أنقذوا موهبة رفع الأثقال

في كل مرة تلمع فيها موهبة رياضية شابة على الساحة، يتجدد الأمل في أن يكون المستقبل حافلًا بالإنجازات، وأن يتحول هذا البطل الصاعد إلى نجم يُرفع باسمه علم الوطن في المحافل الدولية لكن خلف هذا المشهد المبهج، تختبئ مأساة متكررة؛ مأساة ما يُعرف بـ”نزيف المواهب”.في كل بطولة دولية للناشئين أو الشباب، نرى عددًا كبيرًا من اللاعبين المصريين يحققون نتائج مبهرة في مختلف الألعاب، سواء الفردية أو الجماعية، ليتجدد الأمل في مستقبل رياضي واعد. ولكن، للأسف، مشوارهم لا يكتمل سوى للقليل منهم، وأقل من هذا القليل مَن يتمكن مِن الوصول إلى البطولات الكبرى أو تحقيق النجومية الحقيقية. ومع كل مرحلة عمرية، يتضاءل العدد وتزداد حالات الاختفاء، لأسباب متعددة ومعقدة.أتذكر جيدًا اللاعب إبراهيم صبري، بطل القوس والسهم، الذي فاجأ الجميع في أولمبياد الشباب التي أُقيمت في سنغافورة عام 2010، عندما فاز بالميدالية الذهبية في لعبة لطالما سيطر عليها نجوم آسيا وخاصة كوريا الجنوبية في تلك اللحظة، شعرنا أن الحلم الأولمبي في هذه الرياضة بات قريبًا. ولكن، أين إبراهيم صبري اليوم؟ لماذا لم يُكمل مسيرته؟ ما الأسباب التي أدت إلى اختفاء موهبة كانت تُبشر بالكثير؟ هل غابت عنه الخطة؟ أم افتقد الدعم؟ أم أن الروتين الإداري قتله كما قتل غيره من المواهب؟قضية إبراهيم ليست استثناءً، بل هي نموذج يتكرر.
بلدنا الحبيب تمتلك وفرة من المواهب، وأيضًا كل مقومات النجاح والدليل هو عدد الميداليات التي نحصدها في بطولات العالم وأولمبياد الشباب. لكن حين ينتقل اللاعب إلى الدرجة الأولى، يبدأ مستواه في التراجع.. لماذا؟ هل تكمن المشكلة في طريقة إدارة الموهبة؟ هل هناك فجوة بين دعم الناشئين ودعم الكبار؟ وهل تعلم الاتحادات الرياضية كيف تحتضن أبطالها، أم أنها تكتفي بالتصفيق وقت الإنجاز ثم تتخلى عنهم بعد ذلك؟اليوم، يساورني القلق على موهبة جديدة صاعدة بنفس القوة التي صعد بها إبراهيم صبري في السابق.. أتحدث عن اللاعب عبد الرحمن حسين متولي، بطل رفع الأثقال، الذي لا يزال في المرحلة الإعدادية، وقد تمكن من الفوز بثلاث ميداليات ذهبية في كأس العالم للناشئين التي أُقيمت مؤخرًا في بيرو. كما كان قريبًا من تحقيق ميداليات في مرحلة الشباب، لولا سوء الإدارة الفنية للاعب أثناء المنافسات.وبعد عودة اللاعب إلى أرض الوطن وبدلًا من أن نسمع عن خطة إعداد طويلة الأمد لهذا البطل الواعد، فوجئنا بتحويله إلى التحقيق هو ووالده – الذي يشغل أيضًا منصب مدرب رفع أثقال – بسبب تعليق كتبه عبد الرحمن على منشور في “فيسبوك” لم يعجب المسؤولين في الاتحاد ليتم الامتثال للتحقيق، لكن الأمر لم يُحسم، بل جرى تسويفه، وكأن مستقبل البطل الشاب لا يستحق الحسم أو الاهتمام البطل الواعد الذي حفظ ماء وجه الاتحاد بميدالياته فبدلًا من احتوائه يتم التنكيل به من مسؤلين في طريقهم لإضاعة تاريخ لعبة طالما كانت سببًا في رفع علم مصر في المحفل الأولمبي، فاتحاد رفع الأثقال الحالي تراجعت معه النتائج وتراجعت معه أرقام أوناش مصر كما كانت سياساته الخاطئة سببًا في القضاء على العديد من المواهب التي تتساقط في الطريق كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف.ما يحدث أمر مؤسف، ولا يليق بدولة تُولي الرياضة اهتمامًا غير مسبوق في السنوات الأخيرة، وتبذل مجهودًا كبيرًا في دعم أبطالها، لاسيما في الألعاب الفردية. ولكن، هل يكفي هذا الدعم إذا لم تُدار المواهب بعقلانية، وإذا لم تُصغِ الاتحادات الرياضية لصوت هؤلاء اللاعبين، وإذا استمر الروتين الإداري في إهدار الفرص؟إننا بحاجة ماسة إلى مراجعة أنفسنا، وإعادة النظر في طريقة التعامل مع المواهب الشابة. فالميدالية الأولمبية لا تُصنع يوم المنافسات، بل تبدأ من اليوم الذي نقرر فيه أن نحافظ على الموهبة ونرعاها ونديرها بطريقة علمية مدروسة، بعيدًا عن الأهواء الشخصية، وبعيدًا عن تهميش الطاقات بحجج واهية.
لا يجوز أن نخسر عبد الرحمن كما خسرنا العديد من مواهب رفع الأثقال من قبل ولا يجب أن نترك بعض الاتحادات تسير على نهج خاطئ وتقوم بتصفية حسابات مع أبطال صغار كل واحد منهم حقق في بداية مشواره ميداليات تفوق عدد ميداليات كل أعضاء الاتحاد إن كانوا قد مارسوا اللعبة أو حصل بعضهم أو معظمهم على ميداليات من الأساس.