مصر العظيمة تستعيد قوتها!

(١)
شهدت مصر فى الأسابيع القليلة الماضية زخما داخليا كبيرا أثبت أنها دولة قوية راسخة لا تهتز من مواقف آخرين، ولا يمكن استدراجها إلى ما لا تريد أو ما لا يتفق مع مصالحها ومصالح شعبها.
كانت البداية مع دخول اللائحة التنفيذية لقانون لجنة اللاجئين حيذ التنفيذ وما صاحب ذلك من موجات تشكيك وتشويه ومغالطات متعمدة.
منذ أشهر ثارت ثائرة البعض – دون وجه حق – ضد قيام الدولة المصرية بممارسة حقها المشروع فى إيجاد هيئة وطنية – مثل سائر الدول – تتولى ملف اللاجئين والمقيمين الأجانب. لم يكن القانون بدعة جديدة، إنما سبقت مصرَ إليه دولٌ كثيرة.
كان المهاجمون يعلمون تماما ماذا ستعنيه الموافقة على إصدار هذا القانون من ترسيخ لسيادة الدولة المصرية بما يتعارض مع أجندات هؤلاء الرامية إلى الضغط على مصر داخليا بهذا الملف. لم يكن منطقيا أن تملك حق إدارة هذا الملف الشائك هيئة غير مصرية تمنح من تريد حق الحصول على صفة قانونية على أرض مصر. أدرك المخلصون من شعب مصر هذا جيدا وساندوا دولتهم فى صد هذا الهجوم مدفوع الأجر حتى صدر القانون وأصبح واقعا مصريا.
مرت المدة القانونية لتفعيل القانون وحانت لحظة تولى الدولة المصرية هذا الملف كاملا. وتزامن هذا مع تخلى الهيئة الدولية الأممية عما كانت تقدمه من دعم مالى لهؤلاء. فكان من طبائع الأمور أن تحدد مصر ما يتوافق مع مصالحها ومصالح شعبها. ولنا أن نتخيل المشهد لو لم يصدر هذا القانون، مع هذا التخلى عن هذا الدعم المالى. كان هذا سيعنى إلزام مصر بأعباء مالية دون أن يكون لها أى حق فى منح أو منع هذه الصفة القانونية بالغة الخطورة. أى أن تصبح مصر ملزمة بهذه الأعباء دون أن تكون صاحبة قرار!
(٢)
حين بدأت مصر مؤخرا فى تطبيق قانونها بدأت الموجة المتوقعة من الضغط عليها ومحاولة تصوير الأمر على غير حقيقته بأنها تتعسف مع اللاجئين، كما تم الخلط عمدا بين قوانين إقامة الأجانب وبين قانون اللاجئين.
مصر دولة محترفة ذات سيادة تدرك أبعاد ما يدار لها وتدرك متى تتخذ قرارها بما بتوافق مع قوانينها ومع القوانين الدولية. وأى محاولات تشويه أو ضغط لإجبارها على قبول ما لا تقبله لن تجدى نفعا. فعلى المصريين أن يطمئنوا لإدارة هذا الملف دون صخبٍ لا يفيد. حددت مصر خطوطها الزمنية الرحيمة لغلق هذا الملف باحترافية شديدة وبما لا يتعارض مع مبادئها الأخلاقية.
وعلى هامش هذا الموضوع لا ينبغى أن ننسى حقيقتين، الأولى هى أن كثيرا من غير المصريين ممن يعتنقون فكرا لا يتفق مع مبادىء الدولة المصرية قد تسللوا لمصر فى عامى الفوضى وحكم الجماعة الإرهابية لمصر. ولعلنا لا ننسى قطعا المشهد الكئيب باستاد القاهرة حين رأينا مجرمى الجماعات المتأسلمة يتصدرون الصفوف، وما طلبه أول رئيس مصرى مدان بالخيانة من القوات المسلحة المصرية على الهواء مباشرة. هذا المشهد يكشف مَن أدخل هؤلاء المنتمين لنفس الجماعة إلى مصر!
أما الحقيقة الثانية فهى أن القانون المصرى – الذى صدق عليه البرلمان وتم تفعيل لائحته التنفيذية – ينص بوضوح على حق مصر فى إبعاد من يحمل أى تهديدات لأمنها القومى خارج أراضيها كما تفعل ذلك بالفعل كل الدول.
