثمار بين ثلاث قارات، بفضل موقعها الجغرافى الفريد على ضفتىّ البحرين الأحمر والمتوسط، وتاريخها العريق فى ريادة طرق التجارة.ورغم أن هذه الميزة لم تُسوق بالشكل الكافى عالميًا، فإن مصر تملك اليوم منظومة متكاملة من اتفاقيات التجارة الحرة والتفضيلية التى تتفوق بها على كثير من الاقتصادات الكبرى.كما أن المنتجات المصرية، سواء المنتجة باستثمارات وطنية أو أجنبية، تملك قدرة تنافسية عالية فى التصدير للأسواق الإفريقية والعربية والأوروبية.وأرى أن ما بدأته مصر من تحول لمركز صناعى إقليمى للشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو خطوة استراتيجية طال انتظارها، وسيكون لها عظيم الأثر فى تعزيز النفوذ الاقتصادى للبلاد.■ ما التحديات التى كانت تقف فى طريق مصر فيما يتعلق بالتصدير للدول الإفريقية؟– لم تكن إفريقيا ضمن أولويات السياسة الاقتصادية المصرية لفترة طويلة؛ فقد انشغلنا بتوسيع العلاقات مع أوروبا وأمريكا وآسيا، بينما ظلت الأسواق الإفريقية بعيدة عن بؤرة الاهتمام الرسمى والخاص.تغير هذا المشهد مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية؛ إذ جرى فتح صفحة جديدة مع القارة، وإعادة بناء الجسور الاقتصادية والتجارية، كان أكبر تحدٍ أمامنا هو غياب الاهتمام التجارى الجاد والمتابعة المؤسسية، بينما اقتنصت دول مثل الصين والهند وتركيا والمغرب فرصًا ذهبية لتعزيز نفوذها هناك.اليوم، نحتاج إلى تحرك جماعى منظم، وتحالفات قوية بين الشركات المصرية لخلق كيانات قادرة على المنافسة الجادة فى إفريقيا.■ لماذا تعتبر السوق الإفريقية مهمة بالنسبة لمصر؟– إفريقيا هى القارة الأسرع نموًا، وتزخر بفرص واعدة، وقد سبقتنا إليها دول كبرى بنت لنفسها حضورًا صناعيًا وتجاريًا قويًا عبر شراكات وتحالفات مدروسة، والآن نحن فى سباق مع الزمن.يجب أن نعتمد على روح العمل الجماعى، عبر تكتل الشركات المصرية لخوض هذه المنافسة، لأن الدخول بشكل فردى لم يعد مجديًا فى ظل قوة المنافسة من الصين والهند وتركيا، ومن ثم فالحل فى التحالفات.■ ما تقييمك للاقتصاد المصرى حاليًا؟– أعتبر أن أهم خطوة إصلاحية اتخذت مؤخرًا هى تحرير سعر الصرف؛ فاستمرارنا فى الدفاع عن سعر صرف مصطنع كان يعوق الاقتصاد ويشوه آليات السوق، ورغم أن لهذا القرار آثارًا اجتماعية واضحة مثل ارتفاع الأسعار والتضخم، فإنه كان ضروريًا لتصحيح المسار.الآن بات لدى المستثمرين رؤية أوضح، وساعد ذلك فى جذب رءوس أموال أجنبية جديدة، فضلًا عن تعزيز تنافسية الصادرات المصرية على المديين المتوسط والبعيد.■ كيف رأيت التأثير الاجتماعى لتحرير سعر الصرف؟– التأثير الاجتماعى لتحرير سعر الصرف لا يمكن إنكاره، وقد تضررت الفئات الأكثر احتياجًا من موجة التضخم الأخيرة، لكن الدولة عملت على توسيع برامج الدعم النقدى والحماية الاجتماعية. وأؤكد أن توازن السياسات المالية والاجتماعية ضرورة قصوى لعبور هذه المرحلة الانتقالية بأقل قدر من الخسائر.■ هل تعتقدين أن الاتجاه نحو التعامل بالعملات المحلية بدلًا من الدولار فى التكتلات الإقليمية يمكن أن يكون بديلًا واقعيًا؟