جون هارساني: اقتصادي يجمع بين الرياضيات والفلسفة

جون هارساني: اقتصادي يجمع بين الرياضيات والفلسفة

 جون هارساني، والمولود في مثل هذا اليوم من عام 1920، والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، مشاركة مع جون ناش ورينهارد زيلتن، تقديرا لإسهاماتهم في تطوير التوازن غير التعاوني في نظرية الألعاب. ولد جون هارساني في بودابست عام 1920 لعائلة يهودية، وكان نبوغه العلمي واضحا منذ الصغر، إذ درس الرياضيات، ثم انتقل إلى دراسة الفلسفة لكن حياته اتخذت منعطفا قاسيا في الأربعينيات، حين أجبرته القوانين المعادية لليهود في المجر على ترك الدراسة، ونجا بأعجوبة من معسكرات الاعتقال النازية، قبل أن يهاجر إلى أستراليا ثم إلى الولايات المتحدة. في أمريكا، جمع هارساني بين شغفه القديم بالفلسفة واهتمامه الجديد بالاقتصاد كان يرى أن الاقتصاد لا يمكن أن ينفصل عن الأسئلة الفلسفية الكبرى حول الأخلاق والعدالة، لكنه في الوقت نفسه كان يدرك أن الإجابات تحتاج إلى أدوات دقيقة، فكان اختياره هو الرياضيات. أشهر إسهاماته ظهرت في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، حين أدخل مفهوم “المعلومات غير المتكافئة” إلى نظرية الألعاب ففي الحياة الواقعية لا يمتلك كل الأطراف المعلومات ذاتها، وهذا ما تجاهلته النماذج الاقتصادية التقليدية. هارساني ابتكر طريقة لتحويل هذه الحالات إلى نماذج يمكن تحليلها رياضيا، مما أحدث ثورة في كيفية فهم المفاوضات، والتسعير، والسياسات العامة. لم يكن هارساني اقتصاديا أكاديميا فحسب، بل فيلسوفا حقيقيا، كتب في الأخلاق السياسية، ودافع عن فكرة أن “الاختيار العقلاني” يجب أن يكون حجر الأساس لأي نظرية عدالة، كان يؤمن بأن التفضيلات الفردية يجب أن تقاس بمقاييس واضحة حتى نصل إلى قرارات عادلة على مستوى المجتمع. ورغم اشتراكه في نوبل مع جون ناش الذي أصبح لاحقا رمزا سينمائيا في فيلم A Beautiful Mind فإن هارساني لم يحظ بنفس الشهرة الإعلامية، لكنه ظل يحظى بتقدير عميق في الأوساط الأكاديمية، بوصفه الجسر الذي ربط بين العقلانية الفلسفية والدقة الرياضية. توفي هارساني عام 2000، لكن إرثه ما زال حاضرا في السياسات الاقتصادية، وفي تحليل الأسواق، وفي كل نظرية تبحث في كيف ولماذا يتخذ البشر قراراتهم، لم يكن مجرد اقتصادي، بل كان مفكرا إنسانيا سعى لفهم العالم عبر أرقام ومعادلات، دون أن يغفل أن خلف كل قرار إنساني، قلبا وعقلا وظلا من الفلسفة.