(٣)
فى تصريحات هى الأهم والأقوى من الناحية الاقتصادية، أعلن رئيس الوزراء المصرى أن مصر لن تكون فى حاجة إلى برنامج جديد من صندوق النقد الدولى وأنها ستكتفى بالبرنامج الحالى الممتد لعام ٢٠٢٧م، وبما يعنيه ذلك من إعلان قوة واستقرار للاقتصاد المصرى الذى حقق نسبة نمو مرتفعة فى النصف الأول من هذا العام، مع انخفاض نسبة التضخم، وزيادة نسبة الاستثمار الأجنبى.
هذه التصريحات تعنى أن مصر قد تخطت بالفعل مرحلة مهمة فى بناء اقتصاد آمن. وأن جهود الدولة المصرية فى السنوات الماضية فى تدشين بنية أساسية قوية قد أتت ثمارها بعد كل موجات التشكيك. هو انتصارٌ مهم لمصر تتضاعف قيمته من حقيقة تحقيقه فى ظروف سياسية استثنائية مثل تأثر مصدر مهم هو قناة السويس، ومواجهة مصر لتهديدات سياسية عاصفة. حديث رئيس الوزراء الرسمى الموثق هو شهادة نجاح لرؤية القيادة السياسية المصرية.
(٤)
مشهد اجتماع رجال الأعمال الأمريكيين بالقيادة المصرية الممثلة فى شخص الرئيس ذاته ومعه مجموعة عمل وزارية مختصة بالاستثمار، لا يمكن نزع الطابع والمغزى السياسى عنها. فقبل ذلك المشهد بأيام قليلة شاهد العالم بأسره كيف تتعاطى الإدارة الأمريكية مع كثيرٍ من دول المنطقة بمنطق استغلال اقتصادى صريح لصالح المواطن الأمريكى لا لصالح مواطنى هذه الدول. وتزامن ذلك مع موجة تشكيك فى دور وأهمية مصر فى المنطقة.
فإذا بهذا المشهد – الذى لم يُرفع فى خلفيته سوى العلم المصرى فقط – يصفع هؤلاء صفعة كبرى. وحتى لا يتم تقديم أى تفسيرات دعائية ضد مصر، فقد أتى حديث الرئيس لرجال الأعمال الامريكيين واضحا لا غموض فيه. تحدث الرئيس عن استثمارات أمريكية فى مصر بما يعنى إقبال رأس المال لمصر وليس العكس. وبما يعنى أن مصر قد حققت بالفعل طفرات قوية فى تدشين بنية قانونية وبنيوية تجعل منها قبلة آمنة لهذا الاستثمار.
كان المشهد يعنى مبادرة أمريكية للتأكيد على دور مصر وقوتها كدولة محورية فى هذه المنطقة لا يمكن تجاوزها، وبما يؤكد تقديم شهادة أمريكية بامتلاك مصر لبيئة استثمارية دولية مستقرة.
لقد بدا المشهد صريحا جدا ولا يحتمل سوى معنى واحد..أن مصر لا تهرول، أو تقدم تنازلات، أو تستجدى القوى العظمى، أو ترشى مؤسسات إعلامية، أو ترشى سياسيين لشراء أو تسول دور أو مكانة، إنما تطرق بابَها هذه القوى لتؤكد على قناعتها بدور ومكانة مصر اللذين لا يخضعان لمتغيرات السياسة أو المواقف العارضة.
(٥)
لم تفاجئنى مبادرة الرئيس بمتابعة المبادرة الجديدة التى قدمها لشباب مصر تحت عنوان (الرواد الرقميون.) فهذه المتابعة الرئاسية تتسق مع سياسة الرئيس المتوجهة منذ توليه منصب الرئاسة نحو تمكين الشباب المصرى، وتأهيلهم علميا وتدريبيا لمواكبة سوق العمل المصرى والعالمى. فالرئيس هو صاحب فكرة تأهيل الشباب المصرى فى الأكاديمية الوطنية للتدريب التى خرجت بالفعل عدة دفعات شقت طريقها لسوق العمل، وتولى خريجوها المناصب التتفيذية القيادية. وتأتى هذه المبادرة الجديدة لمنح الآلاف من شباب محافظات مصر فرصة مجانية للتأهيل الرقمى للعمل فى مجال الاتصالات برعاية وزارة الاتصالات والاكاديمية العسكرية. فرصة ذهبية للطامحين من شباب مصر للحصول على تأهيل مجانى يكون طريقا مضمونا لنيل فرصة عمل ذات دخل يوفر مستقبلا آمنا.
