الخوف من الجيش المصري لا يزال يهيمن في إسرائيل

الخوف من الجيش المصري لا يزال يهيمن في إسرائيل

تثير القوة التي أصبح عليها الجيش المصري، الكثير من مظاهر الهلع والخوف والترقب، التي تبدو بكثرة، خلال الفترة الأخيرة، في كتابات الخبراء العسكريين الإسرائيليين وساستهم.. مقال اللواء (احتياط) إسحاق بريك، (مصر تعد لكارثة أخرى لإسرائيل.. وقد تنتهي بشكل سيء للغاية)، الذي نشرته صحيفة (معاريف) العبرية، لم يكن أولهم ولن يكون آخرهم، بالرغم من الوضوح الشديد للعقيدة العسكرية المصرية، التي تقوم على ردع الآخر، دون الاعتداء على أحد.. ولكن يبدو أن التحديث الضخم التي أدخلته مصر على قواتها المسلحة، وتنويع مصادر أسلحتها، وإجرائها مناورات عسكرية مع أطراف دولية متعددة، أثار الخوف داخل الإسرائيليين، الذين يدركون أن جيشهم دمر قطاع غزة بأكمله، وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، وجوَّع مليوني مواطن فلسطيني، ومازال يسعى لتهجيرهم خارج وطنهم، وأن مصر التي وقفت لذلك بالمرصاد، حشدت جانبًا لا يُستهان به من جيشها داخل سيناء، للحيلولة دون ذلك، بالإضافة إلى حماية أمنها القومي، إذا حاول أحد تجاوز خطوطه الحمراء.
يقول بريك، أنه منذ اندلاع حرب (السيوف الحديدية) على قطاع غزة، شهدنا تدهورًا مُقلقًا في العلاقات بين إسرائيل ومصر.. ووصل الأمر إلى أن مصر قررت عدم إرسال سفير إلى إسرائيل، ورفضت اعتماد سفير لإسرائيل في القاهرة.. لذلك، فهو يرى، أن مصر تتخلى عن اتفاقية السلام مع إسرائيل دون أن تعلن ذلك صراحة، و(تدير ظهرها لنا).. وعلاوة على ذلك، فإن مصر لا تحترم اتفاقية السلام مع إسرائيل فحسب، بل إنها تخلق علاقات عمل، بما في ذلك شراء الأسلحة وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة، مع الدول التي تعتبر ألد أعداء إسرائيل، في إشارة من بريك إلمناورة الأخيرة بين القوات المصرية ونظيرتها الصينية، علمًا بأن الصين شريك تجاري جيد مع إسرائيل وأحيانا تكنولوجي، ولا ترقى العلاقة بين بكين وتل أبيب إلى وصف بريك لها بـ (تعتبر ألد أعداء إسرائيل).. اليوم تمتلك مصر أكبر وأقوى جيش في الشرق الأوسط، وليس لدى إسرائيل رد على هذا، إذا قررت مصر خوض الحرب ضد إسرائيل.
على مدى العشرين عامًا الماضية ـ يواصل بريك ـ قام الجيش الإسرائيلي بتقليص ست فرق قتالية، وآلاف الدبابات، و50% من سرايا المدفعية، وألوية المشاة، وكتائب الهندسة، ووحدات جمع المعلومات الاستخبارية، وآلاف الأفراد النظاميين.. وعلاوة على ذلك، أدى تقصير الخدمة العسكرية الإلزامية للرجال، إلى تقليص عدد المقاتلين النظاميين بشكل كبير، وهذه ليست سوى قائمة جزئية من التخفيضات التي تم إجراؤها، حتى أن حجم الجيش البري الإسرائيلي اليوم، هو ثلث حجم الجيش الذي كان لدينا قبل عشرين عامًا.. ولكي نفهم حجم المشكلة التي نواجهها، فمن المهم أن نفهم بعض التفاصيل عن الجيش المصري، وكيف أن إسرائيل حتى يومنا هذا، لا تتعامل مع الواقع المرير الذي يتطور ضدنا وتغض الطرف عنه.. إذ طرأت زيادة كبيرة في القوة البشرية والأسلحة، حيث شهد الجيش المصري نموًا بنسبة 30% في السنوات الأخيرة.. وتوسعت بنيته التحتية العسكرية، حيث قام المصريون ببناء البنية التحتية لتخزين الدبابات والمدفعية والمعدات الميكانيكية الهندسية، وغيرها.. وقد توسعت هذه البنية التحتية في السنوات الأخيرة من ثلاثمائة ألف متر مربع إلى مليونين ونصف المليون مليون متر مربع، وهو ما يشير إلى توسع الجيش المصري بوتيرة مذهلة.