– هذا الاتجاه فرض نفسه بقوة فى السنوات الأخيرة، لا سيما بعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. صحيح أن النظام النقدى العالمى قد تحدث فيه تحولات، لكن استبدال الدولار تمامًا كعملة رئيسية قد يجر العالم إلى حروب اقتصادية أوسع.التكتلات الإقليمية قد تلجأ لتقليل الاعتماد على الدولار عبر استخدام العملات المحلية، لكن لهذا التحول أبعاد سياسية واقتصادية معقدة لا يجب الاستهانة بها.■ كيف يمكننا زيادة صادراتنا للأسواق الإفريقية؟– عبر إيجاد أدوات تمويل قوية ودعم فاعل للمصدرين، إضافة لعقد تحالفات تدمج شركات اللوجستيات وسلاسل الإمداد.التمويل ما زال محدودًا مقارنة بالمنافسين فى الهند وتركيا والصين، لذا نحتاج إلى أدوات مالية مبتكرة، وضمانات للصادرات، خاصة فى ظل بعض المخاطر المتعلقة بتحصيل المدفوعات بالدول الإفريقية.■ ما تقييمك لدور مكاتب التمثيل التجارى المصرية؟– الأداء تطور بشكل ملحوظ مؤخرًا، لا سيما فى إفريقيا. مكاتب التمثيل التجارى بدأت تُقَيَّم على أساس أرقام التصدير والاستثمار التى تحققها، وبعض الوزراء المفوضين نجحوا فى فتح أسواق جديدة وزيادة صادراتنا إليها، لكن يظل هناك مجال واسع للتحسين والتطوير المستمر.■ كيف تقيمين السياسة النقدية الحالية فى مصر؟ وهل هى مواكبة للتحديات؟- السياسة النقدية تسير فى الطريق الصحيح بعد أزمة تحرير سعر الصرف، وأصبحت السيولة الدولارية أكثر توافرًا، ما سهّل استيراد المواد الخام ودعم الصناعة المحلية، وعزز قدرة الاقتصاد على النمو والمنافسة.■ ما رأيك فى أداء قطاع التصدير المصرى فى السنوات الأخيرة؟ وهل هناك تحسن بعد فترات الاضطراب السياسى؟- واجه قطاع التصدير تحديات جسيمة عقب الاضطرابات السياسية بعد ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، ولكن مع استعادة الاستقرار وتحرير سعر الصرف، بدأت الصادرات تستعيد عافيتها تدريجيًا، ونحن الآن فى مسار ممنهج لتنميتها وزيادة وجودنا بالأسواق الخارجية.■ ما أبرز التحديات التى تواجه المصدر المصرى فى السوق الإفريقية؟- المنافسة الشرسة مع دول مثل الصين والهند وتركيا هى التحدى الأكبر، لكن ثمة تحول ملحوظ فى النظرة للمنتج المصرى، إذ بات يُنظر إليه كمنتج عالى الجودة، وتبقى مسألة التسعير والوعى بأهمية التصدير كاستراتيجية نمو لا وسيلة لتصريف الفائض من التحديات التى نعمل على تجاوزها.■ ما أهمية دمج البحث العلمى فى المنظومة الصناعية؟- البحث والتطوير ركيزة أساسية لأى نهضة صناعية حقيقية، فى شركتنا استثمرنا بقوة فى البحث العلمى، ما انعكس بشكل مباشر على المبيعات والصادرات. والقيمة المضافة مرتبطة اليوم بالتكنولوجيا والذكاء الصناعى، وهو ما بدأت مصر تعى أهميته تدريجيًا.■ ما رأيك فى دور الدولة حاليًا فى دعم الصناعة؟- هناك تطور إيجابى مع استحداث منصب نائب رئيس الوزراء لشئون الصناعة، وبدأنا نرى حلولًا لمشاكل كانت عالقة منذ سنوات، لكن ما زالت البيروقراطية تحديًا أمام المستثمرين، وإذا جرى إصلاح هذا الملف سيُحدث فارقًا هائلًا فى جذب الاستثمارات وخفض البطالة وزيادة النمو.