(٦)
حين نضع هذه المشاهد فى لوحة سياسية واحدة، ما الذى تقودنا إليه هذه اللوحة؟ أول ما يلفت الانتباه هو التوقيت السياسى لهذه المشاهد. ففى ذروة الوهم – الذى غرق فيه البعض عن تراجع دور مصر فى المنطقة لمجرد أنها نأت بنفسها عن المشاركة فى مزاد التنازلات السياسية المشينة – أتت هذه المشاهد لكى تضع هذا الوهم فى موضعه الصحيح وهو سلة مهملات التاريخ! فمصر لا تهرول، لكن يُهرول إليها وتُطرق أبوابها، وهى من تختار وتمنح شرف القبول أو تمنعه.
وثانيا تذكرنا تلك اللوحة السياسية بحقيقة سياسية سرمدية لا تتغير بتغير العصور، وهى أن القوة هى اللغة الوحيدة التى تفهمها القوى العظمى. فهذه القوى لا تحترم ولا تروض أطماعها ولا تتهذب فى ممارستها السياسية إلا مع الدول التى تمتلك القوة التى تمكنها من الدفاع عن أراضيها وشعوبها وشرفها السياسى.
ولا تنحصر القوة هنا فى المعنى العسكرى فقط، إنما – وهو الأهم – تعنى قوة الشعوب وصلابتها وتماسكها فى أى مواجهة محتملة، سواء مواجهة عسكرية أو ضغوط اقتصادية. فتلك القوى العظمى ليست ساذجة وتمتلك من المعلومات ما يصوغ سياستها تجاه دول هذه المنطقة بطرق مختلفة حسب مفردات كل دولة. وهذا هو بيت القصيد. لو كانت مصر الآن لا تمتلك هذه القوة لأصبحت المشاهد السياسية تختلف تماما عما شاهدناه مؤخرا.
لو لم تقم الإدارة المصرية الحالية بالاستعداد جيدا فى السنوات الماضية لما يحدث الآن خاصة معركتها فى سيناء منذ عام ٢٠١٤م لتمت المؤامرة فى الأيام الاولى من أكتوبر ٢٠٢٣م!
ولو لم تقم هذه الإدارة بهذا الجهد الضخم فى تدشين البنية الأساسية التنموية لما أقبل على الاستثمار فى مصر مستثمرٌ واحد!
ثالثا هذه اللوحة – خاصة مشهد رجال الأعمال – تصفع هذا الساقط الذى اختار منبرا إعلاميا خارج مصر ليعرض بمناخ الاستثمار فى مصر. ومما يضيف إثارة كبرى لدوى هذه الصفعة أنها أتت من نفس الدولة التى اختارها لكى يبتز مصر!
إن خلاصة هذه اللوحة بهذه التفاصيل وغيرها، أن مصر اختارت أن ترد بشكل واقعى هادىء وقوى على كل من راهنوا على ضعفها أو إضعافها أو تراجعها. إن مصر القوية الراسخة الواثقة تنتفض لتطمئن أبناءها بأن دولتهم قادرة على عبور كل ما بدا وكأنه مواجهات تفوق طاقتها. مصر دولة قوية.. هذه رسالة مصر لأبنائها.
(٧)
أن تأتى متأخرا خيرٌ من ألا تأتى..راودتنى هذه المقولة وأنا أتابع هذا السيل من كتابات مثقفى مصر عن المشهد الراهن على الحدود الشرقية. وبدأت أشك فى حقيقيتها المطلقة!
فالآن الكل يرى – بلا ضبابية – المشهد أو المؤامرة على حقيقتها وفى مراحلها الأخيرة. كتبتُ تعليقا مقتضبا على أحد هذه الكتابات بأن بعض مثقفى مصر أدركوا الحقيقة مؤخرا جدا جدا. للأسف هذا هو الواقع.