إلا أن أخطر ما قاله بريك، وافترى فيه على العقيدة العسكرية المصرية، التي تلتزم الشرف الإنساني، فهو ما كتبه في (معاريف) عن الإستعدادات المصرية لأسلحة غير تقليدية، إذ يقول، (تشير مقاطع فيديو نشرها المصريون، إلى أنهم يقومون بإعداد أسلحة كيميائية وبيولوجية للحرب مع إسرائيل، في مصنع جديد نسبيًا يمكن رؤيته من خلال صور الأقمار الصناعية).. وهذه إن وجدت، فهي فيديوهات مفبركة، تحاول توريط الجيش المصري، ونسبة ما ليس فيه لقياداته.. فمصر أبعد ما يكون عن الدخول في محرمات دولية، قبل أن تكون إنسانية، وإذا حاربت، تحارب بشرف المواجهة العسكرية المباشرة.. لذلك، فهي لا تفكر في، أو تمتلك أسلحة من هذا النوع، ولا حتى الأسلحة النووية، وإن كان من المنطق والطبيعي، أن تفكر مصر الآن في امتلاك برنامج نووي، ندعو نحن إلى تبنيه من القيادة المصرية، مادامت إسرائيل تمتلك برنامجًا نوويًا، وتسعى غيرها من دول المنطقة إلى امتلاكه.. فإن في ذلك تحقيقًا للتوازن العسكري في الشرق الأوسط، الذي يحفظ السلام، خصوصًا وأن مصر تتمسك بهذا السلام، خيارًا استراتيجيًا في سياستها.
ويدعو بريك قيادة بلاده إلى ضرورة استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب، ليس على أساس تحليل نوايا العدو، بل على أساس إمكانات العدو، الذي يراه هنا مصر، والتي يرى أنها انتهكت اتفاقية السلام في سيناء، ولم ينظر إلى حجم التهديد الإسرائيلي على الحدود المصرية، بدخول جيش بلاده إلى قطاع غزة وخصوصًا في رفح، واستيلائه على محور فيلادلفيا الفلسطيني.. يقول، في اتفاقية السلام مع المصريين، تم الاتفاق على السماح لمصر بالاحتفاظ بفرقة ميكانيكية في سيناء، بالإضافة إلى لواء دبابات إضافي، بإجمالي سبعة وأربعين كتيبة من جميع الأنواع وثلاثمائة دبابة.. طوال السنوات التي مرت منذ توقيع الاتفاقية، ظل المصريون ينتهكون اتفاقية السلام.. اليوم لديهم نحو مائة وثمانين كتيبة من كافة الأنواع في سيناء، أي أربعة أضعاف ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية السلام، أي أربع فرق داخل سيناء.. ويضيف أن اتفاقية السلام مع مصر، نصت على أن الفرقة الميكانيكية الوحيدة المسموح لها بالبقاء داخل سيناء، سيكون بمقدورها نشر قواتها على مسافة ستين كيلو مترًا من قناة السويس.. وعلى النقيض من الاتفاق، يحتفظ المصريون اليوم بأربع فرق داخل سيناء، مع وجود قوات كبيرة متمركزة في عمق سيناء، على مسافة تتجاوز ستين كيلو مترًا، مثل العريش، وحتى بالقرب من الحدود مع رفح.. متناسيًا أيضًا، أن الكثير من القوات الإسرائيلية أصبحت على مرمى حجر من الحدود المصرية، مع العمل الحثيث من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى داخل سيناء!!.
ويقول، إنه من المؤكد أن المصريين يستعدون للحرب ضد إسرائيل.. ويتجلى ذلك أيضًا في رصف الطرق وبناء المخابئ لتخزين الذخيرة والوقود والغذاء ومهابط الطائرات المروحية وغيرها داخل سيناء.. وبدورنا نقول، إن أي أمة تستكفي بقدر من القوة تقف عندها، تحكم على نفسها بالسقوط، لأنه لا حدود للقوة، في عالم تتعاظم أسباب قوته يومًا بعد آخر.. لذا، فإن ما تقوم به مصر هو من باب (توازن القوى)، لتحقيق الردع المطلوب، دون الاعتداء على أحد.
