حول “لعنة البودكاست” التي أثرت على الملك “حواس”!

حول “لعنة البودكاست” التي أثرت على الملك “حواس”!

 بعيدًا عن الجدل الدائر حول دقة المعلومات التي قدّمها الدكتور زاهي حواس، أو المطالبة بأدلة تثبت صحة أقواله، يبرز سؤال أكثر أهمية: هل كان الدكتور حواس يمثل شخصه في هذا الحوار، أم كان يمثل مصر؟ الدولة التي هي في أمسّ الحاجة إلى دعاية إيجابية وذكية على المنصات الإعلامية العالمية. في لقائه الأخير مع الإعلامي الأمريكي الشهير جو روغان، الذي يتابعه ملايين من مختلف الثقافات والخلفيات، أُتيحت للدكتور “حواس “فرصة ذهبية لتسويق الحضارة المصرية، وتعزيز صورة مصر في أذهان جمهور عالمي، واستعراض التاريخ المصري العريق بأسلوب حديث قادر على إثارة الإعجاب والفضول. لكن للأسف، لم تُستثمر هذه الفرصة كما ينبغي. من تابع الحوار سيلاحظ أن الدكتور” حواس “لم ينجح في استغلال المنصة بالشكل الأمثل. فبعيدًا عن مضمون المعلومات، الذي قد يكون غنيًا وذا قيمة، جاءت طريقة تقديمها عشوائية، تفتقر إلى الاحتراف، وملأها الانفعال غير المبرر، ما أضعف من تأثير الرسالة وأربك المتلقي. لم تكن المشكلة في نقص المعرفة، بل في إدارة الحوار وتقديم الأفكار بشكل مُحكم ومقنع. امتلاك المعرفة لا يكفي، بل يجب أن يُصاحبه أسلوب عرض عقلاني، سرد محكم، وهدوء يُكسب المتلقي الثقة. وفي هذا السياق، بدا الدكتور وكأنه يخوض معركة شخصية للدفاع عن وجهة نظره، لا كمن يمثل حضارة عمرها آلاف السنين. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل كان الدكتور حواس يتحدث بصفته الشخصية، أم بصفته ممثلًا لمصر؟ لأن الظهور على منصة بحجم بودكاست جو روغان لا يُعامل كما لو كان لقاءً محليًا عابرًا، بل هو حضور إعلامي له ما له، وعليه ما عليه. كان من الممكن أن يتحول هذا الظهور إلى حملة علاقات عامة ناجحة لمصر، خصوصًا في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بالحضارات القديمة. لكن ما حدث كشف عن غياب الحرفية الإعلامية، حيث أظهرت طريقة تفاعل الدكتور حواس مع الحوار نقصًا في التدريب على مخاطبة جمهور دولي واسع، جمهور يتوقع اتزانًا في الطرح، ومرونة في النقاش، وقدرة على الجمع بين الدفاع عن وجهة النظر واحترام الرأي الآخر. من هنا تبرز ضرورة ملحّة لإعادة النظر في إعداد الشخصيات العامة التي تمثل مصر على الساحة الدولية. فالمطلوب ليس فقط إتقان اللغة أو امتلاك المعلومة، بل أيضًا مهارات الإقناع، وضبط الانفعالات، وفهم ديناميكيات التواصل الحضاري. تمثيل بلد مثل مصر يتطلب وعيًا إعلاميًا، وحسًا دبلوماسيًا، وخطابًا مدروسًا يتجاوز الانفعالات الشخصية. الدكتور” حواس” قيمة علمية كبيرة لا يمكن إنكارها، لكن الأحداث الأخيرة تسلّط الضوء على جانب مهم: التمثيل الإعلامي ليس ترفًا، بل مسؤولية وطنية تتطلب إعدادًا من نوع خاص. ولعل ما حدث في هذا اللقاء يكون بمثابة جرس إنذار لمراجعة الطريقة التي نُعد بها رموزنا الثقافية للحديث باسم مصر في المحافل الدولية.
لقد جمع حوار “جو روغان “والدكتور زاهي حواس كل عناصر الفرصة الضائعة. بدا وكأن “فرصة مصرية ضاعت على الهواء”، وهي فرصة كان يمكن أن تكون منصة ذهبية لتقديم الحضارة المصرية للعالم بلسان أحد أبرز علمائها. لكن ما جرى كان أقرب إلى “أزمة خطاب على المسرح العالمي”، إذ “حين تحدث زاهي حواس، غابت مصر”، وغابت معها الرسالة الثقافية التي كان يُفترض أن تُنقل “من العالم إلى العالم… لكن بلا رسالة”.
لقد طغى الانفعال على المعلومة، وانحرفت البوصلة عن جوهر الحوار، فبرز سؤال مُلحّ: “كيف خسرنا ميكروفون جو روغان؟” وكيف تحوّل “صوت مصر في الخارج” إلى صوت بدا “خارج السياق”؟ لقد “فتح جو روغان الباب”، وكان بإمكان مصر أن تدخل بثقة وذكاء، لكنها “أغلقت الباب بلسان زاهي حواس” في لحظة كان يمكن أن نُحسن استثمارها لصالح التاريخ، والثقافة، والهوية.