لقد عانت الدولة المصرية كثيرا، واستهلكت من طاقتها وأدواتها ووقتها الكثير لإقناع هؤلاء المثقفين بأن مصر هى المستهدفة.
ففى الأيام الأولى بعد هجمات السابع من أكتوبر صرح الرئيس بوضوح بأن مصر تواجه تهديدا حقيقيا خطيرا لأمنها القومى. ورغم هذا التصريح الكاشف المبكر من رأس الدولة، فقد رأينا من كثير منهم إما تهافتا كبيرا أو صمتا مريبا.
كتب بعضهم مؤخرا عن الكمين الذى يُعد لمصر. وكتب البعض الآخر أننا فهمنا خطأ واتخذنا مواقفا خطأ حين كانت مصر تقوم بتسليح نفسها. هذه الكتابات المتأخرة تلقى بسؤالٍ مهم عن شرعية وجود المثقف أو حقيقة الحاجة إليه حين يفشل فى إدراك ما ينبغى عليه إدراكه فى اللحظات الحاسمة.
فحين يفشل المثقف أو المفكر فى التقاط ما خلف ظواهر أى مشهد سياسى، ويتساوى تعاطيه وإدراكه مع تعاطى عوام الناس يفقد شرعية دوره بعد ذلك. وحين تتكشف الحقائق أمام الجميع فقد تنتفى الحاجة إلى المميزين أو قادة الرأى. تماما مثل الذين هاجموا جماعة الإرهاب بعد أن أسقطها عموم المصريين.
الذين صمتوا حين كانت مصر تُهاجَم بشراسة ويُراد إسقاطُها فى الفخ، وحين كانت تتعرض للسب والقذف والمزايدة ليل نهار فى الأسابيع الأولى، هؤلاء لا حاجة لنا بما يكتبون الآن حين أصبح من ينكر الحقيقة مجرد معتوه!
أقول لهؤلاء الذين صمتوا أو سقطوا فى الفخ وتخلوا عن مساندة مصر فى ذروة توحش الهجوم والمزايدة.. لا بأس فمعارك الأوطان لا تنتهى أبدا. شرعيتكم فى هذه المواجهة – كمثقفين أو مدعين أنكم تخوضون معركة مصر – هى محل شك ولا ريب. لكن عليكم دراسة هذه الجولة من بدايتها حتى الآن، ودراسة ما اتخذتموه من مواقف، وتصويب قناعاتكم استعدادا لجولات ومعارك وطنية آتية لا محالة. أما الآن فكل المصريين يعلمون الحقيقة وليسوا فى حاجة إلى شروحاتكم التى أصبحت خارج السياق.
(٨)
فكيف نصدق مثلا من كانوا حتى أسابيع قليلة مضت يراهنون على شعارات عروبية عف عليها الزمن، أو الذين كانوا يستخدمون مصطلحات خادعة عن المليشيات والدول الراعية لها مثل مصطلح محور المقاومة معرضين بمصر؟!
كيف نصدق من كانوا حتى الأمس القريب يصفون خونة صرحاء بأنهم مقاومون؟
وكيف نصدق من كانوا يحاولون التغرير بنا ويتحدثون عن فقه الأولويات لكى تُعرض مصر عن تسليح نفسها أو تصرف نظرها عن المضى قدما فى مشاريع بنيتها التحتية؟
هذه المرة لا تصدق هذه المقولة.. أن تأتى متأخرا خيرٌ من ألا تأتى. لكن فائدة مشاهد الفرز القاسية عبر الأشهر الماضية أن البعض عليه أن يتحلى بالشجاعة أولا فيقدم اعتذارا صريحا عن تخليه عن مساندة مصر، سواء بالصمت أو بالوقوع الصريح فى فخ المزايدة على مصر.
تتسع القائمة لتشمل بعض المؤسسات الثقافية أو الدينية وبعض الأسماء بعينها. هؤلاء فقدوا شرعية تصدرهم لقيادة أو توجيه الرأى العام حتى إشعارٍ آخر.. أو حتى اختبارٍ آخر!