ويعيب بريك على قيادات كيانه، التغطية الاستخباراتية الضعيفة عن سيناء وغرب قناة السويس، والأخطاء في الإدراك، إذ يوضح أنه يتم توفير التغطية الاستخباراتية عن سيناء من قبل إثنى عشر موظفًا في الجيش الإسرائيلي لم يتلقوا أي تدريب.. ويرأسهم مقدم في الرتب الدائمة، وكافة رجال المخابرات، الذين يصل عددهم إلى المئات، يعملون في قطاعات أخرى، بما في ذلك أفضلهم، ولا يكترثون كثيرًا بما يحدث في سيناء وغرب قناة السويس.. لا توجد تغطية استخباراتية كاملة لما يحدث في مصر من جهة القناة والغرب، هكذا يرى.. ولذلك، لا يوجد رصد من قبل استخبارات الجيش الإسرائيلي لقوة الجيش المصري في كافة المجالات، سواء من حيث الأسلحة بكافة أنواعها أو من حيث البنية التحتية الجديدة، بما في ذلك المصانع التي يستخدمها الجيش المصري.. الجيش الإسرائيلي في حالة من الضبابية بشأن كل ما يحدث في الجيش المصري.. ونقول له، لو أن للمخابرات العسكرية الإسرائيلية ألف عين وعين في مصر، ولو حشدت أفضل ما لديها من عناصر، لظلت تل أبيب في هذه الضبابية التي يتحدث عنها بريك، لأن الشعب المصري الواعي بما فيه الكفاية، هو حائط الصد، وهو أساس الجيش المصري.
ثم يأتي إلى التصريح الذي يستخدمه كثيرون في إسرائيل والجيش، (أنه لا يوجد ما يدعو للخوف من أن يشن الجيش المصري هجومًا على دولة إسرائيل، لأن صناع القرار في مصر يعرفون جيدًا أن دولة إسرائيل قادرة على تدمير سد أسوان على نهر النيل، وعندها سوف يفيض حوض النيل ويفقد عشرات الملايين من المصريين حياتهم)!!، إذ يرى بريك أنه تصريح لا أساس له من الصحة (ولن أشرحه بالتفصيل).. لا يمكن إلا أن يقال، إن هذا (التهديد) للمصريين لن يثنيهم أو يمنعهم من بدء حرب ضد إسرائيل.. ولا أدري من أين جاء بريك بحتمية محاربة مصر لإسرائيل؟!.. بل إنه أدهشني بقوله (ولن أشرحه بالتفصيل)، لأنه يدرك أن جيشه لا يملك أدوات تدمير بناء صلب كالسد العالي، لا هو ولا الولايات المتحدة.. لذلك، فإنه توقف وامتنع عن التفصيل، لأنه يكون قد أهان جيشه، إن تحدث في ذلك!!.
وفي النهاية، يقول بريك، إنه من الضروري تعيين ضابط استخبارات في منصب رئيس الأركان بشكل دائم، وعدم الاعتماد فقط على رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، الذي يتولى رئيسه أيضًا مسئولية الحكومة، وهو أقل اهتمامًا ببنك الأهداف والبنية التحتية والأسلحة في البلدان المعادية.. وبالإضافة إلى ذلك، فهو أقل استعدادًا للاجتماعات اليومية لتحديث رئيس الأركان حول جميع القطاعات.. (كنا جميعًا نأمل أن يأتي رئيس الأركان الجديد، إيال زامير، لإعادة تأهيل الجيش وزيادة قوته، بهدف أن تتمكن إسرائيل من الصمود على جميع حدودها: ضد سوريا وتركيا في مرتفعات الجولان، وضد حزب الله في لبنان، وضد الإرهاب المتصاعد على الحدود الأردنية الذي يبنيه الإيرانيون على طول أربعمائة كيلو متر على حدودنا الشرقية، وضد مصر، وضد قطاع غزة، وضد الإرهاب المتزايد في يهودا والسامرة)، يقصد الضفة الغربية.
وبدلًا من التركيز على أمن إسرائيل من التهديد الوجودي الذي يلوح في الأفق، أوصى إيال زامير رئيس الوزراء، بمواصلة الحرب ضد حماس من خلال عملية (عربات جدعون).. ووعد بأنه سيكون قادرًا على هزيمة حماس وتحرير الرهائن.. ولكن ليس فقط أن الجيش الإسرائيلي لن يحقق أهدافه ويفشل فشلًا ذريعًا ضد حماس، بل إنه لن يتمكن أيضًا من إعادة تأهيل نفسه ضد التهديدات المستقبلية، والتي هي أخطر بألف مرة من تهديد حماس.. وبذلك، (فإنها تعرض مواطني إسرائيل للخطر بشكل مباشر).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.